في حين ترحب بروكسل بالتقدم الذي أحرزته دولتا الجبل الأسود وألبانيا، المرشحتان لعضوية الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذا التوسع لا يزال افتراضيا وتطرح أفكار مختلفة لتجاوز التحفظات التي أعربت عنها بعض الدول الأعضاء، مثل تطبيق عملية انضمام تدريجية.
وذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية في مقال للكاتب “فيليب جاكيه” اليوم /الأربعاء/ أنه منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، عادت مسألة توسيع الاتحاد الأوروبي لتصبح أولوية سياسية للدول الأعضاء السبع والعشرين.
وأكدت “أورسولا فون دير لاين” رئيسة المفوضية الأوروبية أمس /الثلاثاء/، بمناسبة نشر التقرير السنوي حول استعداد الدول المرشحة “أننا أكثر تصميما من أي وقت مضى على جعل توسيع الاتحاد الأوروبي حقيقة واقعة. لأن اتحادا أوروبيا أكبر يعني أوروبا أقوى وأكثر نفوذا على الساحة الدولية”.
وفي حين أن البوسنة والهرسك وصربيا ومقدونيا الشمالية لا تزال بعيدة عن بلوغ المستوى المطلوب للانضمام، ولم يبدأ الاتحاد الأوروبي رسميا بعد مفاوضات مع أوكرانيا ومولدوفا، على الرغم من التقدم الملحوظ، إلا أن دولتين متقدمتين للغاية: الجبل الأسود وألبانيا. ولأول مرة منذ أكثر من خمسة عشر عاما، تعتبر المفوضية التوسع “احتمالا واقعيا”.
ومع ذلك، هناك العديد من العقبات السياسية التي تحول دون تحقيق أي تقدم ملموس. أولا، هيكل الاتحاد الأوروبي، كما هو محدد في المعاهدات الحالية، غير مُهيأ لاحتمالية التوسع الكبير بحلول عام 2030، لا سيما فيما يتعلق بصنع القرار.
ويشكل شرط الإجماع والحفاظ على حق النقض (الفيتو) لكل دولة في مسائل السياسة الخارجية، بالإضافة إلى وجود مفوض واحد لكل دولة عضو، عوائق كبيرة. وبينما أطلقت فرنسا وألمانيا والبرتغال وليتوانيا العديد من مبادرات الإصلاح في السنوات الأخيرة، لا تزال المفوضية الأوروبية بطيئة في تقديم مقترحاتها الداخلية.
وهذه القضية حساسة سياسيا للغاية. لا يحظى التوسع بقبول واسع في بعض الدول، وخاصة فرنسا وألمانيا. إذ لا يؤيده سوى 43% من الفرنسيين و49% من الألمان، مقارنة بمتوسط 56% على المستوى الأوروبي، وفقا لأحدث استطلاع “يوروباروميتر” في شهر سبتمبر الماضي.
وفي هذا السياق، كيف يمكن تسهيل اندماج الأعضاء الجدد مع ضمان دعم شعوب وقادة الدول الأعضاء الحالية؟
وعادت فكرة التكامل التدريجي، التي نوقشت في مختلف مراكز الفكر على مدار العقد الماضي، إلى دائرة الضوء.
وأكد “سيباستيان مايار” المستشار العلمي في معهد “جاك ديلور” أنه “مع تحول التوسع إلى أولوية، وخاصة سياسية، لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يبقى في نظام ثنائي: إما داخل أو خارج. ويجب أن نجد مسارات للدول المرشحة بطريقة تشجع هذه الدول وتطمئن في الوقت نفسه الدول داخل الاتحاد الأوروبي التي تخشى من أننا نتحرك بسرعة كبيرة”.
واضاف “مايار” أن “هذه الفكرة لم تلق استحسانا كبيرا”. ومع ذلك، تناقش حاليا في مراكز الأبحاث أفكار أخرى، مثل إنشاء وضع جديد لدولة مرتبطة بالاتحاد الأوروبي. بالنسبة للدول المرشحة الأقرب إلى الاتحاد الأوروبي، قد تكون هذه خطوة مقبولة، وسترسل إشارة سياسية واضحة خارج أوروبا. ستكون بمثابة فترة انخراط، بمثابة بوابة للعضوية الكاملة. في ألمانيا، على سبيل المثال، أدرج حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي هذه الفكرة في اتفاق ائتلافهما الحاكم”.
وعلاوة على ذلك، اشار “مايار” إلى أن “بعض الدول المرشحة تشارك بالفعل في سياسات الاتحاد الأوروبي كما لو كانت جزءا منه”. وعلى سبيل المثال، ربطت المفوضية الجبل الأسود بمنطقة المدفوعات الأوروبية الموحدة (SEPA)، وتستعد لدمجها في النظام الذي يلغي رسوم التجوال للاتصالات.
واختتم “مايار” أن “هذا أمر شائع نسبيا، على الأقل منذ انضمام إسبانيا”. فعندما انضمت دول وسط وشرق أوروبا، فرضت الدول الأعضاء فترة انتقالية قبل السماح للعمال من تلك الدول بالدخول إلى أسواقها.
وأثارت فكرة، كشف عنها موقع “بوليتيكو”، جدلا واسعا في بروكسل خلال الأسابيع الأخيرة، وهي قبول دول جديدة في الاتحاد الأوروبي مع حرمانها من بعض الحقوق التي تتمتع بها الدول الأعضاء الحالية. وهو ما يشبه وضعا اقتصاديا مخفضا. ولن تحصل الدول الجديدة على جميع هذه الحقوق إلا بعد أن يجري الاتحاد الأوروبي إصلاحات شاملة على آلياته.
وصرح رئيس الوزراء الألباني “إيدي راما” بلندن في 21 أكتوبر الماضي بأنه لا يعارض هذه الفكرة.
ومع ذلك، لا تبدو المفوضية متحمسة جدا لهذه الفكرة.
وأصرت “مارتا كوس” مفوضة التوسع امس /الثلاثاء/ على أنه “لا ينبغي إنشاء فئتين مختلفتين”.. مشيرة إلى أنه “عندما تتفاوض الدول المرشحة على معاهدات الانضمام، سيتمكن الاتحاد الأوروبي من التفاوض على فترات انتقالية لقطاعات محددة”.
ورد دبلوماسي أوروبي قائلا إن “إنشاء دول أعضاء من الدرجة الثانية أمر غير مقبول. حرمان بعض الدول الجديدة من حق النقض، على سبيل المثال في الشئون الخارجية، أمر غير عملي”.
وأضاف مصدر دبلوماسي ثان أنه “لا يوجد أي شيء جدي مطروح”.
يذكر أن منطقة المدفوعات الأوروبية الموحدة (SEPA) هي مبادرة من الاتحاد الأوروبي تهدف إلى توحيد المدفوعات الإلكترونية (باليورو) داخل أوروبا، بحيث تكون بنفس سهولة وتكلفة المدفوعات المحلية. وتتضمن هذه المنطقة دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى بعض الدول غير الأعضاء مثل سويسرا وأيسلندا، وتسمح بإجراء التحويلات والخصومات والمدفوعات باليورو بكفاءة وسرعة وأمان عبر الحدود.





0 تعليق