قالت الدكتورة منى مالك، أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر، إن افتتاح المتحف المصري الكبير بالجيزة يمثل حدثًا حضاريًا وثقافيًا بالغ الأهمية، ليس لمصر وحدها، بل للعالم بأسره، إذ يعد هذا الصرح الفريد تتويجًا لجهود الدولة المصرية في حفظ وعرض تراثها الحضاري وفق أحدث المعايير العالمية في العرض المتحفي.
وأوضحت، أن المتحف، المُقام على مقربة من أهرامات الجيزة، صُمم ليكون أكبر متحف في العالم مخصصًا لحضارة واحدة، ويجسد رؤية مصر الحديثة في التعامل مع ماضيها واستحضاره ضمن مشروعها الوطني المعاصر، في توازن دقيق بين الأصالة والتجديد.
وأضافت "مالك" أن المتحف المصري الكبير لا يُعد مجرد مبنى أثري ضخم، بل جسرًا يربط بين التاريخ القديم والتاريخ الحديث والمعاصر، حيث تتلاقى الحضارة المصرية القديمة بإنجازات الدولة الحديثة، مؤكدة أنه بما يضمه من أكثر من مائة ألف قطعة أثرية تحكي قصة مصر العريقة، فإن المتحف يمثل شاهدًا حيًا على أن "مصر التي صنعت التاريخ لا تزال تصنع المستقبل".
ولفتت إلى أن هذا المشروع القومي الضخم يعكس روح الإبداع والبناء التي ميّزت أجداد المصريين وما زالت تنبض في حاضرهم، مشيرة إلى أن مصر تبهر العالم دومًا بما هي قادرة على تحقيقه، وأن المتحف المصري الكبير دليل جديد على قدرتها على الجمع بين عبقرية الماضي وطموح الحاضر واستشراف المستقبل.
ورأت مالك أن افتتاح المتحف المصري الكبير لا يمكن النظر إليه بمعزل عن السياق التاريخي لإدارة الدولة المصرية لتراثها المادي والرمزي، موضحة أنه منذ منتصف القرن العشرين برزت قضايا كبرى تتعلق بالتراث في ظل التحولات السياسية والتنموية، كان أبرزها خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أثناء بناء السد العالي في أسوان.
وأشارت، إلى أن المشروع حينذاك أدى إلى تهديد آثار النوبة بالغرق، مما استدعى إطلاق حملة دولية غير مسبوقة لإنقاذها تحت رعاية منظمة اليونسكو بين عامي 1960 و1980، وهي الحملة التي أفضت إلى نقل معابد كبرى مثل أبو سمبل وكلابشة إلى مواقع أكثر أمانًا، في ملحمة تعاون عالمي رسخت مكانة مصر كقوة ثقافية وإنسانية رائدة.
وأكدت أن تجربة إنقاذ آثار النوبة كانت نموذجًا مبكرًا للوعي التراثي القومي في عهد عبدالناصر، إذ تعاملت الدولة مع التراث بوصفه مكونًا أساسيًا من مكونات الهوية الوطنية ووسيلة لإبراز مكانة مصر في العالم، فاستثمرت فيه لتأكيد سيادتها الثقافية والسياسية. كما ربط الخطاب الرسمي حينها بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على التراث، في رؤية متكاملة رغم ما شابها من تحديات تخص المجتمعات المحلية في النوبة.
وأضافت أن نقل آثار النوبة كان مشروعًا حضاريًا بامتياز، رسّخ صورة مصر كقوة قادرة على إنقاذ تراثها بجهودها الذاتية وبالتعاون مع المجتمع الدولي، وهو ما يُعد سابقة عالمية في ذلك الوقت.
وفي السياق ذاته، ترى الدكتورة منى مالك أن افتتاح المتحف المصري الكبير اليوم يمثل امتدادًا رمزيًا لذلك المسار الذي بدأ في الستينيات، وإن اختلفت الظروف والتحديات. فالرئيس عبد الفتاح السيسي، بحسب قولها، أولى اهتمامًا خاصًا بالمتحف واعتبره مشروعًا قوميًا يعكس وجه مصر الحضاري أمام العالم، رغم التحديات الاقتصادية والأمنية والتنموية التي تواجهها الدولة المصرية.
وأوضحت أن هذا الاهتمام يعكس استمرار الفكرة الجوهرية التي رسخها عبد الناصر، وهي أن التراث ليس مجرد ماضٍ يُعرض في القاعات، بل هو جزء من القوة الناعمة للدولة وأداة لترسيخ حضورها الإقليمي والدولي، فضلًا عن كونه عنصرًا أساسيًا في بناء الهوية الوطنية المصرية الحديثة.

















0 تعليق