هل هى سرقة أم نزاع مدني؟.. رأي قانوني يحسم جدل التحويلات الخاطئة عبر "إنستا باي"

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

علّق المحامي بالنقض مصطفى زكي على الواقعة التي أثارت جدلًا خلال الساعات الماضية، والخاصة بقيام شخص بتحويل مبلغ مالي إلكترونيًا من خلال تطبيقات التحويل الفوري مثل «إنستا باي» أو المحافظ البنكية إلى حساب شخص آخر عن طريق الخطأ، وامتناع الأخير عن رد المبلغ رغم علمه بالواقعة، وفقًا لما جاء في بيان وزارة الداخلية.

وقال زكي في منشور له إن التكييف القانوني لامتناع الشخص عن رد الأموال التي وصلت إلى حسابه بطريق الخطأ عبر إنستا باي أو المحافظ الإلكترونية، لا يشكّل ــ في رأيه ــ جريمة جنائية.

وتحت هذا التساؤل طرح زكي سؤالًا قانونيًا مباشرًا: هل يشكّل هذا الامتناع جريمة جنائية؟ أم أن النزاع يظل في إطاره المدني؟

المحامي بالنقض استعرض الآراء المتداولة حول الواقعة، وقسّمها إلى اتجاهين: اتجاه يسعى لتكييف الواقعة جنائيًا وفق نصوص قائمة، واتجاه آخر يرى أنها مسألة مدنية بحتة وتندرج تحت «الإثراء بلا سبب».

الاتجاه الأول: تكييف الواقعة جنائيًا
وفق أصحاب هذا التوجه، فإن الامتناع عن رد المال بعد العلم بوصوله يعد فعلًا إجراميًا، وتم طرح ثلاثة توصيفات جنائية محتملة:

سرقة (مادة 311 عقوبات): والتي تشترط توافر ركن الاختلاس. ويرى زكي أن هذا الركن غير قائم لأن المال لم يُنتزع، بل دخل الحساب بفعل صاحب المال نفسه، حتى لو كان عن طريق الخطأ.

خيانة أمانة (مادة 341 عقوبات): وهو تكييف غير منطبق لأن التحويل الخاطئ لا يقوم على عقد ائتمان أو وكالة، وهو شرط لازم في هذه الجريمة.

العثور على شيء مفقود (مادة 321 مكررًا عقوبات): وهو أيضًا توصيف غير دقيق لأن المستلم لم «يعثر» على أموال، بل تلقّاها إلكترونيًا بفعل نظام التحويل، كما أن المال الإلكتروني ليس «شيئًا ماديًا فاقدًا».

الاتجاه الثاني: التوصيف المدني

الاتجاه الآخر يرى أن الواقعة لا تعدو كونها مسألة مدنية تخضع لأحكام الإثراء بلا سبب، استنادًا للمادة (179) من القانون المدني التي تنص على أن «كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقًا له وجب عليه رده».

وبحسب هذا الرأي، فإن دخول المال في حساب المستلم يعد إثراءً، وخروجه من حساب صاحب المال يعد افتقارًا، وبالتالي تنشأ للمستلم التزام مدني برد ما لا يستحق، ويكون الطريق القانوني هو إقامة دعوى «استرداد ما دُفع بغير حق».

الرأي الراجح

وأكد زكي أن الرأي الأرجح قانونيًا في ضوء النصوص الحالية هو أن الواقعة لا تشكل جريمة جنائية واضحة الأركان وأنها تظل نزاعًا مدنيًا، مشيرًا إلى وجود «فراغ تشريعي» في هذا النوع من المعاملات الحديثة.

وأوضح أن مبدأ الشرعية الجنائية «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص» يمنع مد نطاق التجريم أو التوسع في تفسير النصوص الجنائية لإدخال صور جديدة غير منصوص عليها.

وأشار إلى أن الطريق القانوني السليم لاسترداد المال هو رفع دعوى مدنية باسترداد ما دفع بغير حق.

واختتم زكي بأن هذا الجدل القانوني صحي ومفيد، ويكشف قصور النصوص القائمة أمام تطور معاملات التحويل الإلكتروني، داعيًا إلى تدخل تشريعي صريح بإضافة نص يجرّم الامتناع العمدي عن رد الأموال المحوَّلة إلكترونيًا بطريق الخطأ، بعد العلم بالواقعة والإنذار بالرد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق