فى يوم العمران العالمي: المدينة ككتاب مفتوح.. كيف يحكي العمران تاريخ المصريين؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في مصر، لا تُروى الحكايات بالكلمات فقط، بل بالحجر أيضًا، فكل مدينة مصرية، من منف إلى القاهرة، ومن الإسكندرية إلى أسوان، هي كتاب مفتوح على الزمن، تكتب على جدرانها طبقات من التاريخ والهوية والتحول الاجتماعي.

العمران المصري ليس مجرد بناء يملأ الفراغ، بل ذاكرة متجسدة، تروي كيف عاش الناس، وكيف حلموا، وكيف تغيّروا عبر العصور. في يوم العمران العالمي الذى يحتفل به العالم اليوم الموافق 8 نوفمبر نستعرض تاريخ مصر العمراني منذ الآف السنين وحتى يومنا هذا.

منذ آلاف السنين، لم يكن المعبد أو الهرم مجرد مشروع هندسي، بل كان إعلانًا عن رؤية المصري القديم للعالم والخلود. فالهندسة الدقيقة للأهرامات، واتجاهها نحو النجوم، وتجليات الفن على جدران المقابر، كلها تروي قصة مجتمع آمن بأن الروح تسكن الحجر.

يقول الدكتور محمد عبد العال، أستاذ الآثار المصرية بجامعة القاهرة: "كان المصري القديم يرى في البناء فعلًا دينيًا، لذا جاءت عماراته متقنة ومحمّلة بالرموز، لتظل شاهدة على حضارة لم تنقطع لغتها المعمارية حتى اليوم."

حين تأسست الفسطاط بعد الفتح العربي، تحولت العمارة إلى سجل للثقافة الإسلامية الناشئة في وادي النيل، ثم جاءت القاهرة الفاطمية لتصبح مرآة لفن العمارة كهوية سياسية وروحية.

المساجد، والمدارس، والقباب، والأسبلة، لم تكن مجرد أماكن للعبادة أو التعليم، بل فضاءات للحياة اليومية، تختلط فيها الأصوات والروائح والطقوس.

وفي العصور التالية، من المملوكية إلى العثمانية، تراكبت الطبقات فوق بعضها حتى وصلت إلى القاهرة الخديوية في القرن التاسع عشر، التي حاولت أن تُحاور أوروبا دون أن تفقد ملامح الشرق.

شوارع عريضة، وواجهات كلاسيكية، وميادين منظمة، لكن خلفها بقيت الأزقة الضيقة والأسواق القديمة التي تُذكّر بأن الحداثة لم تستطع محو الذاكرة.

في القرن العشرين، تغيّرت العلاقة بين المصري ومدينته.فقد أصبح العمران أكثر ارتباطًا بالسياسة والاقتصاد من الفن والجمال.

نشأت الضواحي الجديدة والمساكن الشعبية لتستوعب التزايد السكاني، لكن فقدت العمارة تدريجيًا روحها الإنسانية.

يقول المعماري كريم حسن، المتخصص في دراسات المدن: "منذ منتصف القرن الماضي، بدأنا ننتج عمارة تُشبه الدولة أكثر مما تُشبه الناس. عمارة تنظّمهم لكنها لا تُعبّرعنهم."

ومع ظهور المدن الجديدة من السادس من أكتوبر إلى العاصمة الإدارية، عاد السؤال: هل يمكن للعمران أن يستعيد دوره كهوية ثقافية وليس فقط كوظيفة عمرانية؟

العديد من المعماريين الشباب اليوم يحاولون إعادة صياغة العلاقة بين التراث والحداثة، عبر مشاريع تمزج بين الاستدامة والذاكرة المحلية.

رغم الزحام والتكدّس وتغيّر الملامح، تبقى القاهرة مدينة الوجوه المتراكبة؛ تسير في شارع المعز فترى ألف عام من التاريخ في خطوات معدودة، تنعطف إلى وسط البلد فتشعر بروح باريس في زمن إسماعيل، ثم تجد نفسك في حي شعبي حيث تمتزج العشوائية بالحميمية. القاهرة كتاب لا يمكن قراءته مرة واحدة، لأنها تكتب نفسها باستمرار.

العمران في مصر ليس فقط مرآة للماضي، بل وثيقة مستمرة للحاضر والمستقبل. من الجدران التي تتآكل بفعل الزمن، إلى الأبراج التي تصعد في الصحراء، من البيوت الطينية في الصعيد إلى واجهات الزجاج في العاصمة الجديدة، كل حجر يحمل سطرًا من سيرة المصريين: صبرهم، وحنينهم، وقدرتهم على التكيف مع التحول دون أن يفقدوا جوهرهم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق