ولد أمارتيا سن عام 1933 في مدينة سانتينيكيتان بالهند، في بيئة ثقافية وفكرية فريدة أسسها الفيلسوف الشهير رابندرانات طاغور، منذ سنوات طفولته الأولى، كان مولعًا بالفكر الإنساني وبالسؤال عن معنى العدالة، وهو ما ميز مسيرته لاحقًا عن كثير من الاقتصاديين الذين انشغلوا بالأرقام دون الإنسان.
 التعليم وبدايات التمرد الأكاديمي
التحق سن بجامعة كلكتا ثم واصل دراسته في جامعة كامبريدج، حيث تأثر بالمدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد، لكنه سرعان ما بدأ في تحديها، رفض أن يكون الاقتصاد علمًا جامدًا منفصلًا عن الأخلاق والسياسة، واعتبر أن أي نظرية اقتصادية تفقد معناها إذا تجاهلت أثرها على الكرامة الإنسانية.
من الفقر إلى مفهوم “الحرية”
لم تكن أبحاث أمارتيا سن مجرد تنظير أكاديمي، بل كانت امتدادًا لتجارب شخصية، فقد عاش طفولته في الهند أثناء مجاعات البنغال المروعة في الأربعينيات، ورأى كيف يموت الناس جوعًا رغم وجود الغذاء، هذا المشهد ترك في نفسه جرحًا عميقًا دفعه إلى دراسة العلاقة بين الفقر، والسياسات الحكومية، وغياب العدالة الاجتماعية.
من هنا جاء إسهامه الأشهر: نظرية القدرات (Capabilities Approach)، التي أوضح فيها أن التنمية لا تُقاس بالناتج القومي، بل بقدرة الأفراد على تحقيق إمكاناتهم بحرية.
 العدالة والتنمية الإنسانية
في كتابه الأشهر "التنمية حرية" (Development as Freedom)، طرح سن فكرته الثورية بأن الحرية ليست هدفًا للتنمية فحسب، بل وسيلتها أيضًا، فالمجتمع لا يتقدم إلا حين تتاح الفرص المتكافئة في التعليم، والصحة، والمشاركة السياسية.
هذا المفهوم جعل الأمم المتحدة تتبنى رؤيته كأساس لمؤشر التنمية البشرية (HDI)، الذي يقيس جودة حياة الإنسان لا حجم ثروة الدولة.
جائزة نوبل وتأثيره العالمي
عام 1998، توج أمارتيا سن بجائزة نوبل في الاقتصاد، تقديرًا لجهوده في إعادة ربط الاقتصاد بالعدالة الاجتماعية، ولتحليله العميق لأسباب المجاعات والسياسات التي تؤدي إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
لكن بالنسبة لسن، لم تكن الجائزة سوى تأكيد على أن الاقتصاد لا يجب أن ينفصل عن الأخلاق، وأن المعادلات بلا إنسان لا تصنع تنمية.
 المفكر الذي كسر حدود التخصص
لم يتوقف أمارتيا سن عند حدود الاقتصاد، بل خاض نقاشات واسعة في الفلسفة السياسية والأخلاق والنسوية، دعا إلى تمكين المرأة كمحرك رئيسي للتنمية، مؤكدًا أن العدالة تبدأ حين تمتلك النساء نفس الفرص التي تمنح للرجال.
وفي كل محاضرة ومقال، ظل يؤكد أن هدفه الأسمى هو "جعل العالم أكثر عدلًا وإنسانية".










            





0 تعليق