في كل عام، حين يحل الرابع من نوفمبر، يحتفل المصريون بـ"عيد الحب المصري"، ذلك اليوم الذي خصّه الكاتب الصحفي مصطفى أمين في سبعينيات القرن الماضي ليكون مناسبة تعيد التذكير بالمشاعر الإنسانية البسيطة في مجتمع باتت السرعة تطغى على تفاصيله.
غير أن فكرة الحب ذاتها ليست طارئة على المصريين، فقد عرفها أجدادهم الفراعنة منذ آلاف السنين، وخلدوها على جدران المعابد وفي برديات لا تزال تشهد على رِقة قلوبهم وصدق مشاعرهم.
الحب في عيون المصري القديم
الحب في مصر القديمة لم يكن مجرد عاطفة عابرة، بل كان طقسا من طقوس الحياة، يُعبر عنه بالغناء والرقص والزهور والرموز، فالمصريون القدماء قدسوا الجمال، واعتبروا العشق نوعا من الانسجام بين الروح والكون، وفي البرديات الغنائية التي عُثر عليها في مقابر طيبة وسقارة، نقرأ أبياتًا شعرية تشبه قصائد الغزل الحديثة، تقول إحداها:
"حين أراك يضطرب قلبي، ولا أعرف يدي من قدمي، وإن نظرتَ إليّ ابتسمتُ كطفلة ترى النور لأول مرة."
هذه السطور المرهفة التي كُتبت قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، تعكس بوضوح أن المصري القديم لم يكن جامد القلب كما تصوره بعض الأساطير، بل كان شاعرا وعاشقا من طراز رفيع.
رموز الحب في المعابد والنقوش
على جدران معبد الأقصر، تظهر مشاهد تصور الملكة نفرتاري بجانب زوجها الملك رمسيس الثاني، في لقطة تفيض بالحنان؛ يمسك بيدها في وقار الملوك لكن بعاطفة الأزواج، ويُقال إن رمسيس شيد معبد أبو سمبل تخليدًا لحبها، فكتب على جدرانه: "نفرتاري، التي من أجلها تُشرق الشمس".
أما في الحياة اليومية، فقد عبر الناس عن حبهم بتبادل الزهور والعطور، وكانت زهرة اللوتس رمزًا للمودة والنقاء، تُقدم للحبيب كما تقدم الهدايا اليوم، كما استخدموا الحلي ذات الرموز العاطفية، مثل القلب المجنح والعين الحامية، تعبيرا عن الإخلاص والحماية للمحبوب.
برديات الغزل ورسائل القلوب
كشفت برديات دير المدينة عن رسائل حب تبادلها العمال والفنانون الذين بنوا مقابر الملوك، حيث كتب أحدهم لحبيبته:
"لقد سرق قلبي منذ أن مررتِ أمامي، وإن لم أرك يوماً فإني أموت مرتين، مرة لأنك بعيدة، ومرة لأن قلبي معك."
هذه الرسائل تُظهر عمق العلاقة الإنسانية في زمنٍ كانت فيه الكلمات تُنقش على البردي لا تُرسل عبر الهواتف، لكنها تحمل الدفء ذاته الذي يملأ رسائل العشاق في عصرنا الحديث.
من الحب الفرعوني إلى الحب المصري الحديث
قد تتبدل الأزمنة وتختلف الوسائل، لكن روح الحب واحدة، من نفرتاري ورمسيس إلى عاشقَين في شارع مزدحم اليوم، ظل المصريون يؤمنون بأن الحب ليس رفاهية، بل حياة، فربما يكون "عيد الحب المصري" في جوهره امتدادا طبيعيا لتلك الروح القديمة التي جعلت من معابد طيبة ودهشور قصائد حجرية للحب الخالد.
وهكذا، حين نتبادل الورود في الرابع من نوفمبر، لا نحتفل فقط بيوم حديث من أيام التقويم، بل نُعيد إحياء سيرة أقدم عاشقين على وجه الأرض: الفراعنة الذين علمونا أن الحب يُكتب على الجدران قبل أن يُقال بالكلمات.













0 تعليق