وائل جسار: حفلى فى مهرجان الموسيقى العربية «ليلة من ليالى العمر»

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حين صعد المطرب اللبنانى وائل جسّار خشبة مسرح «النافورة» فى دار الأوبرا المصرية، قبل أيام، ضمن فعاليات الدورة ٣٣ من مهرجان الموسيقى العربية، بدت الأجواء وكأنها ليلة طربية من زمن الفن الجميل، أعادت إلى الجمهور وهج الصوت الطربى والإحساس الصادق، الذى ميّز مسيرته منذ أكثر من عقدين. تفاعل الجمهورين المصرى والعربى من الحضور مع نجمهم المحبوب كان لافتًا، خاصة بعدما غنى عددًا من أشهر أغنياته، مثل «غريبة الناس» و«بتوحشينى» و«خسرت كل الناس»، التى رددها معه الجمهور بصوت عالِ، قبل أن يعلو غناؤهم أكثر مع أدائه لأغنية «ألف ليلة وليلة» تحية منه لـ«كوكب الشرق» أم كلثوم

بعد الحفل الناجح، كان لـ«الدستور» الحوار التالى مع وائل جسّار، الذى أعرب فيه عن سعادته بالمشاركة، قبل أن يتحدث عن رؤيته لدور مهرجان الموسيقى العربية فى الحفاظ على هوية الأغنية العربية، وتفاصيل اختياره لأغانيه فى حفله بالمهرجان، الذى وصفه بـ«ليلة العمر»، فضلًا عن علاقته بالجمهور المصرى.

 

■ كيف تصف شعورك بعد المشاركة فى الدورة ٣٣ من مهرجان الموسيقى العربية؟

- شعور لا يوصف، فأنا أعتبر الغناء فى دار الأوبرا المصرية، وفى هذا المهرجان العريق، تكريمًا لكل فنان يحترم فنه وجمهوره. مصر بالنسبة لى ليست مجرد بلد أغنى فيه، بل المكان الذى احتضن صوتى منذ بدايتى، والجمهور المصرى له ذائقة خاصة، تجعلك تبذل أقصى ما لديك لتكون على قدر محبته وثقته. حين أقف على خشبة الأوبرا، وأرى الجمهور أمامى بتلك الطاقة والمحبة، أشعر بأن كل تعب السنين له معنى.

حين عرضت علىّ المشاركة فى مهرجان الموسيقى العربية، استقبلت الدعوة بفرح كبير وفخر لا يوصف، فهذا المهرجان له قيمة كبيرة فى العالم العربى، لأنه لا يقدم مجرد حفلات، بل يحمل رسالة ثقافية للحفاظ على الهوية الموسيقية العربية الأصيلة. لذا اعتبرت المشاركة مسئولية قبل أن تكون مناسبة فنية، لأننى أعلم أن الجمهور الذى يأتى إلى الأوبرا ينتظر الطرب الحقيقى، وفنانًا يُشعره بالصدق قبل أى شىء.

■ ما رأيك فى أجواء الحفل على مسرح «النافورة» فى تلك الليلة؟

- ليلة من ليالى العمر بكل معنى الكلمة، الجو كان مليئًا بالطرب، والحضور أكثر من رائع. الجمهور تفاعل معى من أول لحظة، عندما بدأت غناء «غريبة الناس»، ثم «بتوحشينى»، لنتبادل طوال الحفل مشاعر جميلة من الحب والحنين.

واللحظة الأجمل كانت عندما قدمت أغنية «ألف ليلة وليلة»، حينها شعرت بأن كل الحضور يعيشون معى حالة وجدانية كبيرة وحنينًا الى الماضى، لأن هذه الأغنية جزء من وجدان الأمة العربية وذاكرة الفن الخالد. وأحب هنا الإشادة بالمايسترو عادل عايش، الذى قاد الأوركسترا ببراعة، وكان بيننا انسجام كبير جعل الأداء حيًا ودافئًا.

■ لماذا اخترت «ألف ليلة وليلة» تحديدًا من أغانى أم كلثوم لتؤديها فى المهرجان؟

- لأننى ببساطة أحب هذه الأغنية إلى حد العشق. فيها مزيج من الطرب والرقى والخيال الشرقى الجميل، ولحنها يتيح للمطرب أن يقدم إحساسه بطريقته دون أن يبتعد عن روح أم كلثوم. أردت أن أقدم تحية صادقة لـ«كوكب الشرق»، التى علمتنا جميعًا معنى الالتزام الفنى والإحساس الصادق بالكلمة والنغمة.

■ هل اسم أم كلثوم يضع على عاتقك مسئولية أكبر؟

- بالتأكيد. والمسئولية موجودة دائمًا فى كل زمان ومكان. الفنان الحقيقى يجب أن يشعر بأنه مطالب دائمًا بتقديم الأفضل لجمهوره. المميز فى هذه المشاركة أنها تأتى من دار الأوبرا المصرية، وفى دورة تحمل اسم أم كلثوم، وهذا شرف كبير لأى فنان عربى.

■ إذا طُلب منك إعادة أداء عمل من أعمالها بطريقتك، أى أغنية تختار؟

- ربما أختار «سيرة الحب»، لأنها قريبة جدًا من طريقتى فى الغناء ومن إحساسى بالكلمة. فيها مساحة صوتية وشجن ورومانسية تشبهنى، لكن بالتأكيد لا أحد يستطيع أن يغنى مثل أم كلثوم. نحن فقط نحاول أن نكرم تراثها بأسلوبنا الخاص، مع احترامنا الكبير لتاريخها العظيم الذى لا يمكن أن يتكرر. وأنا بطبعى لا أحب تقليد أحد، لكن أحب أن أضع إحساسى الخاص فى الأغنية، بحيث تكون تحية روحية من فنان معاصر إلى «سيدة الغناء العربى».

■ ما سر خلود صوت أم كلثوم رغم مرور كل هذه العقود؟

- أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ هم «أهرامات الغناء فى العالم العربى»، ومدارس فنية لا تتكرر. هؤلاء، ومعهم كبار الملحنين مثل سيد درويش ومحمد فوزى وبليغ حمدى، وضعوا الأساس الحقيقى للفن العربى الأصيل. صوت أم كلثوم تحديدًا يظل خالدًا لأنه ينتمى إلى مدرسة الصدق والإحساس، وهى مدرسة يصعب تكرارها مهما مر الزمن، لأنها اعتمدت على الإحساس الحقيقى فى الكلمة واللحن والأداء.

■ الجمهور المصرى معروف بحسه الموسيقى العالى، كيف ترى تفاعله معك بحفلاتك فى مصر؟

- الجمهور المصرى مدرسة فى الذوق الفنى، يسمع بتركيز ويحييك بصدق. ما يميز المصرى أنه لا يصفق لأى أغنية لمجرد اسم الفنان، بل لأنه يعيش معك الكلمة واللحن. كل مرة أغنى فى مصر أخرج بطاقة جديدة من داخلى، لأن الجمهور يمنحنى طاقة وحبًّا كبيرًا، وهذا شعور لا أجده فى أى مكان آخر. بصراحة، أعتبر أن محبتى عند الجمهور المصرى أكبر مكافأة يمكن أن أنالها فى مسيرتى كلها.

■ البعض يرى أن مهرجان الموسيقى العربية ينجح فى إعادة الجمهور إلى الطرب الأصيل، هل تتفق مع ذلك؟

- تمامًا. مهرجان الموسيقى العربية ليس مجرد تظاهرة غنائية، بل ذاكرة الأمة الموسيقية فى زمن تسوده الأغانى السريعة. نحتاج إلى هذه التظاهرات التى تعيد للأذن العربية توازنها وذوقها. عندما يقف الفنان على مسرح الأوبرا، ويؤدى أغانى نجوم كبار، مثل أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ونجاة الصغيرة، الجيل الجديد سيسمع هذا التراث ويبدأ فى تقديره. هنا تكمن أهمية المهرجان، أنه لا يترك الأجيال الجديدة تنسى هويتها الفنية.

■ قدمت فى حفلك بالمهرجان عددًا من أغانيك الشهيرة، كيف اخترت برنامجك لتلك الليلة؟

- عادة ما اختار أغانىّ بناءً على ما يطلبه الجمهور فى حفلاتى، وأيضًا بما يتناسب مع أجواء المهرجان. بدأت بـ«غريبة الناس» لأنها من أكثر الأغانى التى يحبها الجمهوران المصرى والعربى، ثم «بتوحشينى» و«كل وعد»، و«خسرت كل الناس» التى أهديتها بروح المحبة للفنان الكبير جورج وسوف، قبل أن أختم بـ«ألف ليلة وليلة». كنت أريد أن يكون البرنامج متنوعًا بين الرومانسى والطربى والوجدانى، بحيث يرضى جميع الأذواق.

■ كيف تصف تفاعل الجمهور معك بعد انتهائك من كل أغنية؟

- التصفيق، والتفاعل من الجمهور عبر ترديد كلمات الأغانى، هو لغة المحبة بين الفنان وجمهوره. حين أسمع التصفيق الصادق، أشعر بأن كل كلمة غنيتها وصلت إلى القلب. فى الأوبرا كان التصفيق له نغمة مختلفة، كأنه يقول لى: «نحن نحب هذا اللون من الفن، لا تغيره». هذا النوع من الدعم يحمّل الفنان مسئولية أكبر ليبقى عند حسن الظن دائمًا.

■ تحدثت خلال الحفل عن حبك لمصر.. ماذا تعنى لك «أم الدنيا»؟

- مصر بالنسبة لى وطن ثانٍ. أنا لا أقول ذلك مجاملة، بل عن قناعة. من أول مرة زرت فيها القاهرة شعرت بأننى بين أهلى. الناس هنا يعرفون قيمة الفن ويحترمون الفنان الجاد. كما أننى مدين لمصر بالكثير من النجاح، لأن كثيرًا من محطاتى الفنية الكبيرة بدأت هنا. لذا، خلال الحفل، وجدت نفسى أقولها من القلب: «تحيا مصر وجيشها وشعبها».

■ وماذا عن تقييمك للمستوى التنظيمى للدورة الحالية من المهرجان؟

- بصراحة، التنظيم كان رائعًا. كل شىء محسوب بدقة، من الاستقبال إلى الصوت والإضاءة والأوركسترا. دار الأوبرا المصرية دائمًا ما تقدم نموذجًا محترمًا فى إدارة الفعاليات. أشكر كل القائمين على المهرجان، وعلى رأسهم وزارة الثقافة المصرية ودار الأوبرا والمايستروهات والفنيين والمنظمين، لأنهم يحافظون على مستوى يليق بتاريخ هذا الحدث العظيم. هذا المهرجان هو نبض الفن العربى، ومن خلاله نستعيد قيم الجمال والذوق. أتمنى أن يستمر لعشرات السنين، ويبقى منارة لكل من يؤمن بأن الموسيقى قادرة على جمع القلوب مهما اختلفت اللهجات والبلدان.

■ كيف ترى مشاركة نجوم الأوبرا إلى جانب النجوم العرب فى ليالى المهرجان؟

- هذا من أجمل ما يميز المهرجان. الدمج بين الأصوات الشابة من دار الأوبرا المصرية والنجوم العرب يخلق حالة من التواصل بين الأجيال. أنا شخصيًا استمتعت كثيرًا بأصوات المطربين الذين غنوا قبلى فى تلك الليلة، وشعرت بالفخر أن لدينا فى الوطن العربى هذه الطاقات الجميلة. المهرجان بهذا الشكل يقدم رسالة: الفن العربى ما زال بخير، والجيل الجديد قادر على حمل الراية.

■ ما توقعاتك لمستقبل الأغنية العربية فى ظل التغيرات الحالية؟

- الأغنية العربية بخير طالما هناك فنانون يحترمون أنفسهم وفنهم. لكننا فى الوقت نفسه نعيش زمنًا صعبًا، مع وجود «تسطيح» فى الذوق العام بسبب انتشار الأغانى الخفيفة والسريعة. أنا لست ضد التطور، لكن يجب ألا يكون على حساب الكلمة واللحن والإحساس. الفنان الحقيقى هو من يستطيع أن يواكب العصر دون أن يتنازل عن فنه. وأعتقد أن الجمهور بدأ يعود تدريجيًا إلى البحث عن الأغنية الأصيلة، لأن الصدق فى الغناء لا يموت أبدًا.

■ هل تفكر فى التعاون مع فنانين مصريين خلال الفترة المقبلة؟

- طبعًا، لدىّ دائمًا مشاريع قيد التحضير. أتعاون منذ سنوات مع الملحن وليد سعد، وهو من أقرب الأصدقاء إلى قلبى. كما أبحث عن أغنية مصرية جديدة تشبهنى، وتعبّر عن المرحلة المقبلة من مسيرتى. أنا أحب اللهجة المصرية كثيرًا، وأرى أن الجمهور فى مصر يتفاعل معها فورًا لأنها تصل إلى القلب مباشرة.

■ بعض أغانيك تحقق ملايين المشاهدات، لكنك دائمًا تقول إنك لا تبحث عن «الترند».. فما مفهوم النجاح بالنسبة لك؟

- النجاح والتوفيق من الله أولًا وأخيرًا، وبالنسبة لى، النجاح الحقيقى ليس فى عدد المشاهدات أو «الترند»، بل فى أن تبقى أعمالى حاضرة فى ذاكرة الناس بعد مرور السنوات.

■ ماذا عن جديدك إذن؟

- هناك عمل جديد أضع اللمسات الأخيرة عليه، أغنية بعنوان «حكاية عمر»، وهى أغنية رومانسية تمس القلب، من كلمات نادر عبدالله وألحان وليد سعد. كما أستعد لتصوير «كليب» جديد فى بيروت قريبًا، وأتمنى أن يعرض على القنوات المصرية والعربية خلال الأسابيع المقبلة. هدفى دائمًا أن أقدم أعمالًا تليق بالجمهور الذى منحنى الحب والاحترام طوال مشوارى.

ما الرسالة التى توجهها إلى جمهورك؟

- أقول لهم: شكرًا من القلب على كل هذا الحب. أنتم السبب فى استمرارنا، وفى رغبتنا أن نغنى أفضل. أعدكم بأننى سأظل محافظًا على اللون الغنائى الذى تحبونه منى، ولن أقدم شيئًا إلا إذا كنت مقتنعًا بأنه يليق باسم وائل جسّار وبذوق جمهورى العزيز. وأكررها: الغناء فى الأوبرا أمام هذا الجمهور العظيم كان واحدًا من أجمل لحظات حياتى الفنية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق