تناول الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، عبر صفحته الرسمية مفهومًا روحيًا عميقًا يتعلق بالعلاقة بين القلب والعقل والسلوك في حياة الإنسان، وفقًا لما ذكره، فإن أولى خطوات الفهم الصحيح للوجود تكمن في ترتيب هذه العناصر الثلاثة بشكل صحيح، بما يضمن توازنًا بين الروح والعقل.
القلب فوق العقل
أكد الدكتور علي جمعة أن "القلب فوق العقل"، وهو ما يعني أن القلب يجب أن يكون هو العنصر الرئيسي الذي يوجه العقل، ليضبطه ويوقفه عند حدوده المقررة. وعند الحديث عن القلب، أشار إلى أنه هو مركز الفهم الروحي والإيماني، وهو الذي يقود الإنسان إلى الفهم الصحيح للحقائق والتوجهات الإيمانية. "استفتِ قلبك وإن أفتاك الناس"، وهو حديث نبوي يبرهن على أن القلب، بما يحتويه من مشاعر وإحساس، هو الأقدر على تقييم الأمور بصدق بعيدًا عن المؤثرات الخارجية.
وأضاف: "الإثم ما حاك في القلب وخفت أن يطّلع عليه الناس"، مشيرًا إلى أن الإنسان في مسيرته الروحية يحتاج إلى تطهير قلبه من القبيح، وتزويده بكل ما هو صحيح ومفيد. هذا التحلي بالقيم النبيلة يساعد في حدوث "التجلي المليح"، وهو ما يعني التفكر والوعي الروحي العميق.
العقل فوق السلوك
أما بالنسبة لمفهوم "العقل فوق السلوك"، أكد جمعة أن العقل يجب أن يكون هو الحاكم على السلوك البشري، مما يضمن أن تتسم أفعال الإنسان بالعقلانية والروية، دون الانجراف وراء الأهواء أو الشهوات، فالعقل يعقل السلوك مبدأ أساسي في هذا التوجه، ويُعتبر العقل هو الأداة التي يجب استخدامها لتقييم الأفعال والمواقف قبل الإقدام عليها، كي لا تضر بالنفس أو الآخرين.
وفي هذه النقطة، أشار الدكتور إلى أن السلوك قد يتحول إلى تفاعلات مادية ضيقة إذا لم يُوجه بالعقل. إذا أصبح الإنسان محكومًا فقط بتأثيرات اللحظة أو المصالح المادية، فإنه يفقد التوازن الروحي، ويتحول إلى كائن بيولوجي محض دون أي بعد روحي.
الترتيب الصحيح: قلب فوق عقل وعقل فوق سلوك
ووفقًا لهذا التفسير، يرى جمعة أن الترتيب الصحيح للأمور في حياة الإنسان هو: القلب فوق العقل، والعقل فوق السلوك. هذا الترتيب يساعد في الوصول إلى توازن بين الروح والجسد والعقل. إذا عُكست هذه المعادلة، فإن الإنسان سيواجه مشاكل عميقة، قد تؤدي إلى ما أسماه "الانتكاس الروحي"، حيث يصبح السلوك هو الحاكم الذي يتفوق على العقل، أو يُسكَتُ العقلُ في لحظات معينة، مما يؤدي إلى الفوضى الروحية والمادية.
العودة إلى القيم الروحية
في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم من حيث القيم والمصالح المادية، دعا الدكتور علي جمعة إلى العودة إلى هذا التوازن الروحي الصحيح، الذي يمكن الإنسان من أن يكون في تفاعل صحيح مع نفسه ومع الآخرين. إذا تم الحفاظ على هذا الترتيب: القلب أولًا ثم العقل ثم السلوك، فإن الإنسان يستطيع الحفاظ على سموه الروحي والذاتي، ويعيش حياة مليئة بالسلام الداخلي والعقلانية.
وأكد جمعة على أن الفهم الصحيح لهذه المبادئ يساعد الإنسان في تعزيز علاقته بالله، ويجعله قادرًا على موازنة حياته بشكل سليم بعيدًا عن التشتت أو الضياع في بحر الانشغالات اليومية.










0 تعليق