خرج عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي عن صمتهم وكشفوا عن جرائم مروعة ارتكبوها في قطاع غزة ضد المدنيين بأوامر من قادتهم، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن شهادات جنود الاحتلال تفضح الانهيار الكامل للمعايير العسكرية والإنسانية التي يفترض أن تضبط سلوك الجنود في ساحة الحرب.
وأضافت أن الاعترافات جاءت ضمن فيلم وثائقي بريطاني جديد يحمل عنوان "كسر الصفوف: داخل حرب إسرائيل"، المقرر بثه على قناة "ITV" البريطانية، والذي يقدم صورة قاتمة عن واقع العمليات الميدانية في غزة، حيث تحولت أوامر القتل إلى نزوات شخصية، والدم الفلسطيني إلى هدف مشروع دون مبرر.
فضائح جيش الاحتلال في غزة
يبدأ الوثائقي بشهادة القائد الميداني دانيال، وهو مسؤول عن وحدة دبابات في جيش الاحتلال، قال فيها إن أي جندي يمكنه إطلاق النار وقتما شاء، دون أن يُسأل أو يُحاسب، مؤكدًا أن من يريد أن يطلق النار بلا قيود يستطيع أن يفعل ذلك متى أراد.
يكشف الوثائقي عن سلسلة من الشهادات لجنود خدموا في غزة خلال العامين الماضيين، تحدث بعضهم بأسمائهم الحقيقية بينما فضل آخرون إخفاء هويتهم، وجميعهم أشاروا إلى غياب كامل لقواعد السلوك تجاه المدنيين، بعد أن تحولت غزة إلى ساحة للانتقام لا تخضع لأي قانون أو رقابة.
وتحدث الضابط يوتام فيلك من سلاح المدرعات عن القاعدة التي يتلقاها الجنود في التدريب، والمعروفة بثلاثية "الوسيلة، النية، والقدرة"، والتي تحدد متى يمكن إطلاق النار، لكنه أوضح أن هذه القاعدة اختفت كليًا في غزة، لافتًا إلى أن الاشتباه وحده كان كافيًا للقتل، وإن مجرد رؤية رجل يتنقل في منطقة معينة بين سن العشرين والأربعين كانت تُعد مبررًا كافيًا لإطلاق النار عليه.
أما الجندي إيلي، فقال إن القرار بالحياة أو الموت لم يعد يخضع لأي لوائح أو تعليمات، بل لمزاج القائد الميداني، مؤكدًا أن تحديد من هو "إرهابي" أصبح عشوائيًا إلى درجة العبث، فمن يسير بسرعة يثير الشك، ومن يسير ببطء يُعتبر متأمرًا، وكل حركة يتم تفسيرها كتهديد عسكري.
يروي أحد الشهود في الوثائقي حادثة مأساوية عندما أمر ضابط إسرائيلي بتدمير منزل في منطقة تُعتبر آمنة للمدنيين، لمجرد أن رجلًا كان يعلق الغسيل على سطحه.
لم يكن الرجل يحمل سلاحًا ولا منظارًا، ولم يكن قريبًا من أي موقع عسكري، ومع ذلك أطلقت الدبابة قذيفتها، فانهار المبنى جزئيًا وأسفر القصف عن مقتل وإصابة عدد كبير من المدنيين.
أكاذيب إسرائيلية يفضحها جنود الاحتلال
وكشف تحليل أجرته صحيفة "الجارديان البريطانية" لبيانات عسكرية إسرائيلية أن 83% من القتلى في غزة هم من المدنيين، وهو معدل غير مسبوق في النزاعات الحديثة.
ورغم هذه الأرقام، يواصل جيش الاحتلال نفي الاتهامات، زاعمًا أنه يلتزم بالقانون الدولي وأن حركة حماس تتعمد الاحتماء بالمدنيين.
لكن هذه التبريرات تنهار أمام الكم الهائل من الأدلة التي يقدمها الجنود أنفسهم، والذين أكدوا أن جيش الاحتلال يستخدم المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، عبر ما يسمى داخل المؤسسة العسكرية بـ"بروتوكول البعوضة"، وهو أسلوب يجبر فيه المدنيون على دخول الأنفاق لجمع بيانات استخباراتية، بينما يتم رصد تحركاتهم عبر أجهزة تتبع.
الجميع في غزة هدف للاحتلال
قال القائد دانيال إن عبارة "لا يوجد أبرياء في غزة" أصبحت شعارًا متداولًا بين الجنود بعد أن كررها مسئولون بارزون، بمن فيهم الرئيس إسحق هرتسوج الذي صرح بأن الشعب الفلسطيني بأكمله مسئول عن الهجوم"، وأضاف دانيال أن تكرار هذا الخطاب جعل الجنود يقتنعون بأن كل فلسطيني هدف مشروع.
أحد الضباط تحدث عن لقاء جمعه بحاخام لواء ميداني جلس إلى جواره نصف ساعة ليقنعه بأن الانتقام من جميع الفلسطينيين هو واجب ديني، وأنه لا ينبغي التمييز بين مقاتل ومدني.
الحاخام المتطرف أفراهام زاربيب، الذي خدم لأكثر من 500 يوم في غزة، صرح بأن القطاع بأكمله بنية تحتية إرهابية واحدة، وبرر تدمير الأحياء الفلسطينية، بل تفاخر بقيادة الجرافات العسكرية بنفسه، لافتًا إلى أن جيش الاحتلال أنفق مئات الآلاف من الشواكل لتدمير غزة بالكامل.
جرائم استهداف المدنيين خلال توزيع المساعدات
أحد العاملين في مواقع توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية المدعومة أمريكيًا وإسرائيليًا، قال إنه شاهد جنود الاحتلال يطلقون النار على مدنيين غير مسلحين أثناء محاولتهم الحصول على الطعام.
وروى حادثة قُتل فيها شابان برصاص مباشر أطلقه جنديان ركعا أرضًا واستهدفا رأسيهما، كما أشار إلى واقعة أخرى أطلقت فيها دبابة إسرائيلية قذيفة على سيارة مدنية كانت تقل أربعة أشخاص عاديين.
بيانات الأمم المتحدة تؤكد مقتل ما لا يقل عن 944 مدنيًا فلسطينيًا أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات الغذائية، ورغم هذه الحقائق، تواصل المؤسسة الإنسانية والجيش الإسرائيلي نفي استهداف المدنيين، فيما لم تسفر التحقيقات الداخلية عن أي محاسبة حقيقية.
الجنود الذين أدلوا بشهاداتهم تحدثوا أيضًا عن آثار نفسية مدمرة تركتها الحرب في نفوسهم. قال القائد دانيال في نهاية الوثائقي إنه يشعر بأن الحرب دمرت فخره بانتمائه إلى إسرائيل وإلى جيشها، مضيفًا أن ما تبقى بداخله هو شعور ثقيل بالخزي والعار.










0 تعليق