في الأول من نوفمبرالمقبل، يفتح المتحف المصري الكبير أبوابه رسميًا أمام الزوار ليقدم تجربة غير مسبوقة في عالم الآثار، تمتد عبر أكثر من 7000 عام من تاريخ مصر العريق.
وفي قلب هذا الصرح العالمي، تبرز قاعة "المجتمع" الذي تعد من ضمن الثلاث قاعات الرئيسية في المتحف المصري الكبير، كواحدة من أكثر القاعات إثارة وثراءً، إذ تتيح للزائر رحلة غامرة لأكتشاف أسرارالحياة اليومية للمصريين القدماء، حيث تكشف ملامح المصري القديم في بيته، ومعبده، وسوقه، وحتى في رحلته إلى الخلود، لتصبح مرآة نابضة تعكس روح الحضارة المصرية التي لا تزال تدهش العالم حتى اليوم، وتكشف أسرار الملوك الذين حكموا وخلّدوا أسماءهم على مر العصور.
تمتد القاعة على مساحة شاسعة، وتضم مئات القطع الأثرية التي تحكي قصة الإنسان المصري منذ فجر الحضارة وحتى العصور البطلمية والرومانية.
ثلاث قاعات رئيسية في المتحف المصري الكبير
تُعد قاعة "المجتمع" إحدى القاعات الثلاثة الأكبر، والمقسمين لاثنتي عشرة قاعة داخلية، تشكل تجربة العرض المتكاملة داخل المتحف المصري الكبير، صُممت القاعة لتجسيد نبض الحياة اليومية في مصر القديمة، حيث تُعرض المقتنيات في مشاهد تحاكي الأسواق والمنازل وورش الحرفيين، لتمنح الزائر تصورًا واقعيًا عن أسلوب حياة المصريين الفراعنة في شتى طبقاتهم الاجتماعية.
مقتنيات تُجسّد تفاصيل الحياة اليومية
تضم القاعة مجموعة فريدة من الأدوات والمقتنيات التي تُظهر مدى رقي المصريين القدماء في تفاصيل حياتهم اليومية.
فبين جدرانها تتلألأ المصابيح الزيتية التي كانت تُستخدم لإضاءة المنازل والمعابد، ومساند الرأس المصنوعة من الخشب أو الفخار التي كانت تُستخدم للنوم بدل الوسائد، وشفرات الحلاقة البرونزية التي تعكس اهتمام الرجال بالنظافة الشخصية، وأدوات التجميل والكحل والعطور التي استخدمتها النساء لإبراز جمالهن.
كما تُعرض المجوهرات المصنوعة من الذهب والأحجار الكريمة، والصنادل الجلدية الدقيقة الصنع، والأواني الفخارية والنحاسية التي استُخدمت في إعداد الطعام وتخزينه.
كل قطعة من هذه الأدوات تمثل دليلًا حيًا على براعة المصري القديم، وإحساسه العميق بالجمال، والنظام، والنظافة، وتبرز اهتمام المصري القديم ببناء حضارة انسانية بجانب اهتمامهم لبناء الحضارة التاريخية.
رحلة عبر التاريخ المصري
تبدأ الرحلة في القاعة منذ عصور ما قبل الأسرات، حيث يمكن مشاهدة الأدوات الحجرية والعاجية المستخدمة في الحياة اليومية في الصناعة والزراعة، مرورًا بالعصور الفرعونية التي بلغت فيها مصر ذروة قوتها السياسية والدينية، وصولًا إلى الحقبتين الإغريقية والرومانية اللتين امتزج فيهما التراث المصري بالعناصر الأجنبية.
من خلال هذه الجولة، يتتبع الزائر كيف تطورت بنية المجتمع المصري من جماعات زراعية بسيطة إلى حضارة مركزية تمتلك نظام حكم معقد ودين متطور وفنون راقية.
الحياة اليومية والطبقات الاجتماعية في مصر القديمة
تكشف المعروضات عن الهرم الاجتماعي الذي شكّل أساس المجتمع المصري القديم، بدءًا من الفرعون الذي يُنظر إليه كإله حي، مرورًا بالنبلاء والكهنة، وصولًا إلى الكتبة والحرفيين والمزارعين.
وتعرض القاعة تماثيل وأدوات وألعاب وأوانٍ منزلية تجسد تفاصيل الحياة اليومية، مثل المصابيح الزيتية، ومساند الرأس، وشفرات الحلاقة، والمجوهرات، والصنادل، مما يعكس اهتمام المصريين بالنظافة والذوق الفني والتناسق في حياتهم اليومية.
مكانة المرأة والأسرة والدين في المجتمع المصري القديم
تُظهر القاعة عبر مجموعة من التماثيل والنقوش مكانة المرأة الرفيعة في مصر القديمة، ودورها في الأسرة والاقتصاد، كما تبرز المعروضات صورة الأسرة المصرية كوحدة اجتماعية متماسكة قائمة على الحب والاحترام.
أما الدين، فقد كان محور الحياة، إذ جسدت القطع الأثرية العلاقة الوثيقة بين الملك والآلهة، وطقوس العبادة التي كانت تُمارس في المنازل والمعابد على السواء.
ومن القطع الاثرية التي تبرز العلاقة بين الملك والالة،
لوحة نارمر: من أهم القطع الأثرية التي تُظهر الملك وهو يحكم ويحقق توحيد مصر العليا والسفلى، وهو ما يعكس سلطته الإلهية في ذلك الوقت.
كنوز توت عنخ آمون: تشمل هذه المجموعة العديد من القطع مثل القناع الذهبي الشهير، ودرع الملك توت عنخ آمون الذي يصور الملك وهو يمسك بأسدين يرمزان لأعداء مصر، ويحميه قرص الشمس المجنح ونخبت.
تماثيل الأوشبتي: مجموعة من التماثيل التي تحمل وجه الملك توت عنخ آمون وتعمل في الحياة الأخرى نيابةً عنه في حال طُلب منه القيام بأي وظيفة أو مهمة.
مركب خوفو الأولى: تعكس مركب خوفو الأولى دور الملك في الرحلة السماوية من خلال رحلة الشمس، وتُعد من أهم القطع الأثرية العضوية في التاريخ
الفن الجنائزي والتحنيط.. رحلة المصري نحو الأبدية
يتجلى في القاعة جانبٌ مهيب من العقيدة المصرية القديمة، حيث كانت الطقوس الجنائزية والتحنيط وسيلة للانتقال إلى الحياة الأبدية.
تُعرض نماذج صغيرة تُعرف بـ"الماكيتات"، صُنعت لتصوير مشاهد من حياة المتوفى اليومية، وُضعت في المقابر لضمان استمرار الحياة في العالم الآخر، كما تبرز الأدوات المستخدمة في التحنيط، والنقوش التي تحكي رحلة الروح أمام أوزوريس وميزان العدالة الإلهية الممثل عند المصريين القدماء في الاهة "ماعت".
التقنيات الحديثة وتجربة الزائر داخل القاعة
تعتمد قاعة "المجتمع" على العروض التفاعلية والوسائط الرقمية التي تمكّن الزائر من التنقل بين العصور بطريقة ديناميكية، إذ تربط التكنولوجيا الحديثة الماضي بالحاضر في تجربة غامرة توظف الإضاءة والمؤثرات البصرية والصوتية لتعيد الحياة إلى أجواء مصر القديمة.




