محمد سمير ندا: المتحف المصري الكبير يعيد تعريف الهوية الثقافية

قال الكاتب المصري محمد سمير ندا، الفائز بـ"الجائزة العالمية للرواية العربية" المعروفة إعلاميا باسم "البوكر"، عن روايته "صلاة القلق"، إن افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل حدثا تاريخيا يعيد تعريف المفاهيم الثقافية، ويؤكد على الهوية المصرية الضاربة بجذورها في عمق التاريخ الإنساني.

وأوضح ندا في تصريح خاص لـ"الدستور" أن افتتاح المتحف هو بمثابة إعادة لتعريف المفاهيم، أو تذكير بحقائق لا يمكن مناقشتها، وترسيخ لحقائق يحاول الآخرون استعارتها وحتى سرقتها، مؤكدا أن "من المنطقي أن تحتضن مصر أكبر متحف في العالم يجمع آثار حضارة واحدة، وأن الهوية الثقافية المصرية غير خاضعة لعوامل التعرية، ولا تقبل التجريف"، وأضاف: هذا وطن ضارب بجذوره في أبعد نقطة من التاريخ الإنساني، وهو باقٍ رغم أنف الزمن، تتبدل القوى العظمى في العالم، تنشأ أمم وتفنى أمم، ينتشر الفكر الاستعماري أو يبدل أقنعته، وتظل هوية مصر الثقافية حاضنة لحقيقة هذه البلد، حافظة لإرث حضاري وإنساني ما زال يثير التعجب ويندهش العالم لمرآه. لو راجعنا كتب التاريخ لعدّدنا الأمم والدول الاستعمارية التي لم تخفَ مطامعها في هذا البلد عبر العصور، لكنهم كانوا حسب رأيي مجرد عابرين مؤقتين، حاولوا، بغوا واستقووا، بقوا لفترات، ثم رحلوا، وبقيت هذه الحضارة، وظل هذا الشعب محتفظًا بشخصيته المستمدة من هذه الهوية الثقافية الراسخة.

ورأى ندا أن هذا المشروع يمثل تجسيدًا حقيقيًا لفكرة "القوة الناعمة" المصرية في العصر الحديث، موضحًا: "بكل تأكيد، هذا المنجز العظيم يعيد تسليط الضوء على بعض الحقائق التي تاهت من عقول البعض تحت وطأة المتغيرات السياسية الدولية خلال العقدين الأخيرين، نحن الآن نقول: هذه مصر لو كنتم نسيتم! ولمن يتقوّل على مصر فيقول إننا نعيش على التاريخ لا الحاضر، فليتفضل ليشاهد ما صنعته مصر اليوم ليصبح من دون أدنى شك أحد أهم الأحداث والمنجزات والمزارات خلال هذا القرن".

وأضاف: الحضارة المصرية متجددة لا تشيخ، يخطئ كثيرًا من يختزل الإعجاز المصري في التصنيف الأثري على وجه الخصوص، فقوانا الناعمة باقية ومؤثرة حتى اليوم. هذه المعروضات التي سيحتفل العالم بعرضها في ذلك اليوم المهيب، هي تسجيل وتصوير لحياة المصريين قبل آلاف السنين، وهي بالأساس أعمال فنيّة وأدبية نجح المصريون القدامى في صبّها في قالب الخلود، وها هم المصريون اليوم يعيدون تكريم أجدادهم، فيقدمونهم إلى العالم بصورة تليق بهذا البلد، وفي صورة هندسية وفنية وتنظيمية وحضارية تؤكد أننا جديرون بهذا الإرث، نحفظه لنضيف له، لا لنسوّقه فحسب.

دور المتحف في إعادة تعريف صورة مصر الثقافية

وتحدث الكاتب الفائز بـ"البوكر" عن دور المتحف في إعادة تعريف صورة مصر الثقافية أمام العالم، قائلًا: "كثيرًا ما كنت أصاب بالغضب وأقف على حافة الجنون كلما شاهدت عملًا سينمائيًّا أجنبيًّا يختزل مصر في ثلاثة أهرام ومجموعة من البدو بينما يرعون الإبل! لا أجد غضاضة في رعي الإبل لكن هذه ليست حضارة مصر! كما أن هذه المشاهد طالما أوحت للعالم بأننا نعيش في ماضٍ سحيق، أننا متخلفون عن العالم الذي يدّعي الحضارة!"، مستطردا: الآن يقدم المصريون للعالم فرصة ذهبية، ليعرفوا هذا البلد، فزوار هذا المتحف العظيم لن يطالعوا فقط ما تركه أجدادنا وما شيدوه في زمانهم، لكنهم سيتعرفون على ما صنعه ويصنعه المصريون اليوم. ذلك التصميم الهندسي وتلك الجهود الإعجازية التي تمت خلال سنوات طوال، ستقدم صورة أشمل وأدق عن مصر كوطن، وكشعب ما يزال قادرًا على صناعة التاريخ.

دور المتحف في إحياء روح الانتماء للحضارة المصرية لدى الأجيال الجديدة

وفيما يتعلق بدور المتحف في إحياء روح الانتماء للحضارة المصرية لدى الأجيال الجديدة، قال ندا: لا أنكر أن روح الانتماء لتاريخ هذا البلد تعرضّت لأكثر من هزة خلال العقود الأخيرة، وهذا أمر طبيعي تنتجه عدة ظروف تمر بها أية أمة، كفترة السبعينيات على سبيل المثال، وما شهدته من نوبات السفر المتتالية للعمل في الخارج، الأمر الذي أفرز عدة أجيال من مصريين ولدوا وعاشوا خارج مصر، ثم عادوا إليها كغرباء، وتكررت حالة الارتباك في إثر سنوات الثورة، حيث عاش المصريون حالات غير مألوفة من محاولات البعض لإحداث الشقاق والتفرقة بين أنسجة هذا الشعب، وتابع: "لكن، كل هذه موجات عابرة، تمر وستمر غيرها، وسيبقى هذا الشعب حاميًا لإرثه الحضاري والثقافي، يمتلك بوصلة انتماء لا تحيد وإن بدا للرائي خلاف ذلك. المصريون يتحصنون بانتمائهم في الأوقات الصعبة، وهذا الولاء للأرض هو أهم أسباب استمرار هذه الأمة لآلاف السنين".

وأشار إلى أن السنوات الأخيرة شهدت عودة قوية لحس الانتماء الوطني، مضيفًا: "في السنوات القليلة الأخيرة، استعاد المصريون حس الانتماء إذ شعروا بخطورة ما يجري على حدودنا كافة، هذا الشعب يعرف متى وكيف يصطف في آونة الأزمة، وكم كان زهو المصريين كبيرًا عقب وضع اللبنة الأولى لمشروع السلام في غزة في مؤتمر شرم الشيخ، كما هم فخورون اليوم بافتتاح المتحف المصري الكبير، ذلك لأن الانتماء إلى الماضي متسق بالانتماء إلى الحاضر، هما أمران لا ينفصلان.

وأوضح:  المواقف المصرية قوّت وعزّزت انتماءً لدى الشعب قد يرتبك لكنه لا يغيب، كما تعزز منجزات كالمتحف الكبير انتماءنا إلى الجذور، لنتذكر، ولكي ننتبه إلى محاولات بعض الفئات لسرقة هذا التاريخ أو تشويهه، أو حتى اقتسامه معنا، لكن المصري لا ينخدع بترهات كهذه، لأن انتماءه تجاه هذا البلد، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، شيءٌ لا إرادي، يولد المصري وفي جيناته هذا الحس النابض، الذي لن يغيب.

واختتم الكاتب الفائز بـ"البوكر" تصريحه قائلًا بأسف واعتزاز: لكم كنت أتمنى أن تتاح لي الفرصة لحضور افتتاح المتحف المصري الكبير، لكن ارتباطي بالسفر حال بيني وبين ذلك، ربما أبعدني السفر عن الحدث، لكنني كنت وما زلت في قلبه، لأنني مصري، والمصري أينما مضى، يحمل معه مضغة من وطنه في صدره.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ننشر اسماء مرشحى أنتخابات النواب 2025 بالفيوم بعد غلق باب الترشيح اليوم
التالى وفاة المخرج المسرحي المصريّ عمرو دوارة