قال المخرج الكبير أحمد عبدالجليل إن تكريمه فى الدورة الثامنة عشرة للمهرجان القومى للمسرح زاد من إحساسه بالمسئولية تجاه فنه، معتبرًا أن التكريم بمثابة اعتراف من الدولة ومؤسساتها بأن مشواره كان مهمًا وذا قيمة.
وأضاف «عبدالجليل»، فى حوار مع «الدستور»، أن المسرح بالنسبة له مساحة للتفكير والتساؤل «لا مجرد فرجة»، لافتًا إلى أن أكبر عقبة كانت تواجهه فى مسيرته هى أن المسرح فى مصر والدول العربية لا يحصل على الدعم المادى الكافى مقارنة بباقى الفنون.
ويعتبر المخرج أحمد عبدالجليل أحد أبرز الأسماء فى المسرح القومى بالمنصورة، ومن الآباء المؤسسين فى مسرح الثقافة الجماهيرية والمسرح الغنائى فى المنصورة.
■ بداية.. كيف استقبلت تكريمك فى المهرجان القومى للمسرح؟
- تأثرت جدًا بهذا التكريم؛ لأن تكريم المهرجان القومى للمسرح ليس مجرد شهادة تقدير، بل يعتبر اعترافًا من الدولة والمؤسسات الرسمية بأن مشوارى كان له قيمة.
أول شعور أحسست به هو الفخر، وتذكرت السهر والتعب والليالى الطويلة التى قضيتها وسط البروفات والممثلين والجمهور. ولا يسعنى إلا أن أشكر كل القائمين على المهرجان القومى للمسرح، وأنا سعيد وفخور بأن لى الحظ أن يجرى تكريمى فى هذه الدورة وسط كوكبة مميزة من الممثلين والمخرجين وصناع المسرح.
■ ما الذى أضافه هذا التكريم لرحلتك الفنية الطويلة؟
- التكريم زاد من إحساسى بالمسئولية؛ فهو ليس نهاية المشوار، بل بداية مرحلة جديدة، لذا يجب أن أكون على قدر المسئولية.
أرى أنه وسام على صدرى، يذكّرنى بأن المسرح يحتاجنى أكثر من أى وقت، وبأن خبرتى يجب أن تتوظف لخدمة الأجيال القادمة. التكريم أيضًا جعلنى أكثر إصرارًا على الاستمرار، لأنه دليل على أن الجهد الذى بذلته عبر السنين لم يذهب هدرًا، وأن الدولة ومؤسساتها الثقافية مطلعة ومقدرة لقيمة هذا المشوار.
■ هل هناك عقبات واجهتها وأسهمت فى تشكيل شخصيتك الفنية؟
- نعم.. من أبرز العقبات التى واجهتنى على طول الطريق كانت ضعف الإمكانات المادية واللوجستية. وهذا ليس فى بداية مشوارى فحسب، لكن حتى فى مراحل متقدمة، لأن المسرح فى مصر والعالم العربى عمومًا لا يحصل على الدعم الكافى مقارنة بالفنون الأخرى، وهذا يعنى أنك تعمل فى ظروف صعبة جدًا: فرق مسرحية محدودة الموارد، ومسارح أحيانًا غير مجهزة، وإنتاج يعتمد على الإصرار أكثر من الإمكانات.
فى الوقت نفسه، أعتبر أن هذه الصعوبات جعلتنى أكثر تمسكًا بالمسرح، وأعطتنى القدرة على الاستمرار.
قلة الإمكانات- رغم قسوتها- كانت مصدر تحدٍ، وعلّمتنى الصبر، وجعلتنى أؤمن بأن المسرح فعل إبداعى فى جوهره، قائم على الإنسان والفكرة قبل أى ترف إنتاجى.
■ كيف تغيّر تفاعل الجمهور مع العروض المسرحية اليوم مقارنة بالماضى؟
- أنا مؤمن بأن المسرح فى جوهره ثابت، لأنه فن حىّ لا يمكن أن يفقد حضوره. صحيح أن المنافسة زادت جدًا، سواء مع السينما قديمًا أو مع التليفزيون، ومع الوقت أيضًا ظهرت المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعى التى خطفت أنظار الناس، لكن رغم كل هذا التطور، المسرح ما زال يحتفظ بوَهجه وتألقه.
المسرح فن له خصوصية لا توجد فى أى وسط فنى آخر؛ فهو تجربة إنسانية حيّة، قائمة على اللقاء المباشر بين الممثل والجمهور. الإحساس الذى يعيشه المتفرج فى قاعة المسرح، وهو يرى اللحظة أمامه تتخلق وتتحقق دون إعادة أو مونتاج، هذا شىء لا يعوّض ولا يتكرر فى السينما أو الدراما التليفزيونية أو أى مكان آخر، لذلك لدىّ يقين بأن المسرح سيظل واحدًا من أرقى الفنون وأكثرها تأثيرًا فى وجدان الإنسان.
■ ما الفلسفة التى تحاول التركيز عليها وإبرازها فى أعمالك الإخراجية؟
- أنا دائمًا أحاول تقديم المسرح كمساحة للتفكير والتساؤل، وليس مجرد فرجة عابرة، رغم أن عنصر الفرجة نفسه مهم جدًا عندى. لدىّ إيمان بأن الخشبة ليست مجرد مكان للحكى، لكنها فضاء حى للحوار بين الممثل والمتفرج، وبين النص والواقع.
هذه الفلسفة تجعلنى أركّز على الصدق الإنسانى فى الأداء قبل أى شىء، لأن اللحظة الصادقة هى التى تلمس المتفرج وتظل تحيا داخله. وفى الوقت نفسه، أرى أن المسرح يجب أن يقدّم المتعة البصرية والدهشة، من خلال الإبهار الفنى والجانب الجمالى للعروض.
مثلما يكون العرض المسرحى مساحة للتفكير، يجب أيضًا أن يقدم متعة بصرية وصوتية تعطى الجمهور تجربة كاملة.
أؤمن بأن المسرح لو جمع بين الفكر والإبهار، وبين التساؤل والمتعة، يستطيع أن يحقّق هدفه الحقيقى: أن يترك أثرًا فى الوجدان، ويجعل المشاهد يخرج مختلفًا عن لحظة دخوله القاعة.
■ هل هناك حلم مسرحى أو مشروع خاص ما زلت تتمنى تحقيقه ولم تسمح الظروف بعد بتنفيذه؟
- طوال الوقت لدىّ مشاريع وأحلام مسرحية تشغلنى؛ من أبرزها رغبتى فى استكمال ما بدأتُه مع المسرح الإفريقى وأعمال الكاتب وول سوينكا.
وهناك نص «الغول» للكاتب بيتر فايس، موجود فى مكتبتى منذ سنوات طويلة، وما زلت أتمنى أن أحظى بفرصة لإخراجه على خشبة المسرح. بجانب هذا، أنا شغوف أيضًا بتراث المسرح الغنائى المصرى، وقدّمت من قبل أعمالًا مثل «يوم القيامة» و«شهرزاد». لدينا فى المسرح الغنائى تراث كبير ومميز، وأتمنى أن أجد الفرصة لإعادة إحياء هذه العروض من جديد، وتقديمها بروح معاصرة للجمهور.


















0 تعليق