اللحظات الأخيرة في حياة زغلول النجار.. ما لا تعرفه عن العالم الذي أبهر الغرب والشرق
وفاه زغلول النجار.. خيم الحزن على الأوساط العلمية والدعوية صباح اليوم بعد وفاة زغلول النجار، العالِم المصري البارز في مجال الجيولوجيا والإعجاز العلمي في القرآن الكريم، عن عمر ناهز 92 عامًا، في العاصمة الأردنية عمّان، حيث كان يعيش الدكتور زغلول النجار في سنواته الأخيرة قريبًا من طلاب العلم ومحبيه.
وبعد إعلان خبر. وفاه زغلول النجار تساءل كثيرون من جمهوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي: «هل زغلول النجار على قيد الحياة؟»، إذ لم يصدق كثيرون في البداية نبأ رحيله، لما كان يتمتع به من حضور دائم عبر المحاضرات والبرامج التلفزيونية التي تركت أثرًا في جيل كامل من الشباب والباحثين عن علاقة العلم بالدين.
زغلول النجار.. من قرية صغيرة إلى أفق العالمية
وُلد الدكتور زغلول النجار في 17 نوفمبر عام 1933 بقرية مشال التابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية في مصر. نشأ في بيئة ريفية بسيطة، لكنه حمل في داخله شغفًا مبكرًا بالعلم، والتحق بكلية العلوم بجامعة القاهرة، ليتخرج عام 1955 بمرتبة الشرف الأولى، ثم نال جائزة الدكتور مصطفى بركة في علوم الأرض.
بعدها واصل رحلته الأكاديمية إلى بريطانيا، حيث حصل على الدكتوراه من جامعة ويلز عام 1963، ثم زمالة أبحاث ما بعد الدكتوراه، قبل أن يصبح أستاذًا جامعيًا في عام 1972.
العالم والداعية
اشتهر الدكتور النجار بقدرته الفريدة على الربط بين النص القرآني والحقائق الكونية، فكان من أوائل من أسسوا منهج الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وتفرغ لتوضيح آيات الله بلغة العلم الحديث.
كتب عشرات المؤلفات في هذا المجال، حتى صار اسم «كتب زغلول النجار» عنوانًا للبحث لدى طلاب العلم والدعاة. ومن أبرز مؤلفاته: من آيات الإعجاز العلمي في القرآن، الإنسان من الميلاد إلى البعث، قصة الخلق، علوم الأرض في الحضارة الإسلامية، الإعجاز العلمي في السنة النبوية.
قول العلماء في زغلول النجار
نال النجار تقدير علماء كثر في العالمين العربي والإسلامي، الذين أشادوا بجهوده في الجمع بين التخصص الدقيق والدعوة إلى الله بالحكمة والعلم. وقال أحد زملائه في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي: "كان الدكتور زغلول مدرسة متفرّدة في التفكير العلمي الإسلامي، لا يكتفي بالشرح بل يُلهب العقول بحثًا وتأملًا في آيات الله في الكون."
كما وصفه أحد طلابه بأنه "عالم يُحاور بعقل الجيولوجي ويخاطب بقلب المؤمن، فيقنعك بالبرهان قبل الوجدان".
بين البيت والمنبر
رغم شهرته العلمية، ظل الدكتور زغلول وفيًّا لحياته الأسرية، إذ كان دائم الحديث عن زوجة زغلول النجار التي شاركته رحلاته العلمية الطويلة ودعمته في مشواره الدعوي، واعتبرها "نصف الرحلة وصاحبة الفضل في تهيئة بيئة العلم في بيته".
أما عن مذهب زغلول النجار، فكان يتبع منهج أهل السنة والجماعة، ملتزمًا بالوسطية في الفكر والدعوة، رافضًا الغلو أو التعصب، مؤمنًا بأن الإسلام دين عقل ومنهج حياة متكامل.
منابر العلم والدعوة
وفاة زغلول النجار.. بدأ النجار رحلته الأكاديمية في جامعة القاهرة، ثم أسهم في تأسيس قسم الجيولوجيا بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، لينتقل بعدها إلى الكويت وقطر، كما عمل أستاذًا زائرًا بجامعة كاليفورنيا عام 1977.
وخارج أسوار الجامعة، كان له حضور قوي في المؤتمرات والمحافل الدولية، مؤمنًا بأن العلم وسيلة لفهم رسالة الله في الكون، لا خصمًا لها.
رحيل وامتداد
برحيل الدكتور زغلول النجار، فقد العالم الإسلامي أحد أبرز أعلامه الذين سعوا إلى أنسنة العلم وإحياء العقل المسلم في مواجهة الإلحاد المادي. لكن إرثه الكبير — علمًا وكتبًا وأفكارًا — سيظل شاهدًا على أن الإيمان والعلم جناحان لطائر واحد.
رحم الله العالم الجليل، الذي قرأ الصخور كما قرأ السطور، واستخرج من الأرض دلائل على الخالق، ومن النص القرآني إشارات إلى الكون الواسع، فصار اسمه جسرًا بين المعمل والمحراب، وبين العقل والقلب.
بين الإعجاز والتأويل
وفاة زغلول النجار .. رغم المكانة الكبيرة التي حظي بها الدكتور زغلول النجار في مجال الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فإن مسيرته لم تخلُ من الجدل والنقد، خاصة من بعض الأكاديميين والعلماء الذين رأوا أن محاولاته في الربط بين النصوص القرآنية والاكتشافات العلمية الحديثة تجاوزت أحيانًا حدود المنهج العلمي الصارم.
واتهمه بعض النقاد بـ«التزييف العلمي» أو «التخرييف» — على حد وصفهم — معتبرين أن بعض تفسيرات الإعجاز العلمي التي طرحها اعتمدت على تأويلات غير دقيقة أو استنتاجات علمية متسرعة، وربما نسب فيها للقرآن ما لم يقله النص صراحة.
في المقابل، دافع أنصاره عن منهجه بشدة، مؤكدين أن الدكتور النجار لم يكن يدّعي إثبات النص بالعلم، بل يسعى إلى إظهار التوافق بين الوحي والحقائق الكونية، وأن اجتهاداته تأتي ضمن إطار التفسير العلمي الذي يحتمل الصواب والخطأ كغيره من فروع المعرفة.
وهكذا ظل النجار – حتى وفاته – رمزًا لمدرسة فكرية مثيرة للجدل، جمعت بين التأمل الإيماني والبحث العلمي، وفتحت بابًا واسعًا للنقاش حول حدود الإعجاز العلمي في الفكر الإسلامي المعاصر.















0 تعليق