فقه الدم.. تسجيل صوتى جديد يكشف: الإخوان أباحوا قتل ثلثى الشعب للحفاظ على السلطة!

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم تكن الفتاوى التى خرجت من أروقة جماعة الإخوان مجرد اجتهادات دينية منحرفة، بل كانت ولا تزال أدوات سياسية لتبرير القتل والإبادة باسم الدين، تخدم مشروع الجماعة فى السيطرة والبقاء، حتى لو كان الثمن التضحية بثلثى الشعب.

تسريب صوتى جديد من السودان أعاد فتح ملف «فقه الدم»، الذى تأسست عليه الجماعة منذ نشأتها، كاشفًا عن أن ما جرى فى الخرطوم ليس إلا امتدادًا لعقيدة التنظيم، وأن السلطة عندها فوق الحياة، والدم طريق الحكم.

فمنذ أن أفتى حسن البنا فى الثلاثينيات بجواز الاغتيال المشروع للخصوم السياسيين، وتأسيس التنظيم السرى المسلح الذى أوكله لعبدالرحمن السندى، الذى نفذ عمليات قتل واغتيالات ضد خصوم الجماعة، مثل القاضى أحمد الخازندار، ومحمود النقراشى رئيس وزراء مصر الأسبق، وصولًا إلى بيان «نداء الكنانة» الذى أباح دم القضاة والإعلاميين المصريين، وانتهاءً بفتوى الداعية الإخوانى السودانى عبدالحى يوسف بإبادة المتظاهرين السودانيين- يتضح أن جماعة الإخوان ليست مجرد كيان سياسى منحرف، بل منظومة فكرية تؤمن بأن البقاء فى الحكم يقتضى القضاء على المختلفين، حتى وإن كانوا من أبناء الوطن الواحد.

التسريب الأخير، الذى نُسب إلى القيادى الإخوانى السابق مبارك الكودة، كشف تفاصيل صادمة عن العقل التنظيمى حين يمتلك السلطة، إذ أقر بأن الجماعة كانت مستعدة لإبادة ثلثى الشعب السودانى من أجل «حماية الدولة الإسلامية»، وهو التعبير الذى طالما استخدمته الجماعة لتبرير جرائمها.

 

95c11a9108.jpg

فى التسجيل الذى دار بين «الكودة» وعضو التنظيم عمار السجاد، المدير السابق لمكتب زعيم «إخوان السودان» حسن الترابى، تحدث «الكودة» بمرارة عن سنوات الحكم الإخوانى فى السودان، مؤكدًا أن التنظيم كان يعتبر البلاد «غنيمة شرعية»، وأنه فصل أكثر من ٦٠٠ ألف موظف خلال عامين فقط من السيطرة على الحكم، مدمرًا واحدة من أعرق الخدمات المدنية فى إفريقيا. واعترف «الكودة» بأن الجماعة كانت مستعدة لإبادة الشعب من أجل البقاء، وأنها اعتبرت قتل ثلثى المواطنين وسيلة شرعية لحماية النظام.

أخطر ما فى التسجيل هو الإشارة إلى فتوى عبدالحى يوسف، الذى أجاز للرئيس المخلوع عمر البشير قتل ثلثى المتظاهرين الذين حاصروا القيادة العامة فى ٢٠١٩ بحجة الحفاظ على استقرار «الدولة الإسلامية»، وهذه الفتوى، حسب «الكودة»، كانت القاعدة التى برّرت استخدام العنف ضد المدنيين وأطلقت يد الأمن فى القتل دون حساب.

ويضيف «الكودة» أن دماء السودانيين سالت ثمنًا لصفقات السلطة، وأن الانقسام بين الشمال والجنوب لم يكن إلا نتيجة مباشرة لسياسات الجماعة التى تعاملت مع الدولة كإقطاعية خاصة.

وفى ختام التسجيل، وجّه «الكودة» نداءه إلى من تبقّى داخل التنظيم: «اتقوا الله، نحن من دمّرنا السودان، نحن من أوصلناه إلى الفشل والانهيار».

1869c89a99.jpg

لم يكن تسريب «الكودة» مجرد حادث عابر، بل شهادة دامغة على أن فكر الإبادة هو جوهر مشروع الإخوان منذ نشأتهم، فالتاريخ المصرى نفسه يحمل سوابق مماثلة، من التنظيم السرى الذى قاد الاغتيالات فى الأربعينيات إلى البيانات التى أصدرتها الجماعة بعد سقوط حكمها فى ٢٠١٣.

فتوى لـ«مرسى» نفسه خلال فترة حكمه كشفت عن أن إبادة الآخر لديهم عقيدة تنظيمية تتوارثها الأجيال المتعاقبة داخل التنظيم، إذ قال «مرسى» فى أحد خطاباته: «وإيه يعنى لما نضحى بشوية من الشعب عشان الباقى يعيش».

وبعد عزل محمد مرسى، خرج بيان «نداء الكنانة» فى مايو ٢٠١٥، الذى صاغه محمود عزت قبل القبض عليه، ووقّع عليه أكثر من نحو ١٥٩ قيادة، بينهم عبدالحى يوسف نفسه صاحب فتوى الإبادة لثلثى الشعب السودانى للحفاظ على الحكم الإسلامى، ويوسف القرضاوى، الذى أجاز العمليات الانتحارية ضد قوات الأمن.

البيان دعا صراحة إلى القصاص من القضاة والمفتين والإعلاميين والسياسيين الذين شاركوا فى ثورة ٣٠ يونيو، واعتبر أن شرعية مؤسسات الدولة قد سقطت، وأن دماء هؤلاء حلال.

وردّ الأزهر ووزارة الأوقاف، حينها، ببيانات غاضبة، وصف فيها الوزير محمد مختار جمعة الموقّعين بأنهم مجرمون فى حق دينهم ووطنهم، مؤكدًا أن البيان لا يمتّ للإسلام بصلة، بل هو وثيقة دم وتحريض.

f475f56f00.jpg

لم تكن تلك الفتاوى حبيسة الأوراق، بل وجدت طريقها إلى المنصات والميادين، فمن فوق منصة رابعة العدوية أطلق القيادى الإرهابى طارق الزمر تهديده الشهير: «سنسحقهم جميعًا، وسيكون هذا اليوم الضربة القاضية لكل المعارضة».

ثم تلاه صفوت حجازى الذى قال عبارته الدموية: «اللى هيرش مرسى بالمياه هنرشه بالدم»، إذ كانت عبارة تلخص العقل الجمعى للجماعة المتمثل فى الدم مقابل الخلاف.

أما عاصم عبدالماجد، فقد أعلن على المنصة نفسها: «أرى رءوسًا أينعت وحان وقت قطافها»، فى إشارة صريحة إلى إباحة قتل معارضى الجماعة وحركة تمرد.

وفى لحظة مفصلية خلال مجزرة أحداث الاتحادية فى ٥ ديسمبر ٢٠١٢، جاء صوت المرشد العام محمد بديع ليعلن: «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار»، فتحول الخلاف السياسى إلى معركة دينية مفتوحة، وأُعطى القتل غطاء عقائديًا يشرعن سفك الدماء باسم الدين.

5498268fed.jpg

تاريخ الجماعة ملىء بفتاوى تشرّع العنف، أبرزها تلك التى صدرت عن يوسف القرضاوى، رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، الذى أجاز العمليات الانتحارية ضد قوات الأمن بدعوى أنها «جهاد فى سبيل الله»، فى مخالفة صريحة لأصول الفقه الإسلامى.

كما صدرت فتوى أخرى من أكرم كساب، عضو الاتحاد ذاته، دعا فيها إلى تفخيخ منازل معارضى الجماعة وقوات الأمن، واعتبر أن «التعامل معهم لا يجوز إلا بالقتل». بعض هذه الفتاوى بثّتها قنوات الجماعة من إسطنبول مثل «الشرق» و«وطن»، حيث تحوّل الخطاب الدينى إلى تحريض دموى مباشر ضد الشرطة والجيش والإعلاميين.

الإعلامى الإخوانى محمد ناصر، المموَّل من القيادى الفلسطينى عبدالرحمن أبودية، دعا صراحة إلى قتل الضباط عبر برنامجه، مكررًا الخطاب نفسه الذى أسّس له القرضاوى وكساب، وشرّعه «نداء الكنانة».

ded67073c9.jpg

تسريب فتوى عبدالحى يوسف ليس سوى تذكير بأن الجماعة ما زالت تستخدم الدين كسلاح سياسى، كلما ضاقت بها الأرض أخرجت من ترسانتها فتوى تبيح القتل، سواء فى القاهرة أو الخرطوم، ففى نظرها دماء المعارضين قربان، والسلطة غاية مقدسة، والفتوى رخصة بالذبح.

الجماعة ذاتها، التى رفعت شعار «الإسلام هو الحل»، جعلت القتل حلًا لكل أزمة تواجهها، ومن حسن البنا إلى القرضاوى، ومن البشير إلى مرسى، ومن رابعة إلى الخرطوم، لم يتغير المنهج، ظل كما هو، وتمثل فى عقيدتها بأن الإبادة سبيلها للحكم.

e323385ac2.jpg

يقول الباحث والإعلامى الدكتور حسام الغمرى إن فتاوى الإبادة فى السودان ليست حادثة معزولة، بل امتداد طبيعى لفقه الدم الذى زرعته الجماعة فى فكرها ومناهجها.

ويضيف أن الجماعة لا ترى فى البشر إلا أدوات لخدمة التنظيم، موضحًا أنها تعتبر نفسها «الفرقة الناجية» وسائر الناس «جاهليين»، وأن هذا المنهج يكاد يطابق الفكر الصهيونى الذى وصف الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية».

يذكر أن فكر الإخوان لا يكتفى بإهدار الدم، بل يستحل الأموال والحقوق أيضًا، فالجماعة تبرر نهب أموال خصومها، بل وأجور العاملين معها، كما شهد بذلك الإعلامى الإخوانى عماد البحيرى الذى كشف عن أن راتبه فى قناة «الشرق» كان مهينًا رغم مكانته، لأن القرارات المالية تحدّد داخل التنظيم لا بمعايير مهنية وإنما عبر عزام التميمى، وعبدالرحمن أبودية.

من جانبه، يؤكد طارق البشبيشى، الباحث المتخصص فى شئون الجماعات المتطرفة، أن الإخوان «يعبدون التنظيم»، معتبرين بقاءه غاية تعلو على الدين والوطن، مضيفًا: «هم مستعدون لحرق الأرض وإزهاق الأرواح فى سبيل التنظيم، يعبدونه بلسان حالهم، وإن أنكروا ذلك بلسان قولهم».

ويبين أن تاريخ الجماعة شاهد على ذلك، إذ كانت كل عملية اغتيال أو تخريب تسبقها فتوى تبريرية، من اغتيال النقراشى باشا إلى قتل القاضى الخازندار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق