أعلنت قوات الدعم السريع موافقتها على وقفٍ لإطلاق النار مدّته ثلاثة أشهر، وفق مقترحٍ أميركي-عربي تشارك فيه الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، حسبما ذكرت وكالة رويترز.
وتعدّ هذه الهدنة، التي وُصفت بأنها «إنسانية»، مقدّمة لمسارٍ سياسي يمتد لتسعة أشهر، وفقًا لما أوردته وكالة أسوشييتد برس.
لكنّ الجيش السوداني لم يُعلن قبولًا نهائيًا، واشترط انسحاب قوات الدعم السريع من المناطق السكنية قبل أي مفاوضات، بحسب ما أكدت أسوشييتد برس.
الخبر يأتي بعد أسابيع من اتهامات واسعة للمليشيا بارتكاب جرائم حرب في مدينة الفاشر، كما ذكرت صحيفة ذا جارديان البريطانية.
الفاشر... المدينة التي اختنقت بالصمت
في أواخر أكتوبر، وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش مشاهد قتلٍ جماعي لمدنيين في الفاشر بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها، مؤكدة أن «رجالًا أُعدموا أمام أسرهم ونساءً قُتلن أثناء الفرار»، حسبما جاء في تقرير المنظمة المنشور بتاريخ 29 أكتوبر الماضي.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية التي حلّلها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل (Yale HRL) وجود مقابر جماعية جديدة حول المدينة، وفقًا لما ذكرته صحيفة ذا جارديان نقلًا عن تقرير ييل الصادر في 28 أكتوبر 2025.
هذه الأدلة، كما تقول هيومن رايتس ووتش، «تثبت نمطًا متكررًا لانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب»، حسبما جاء في البيان الصحفي للمنظمة.
المجاعة التي لا تنتظر اتفاقات
تُظهر بيانات شبكة التصنيف المتكامل للأمن الغذائي (IPC) أن مناطق واسعة من دارفور بما فيها الفاشر وكادقلي، دخلت مرحلة «المجاعة الكاملة» (المرحلة الخامسة)، حسبما نشر موقع ReliefWeb.
وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن نحو 260 ألف مدني ما زالوا محاصرين في الفاشر دون غذاء أو دواء، وأن خطة الاستجابة الإنسانية للسودان «لم تتلقَّ سوى 28 % من التمويل المطلوب لعام 2025»، وفقًا لتقرير المكتب الصادر في نوفمبر 2025.
وبحسب برنامج الأغذية العالمي (WFP)، يواجه أكثر من 25 مليون سوداني نقصًا حادًا في الطعام، ما يجعل من الهدنة اختبارًا حقيقيًا لإمكانية إيصال المساعدات، كما ذكرت رويترز نقلًا عن المنظمة الأممية.
مصر والعبء الإنساني على الحدود
تُعدّ مصر، التي شاركت في صياغة المبادرة عبر «الرباعية»، أكبر دولةٍ مستقبِلة للفارين من الحرب السودانية.
ووفقًا لبيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) الصادرة في 31 أكتوبر 2025، بلغ عدد السودانيين المسجّلين في مصر نحو 807 آلاف لاجئ، أي ما يعادل ثلاثة أرباع اللاجئين المقيمين في البلاد حسبما ذكرت المفوضية في تقريرها الدوري.
وأضافت المفوضية أن معظم اللاجئين يعيشون في القاهرة وأسوان في ظروف اقتصادية مماثلة لما يعيشه المواطن المصري، في وقتٍ تسعى فيه الحكومة المصرية إلى فتح ممرات آمنة للمساعدات نحو دارفور، بحسب ما نقلته وكالة رويترز.
الذهب والسلاح.. حربٌ تموّل نفسها
أفادت صحيفة ذا جارديان أنّ الحرب في السودان تُموَّل من اقتصادٍ موازٍ قائم على تهريب الذهب وتجارة السلاح، مشيرةً إلى أنّ وثائق أممية كشفت عن معداتٍ عسكريةٍ بريطانية المصدر عُثر عليها في مخازن تتبع لقوات الدعم السريع، حسبما ذكرت الصحيفة في تحقيق نُشر في 28 أكتوبر الماضي.
ونفت الإمارات تلك المزاعم في بيانٍ رسمي، وقالت إنها «لم تمدّ أي طرفٍ في النزاع بأي نوعٍ من الأسلحة»، وفقًا لتصريحات نقلتها ذا جارديان عن المتحدث باسم الخارجية الإماراتية.
المجتمع الدولي... الشاهد المتأخر
ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها السنوي أنّ «غياب الردع الدولي وعدم فرض حظر سلاحٍ فعلي أدّى إلى تفاقم الانتهاكات في دارفور»، حسبما ورد في تقرير المنظمة لعام 2025.
كما أكد مركز الأزمات الدولي (ICG) أنّ الهدنة الحالية «لن تنجح من دون آلية محاسبة واضحة لكل الجرائم السابقة»، بحسب ما جاء في تحليل المركز حول الوضع السوداني الصادر في نوفمبر الجاري.
القاهرة ودبلوماسية الممر الإنساني
ترى دوائر تحليلية في المنطقة أن مصر تتبنّى موقفًا ذكيا يسمح لها بالحفاظ على علاقاتها مع الجيش السوداني من جهة ومع الرباعية الدولية من جهةٍ أخرى، حسبما ذكرت رويترز نقلًا عن مصادر دبلوماسية في القاهرة.
ويشير خبراء إلى أن موقع مصر الجغرافي يؤهّلها لأن تلعب دورًا محوريًا في إدارة الممرات الإنسانية ونقل المساعدات، وفقًا لتقرير صحيفة لو موند الفرنسية حول أدوار الدول المجاورة في الهدنة.
سيناريوهات ما بعد الهدنة
تشير التجارب السابقة إلى أن اتفاقات وقف إطلاق النار في السودان نادرًا ما تصمد أكثر من أيام، حسبما ذكرت وكالة رويترز في تقريرها عن فشل هدن عام 2024.
لكن الاختلاف هذه المرة هو أن الطرفين منهكان سياسيًا وعسكريًا، وقد يكون كلاهما بحاجةٍ إلى استراحةٍ قبل الجولة التالية من القتال، وفقًا لتحليل نشرته أسوشييتد برس.
رأت ذا جارديان: «الهدنة في السودان قد تمنح المدنيين نَفَسًا قصيرًا، لكنّ السلام الحقيقي سيحتاج أكثر من نوايا طيّبة وأقل من صمت العالم».
وبينما ينتظر السودانيون أن تُفتح الممرات ويصل الدواء، يبقى السؤال الأكبر: هل تُطفئ الهدنة النار، أم تُخفي رمادًا ما زال يحترق؟










0 تعليق