تعد إلين جونسون سيرليف واحدة من أبرز الشخصيات السياسية في القارة الإفريقية والعالم، فهي أول امرأة تتولى منصب رئيس جمهورية في ليبيريا، بل وفي إفريقيا بأسرها، كما توجت مسيرتها الحافلة بجائزة نوبل للسلام عام 2011 تقديرًا لدورها في ترسيخ الديمقراطية والسلام وتمكين المرأة.

البدايات والتعليم
ولدت إلين جونسون سيرليف في 29 أكتوبر عام 1938 في العاصمة الليبيرية مونروفيا، وسط أسرة متواضعة تهتم بالتعليم والمعرفة، درست الاقتصاد والإدارة العامة، وحصلت على درجة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية، ما منحها رؤية عميقة حول الاقتصاد والتنمية والحكم الرشيد، وهي الرؤية التي ستؤثر لاحقًا على مسارها السياسي والقيادي.

المسيرة المهنية وبدايات النضال
بدأت سيرليف حياتها المهنية بالعمل في وزارة المالية الليبيرية، قبل أن تتولى مناصب في مؤسسات دولية كالبنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لكن الأحداث السياسية في بلادها دفعتها إلى معارضة الأنظمة الديكتاتورية، فتعرضت للسجن والنفي أكثر من مرة بسبب مواقفها الجريئة ضد الفساد والاستبداد.
كانت سيرليف من الأصوات النسائية القليلة التي طالبت بالعدالة والمصالحة الوطنية خلال الحرب الأهلية التي مزقت ليبيريا في تسعينيات القرن العشرين، وظلت تدافع عن حقوق المرأة وحق الشعب في حياة كريمة رغم التهديدات التي لاحقتها.

رئاسة ليبيريا.. بداية عهد جديد
في عام 2005، دخلت إلين جونسون سيرليف التاريخ بفوزها في الانتخابات الرئاسية، لتصبح أول امرأة تنتخب ديمقراطيًا رئيسة لدولة إفريقية.
ورثت دولة منهكة من الحروب، تعاني من الفقر والفساد وانهيار البنية التحتية، لكنها شرعت في تنفيذ برنامج إصلاحي شامل، ركز على إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتحسين الاقتصاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
كما عملت على تعزيز التعليم والصحة العامة، واهتمت بشكل خاص بتمكين المرأة الليبيرية من المشاركة في الحياة العامة، معتبرة أن التنمية الحقيقية لا تتحقق دون مشاركة النساء.

نوبل للسلام.. تكريم عالمي
في عام 2011، منحت إلين جونسون سيرليف جائزة نوبل للسلام إلى جانب الناشطة الليبيرية ليما غبوي والتقنية اليمنية توكل كرمان، تقديرًا "لنضالهن السلمي من أجل أمن النساء وحقهن في المشاركة الكاملة في بناء السلام".
أكدت لجنة نوبل أن سيرليف كانت رمزًا للإصرار والقيادة النسائية، وقدمت نموذجًا يحتذى به في إفريقيا والعالم.

إرث سياسي وإنساني خالد
لم تقتصر إنجازات سيرليف على السياسة فقط، بل امتدت إلى المجال الإنساني، إذ ساهمت في دعم برامج التعليم ومبادرات مكافحة الفقر، وكانت لها مواقف مشهودة في التصدي لوباء الإيبولا الذي ضرب غرب إفريقيا عام 2014، حيث قادت بلادها بحكمة وإصرار حتى تجاوزت الأزمة.
وفي عام 2018، غادرت منصبها بعد فترتين رئاسيتين، في انتقال سلمي للسلطة وصفته الأمم المتحدة بأنه نموذج للديمقراطية الإفريقية الحديثة.
إلين جونسون سيرليف ليست مجرد سياسية بارعة، بل رمز عالمي للإرادة النسائية والتغيير السلمي، حملت على عاتقها حلم بناء وطن دمرته الحروب، واستطاعت أن تعيد له مكانته بين دول العالم.
لقد أثبتت أن المرأة الإفريقية قادرة على القيادة والبناء، وأن السلام ليس شعارًا، بل مسارًا طويلًا من الصبر والإصرار والعطاء.















0 تعليق