مادة الأسبستوس تمثل تهديداً صحياً بيئياً هادئاً لكن شديد الخطورة في قطاع غزة: التدمير الواسع للمباني، واحتواء كثير منها على مواد أسبستوس، وغياب بنية تحتية كافية لإزالة الحُطام والتلوث بشكل آمن، كلها عوامل تجعل من هذه القضية «قنبلة» موقوتة ليس فقط للحاضر بل للمستقبل.
وعلى الجهات المعنيّة – محلية ودولية – أن تعطي أولوية قصوى لمعالجة هذه المسألة كجزء من إعادة الإعمار والتعافي، وليس فقط التركيز على إزالة الأنقاض بأي شكل، بل بتنظيفها من المخاطر الكامنة.
الأسبستوس هي مجموعة من المعادن الليفية الطبيعية، كانت تُستخدم على نطاق واسع في مواد البناء والعزل الحراري بسبب مقاومَتها للحرارة والعزل.
لكنها تُعد اليوم من أخطر المواد؛ لأن الألياف الدقيقة الموجودة فيها عند تحرّرها (بالهواء أو الغبار) يمكن أن تُستنشق، وتُسبب أمراضاً خطيرة مثل: المِزُوثِليوما (سرطان الغشاء الجنبي للرئة)، سرطان الرئة، التليف الرئوي (Asbestosis).
لا يوجد مستوى «أميناً» من التعرّض للأسبستوس؛ فحتى كميات صغيرة معرضة للتهوية يمكن أن تشكّل مخاطرة صحية لاحقة بسنوات.
لماذا الوصف «أخطر من القنابل»؟
في المناطق التي تعرضت لقصف أو تدمير للبُنى التحتية، كما في حالة قطاع غزة، فإن تحطيم المباني القديمة التي تحتوي على مواد «أسبستوس» يؤدي إلى إطلاق ألياف دقيقة في الهواء، تُنفَس من السكان والمشاركين في إعادة الإعمار وإزالة الأنقاض.
ما يجعل الأمر أكثر خطورة هو أن هذه الأمراض لا تظهر فوراً؛ بل قد تستغرق 20 إلى 30 سنة أو أكثر لتتطوّر، مما يعني أن الضرر يمتد لأجيال.
فقدان الأمان البيئي – تحرّك الحطام، الهواء الملوّث، غياب الحماية – يتحول إلى «قنبلة صحية» موقوتة، لا صوت لها لكنها مدمّرة على المدى الطويل.
العلاقة بين الأسبستوس وقطاع غزة
حجم التدمير
حسب تقييم أولي من برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، فإن التدمير في غزة خلق نحو 39 مليون طن من الحُطام حتى منتصف 2024، ويُعدّ هذا الرقم عاليًا جدًا مقارنة بتجارب سابقة في أمكنة أخرى من العالم.
تحليل لاحق أفاد بأن الحُطام قد تجاوز 61 مليون طن حتى أواخر 2025، مع تدمير نحو 75-80٪ من المباني في القطاع تقريبًا.
وجود الأسبستوس في الحُطام
البيان الصادر عن UNEP يشير إلى أن جزءًا كبيراً من الحُطام «قد يكون ملوّثاً بالأسبستوس أو نفايات صناعية أو معادن ثقيلة».
تقرير من صحيفة الـ Al Jazeera ذكر أن منقّذي الحُطام في غزة حذّروا من أن نحو 800 000 طن من الحُطام قد يحتوي على أسبستوس.
وكالة محلية أو تحليل صحفي أشار إلى أن إزالة الحطام تجتذب الغبار الذي قد يحتوي ألياف الأسبستوس، ويتنفسه السكان – خصوصاً من يعمل في الإزالة أو يعيش قريباً من المواقع المدمّرة.
مخاطرة للصحة والسلامة
الأشخاص الذين يقومون بإزالة الحُطام، أو أولئك الذين يعيشون قرب المواقع التي لم تُنظف بشكل كافٍ، معرضون للتعرّض العالي لألياف الأسبستوس.
النظام الصحي في غزة متضرّر بشدّة، مما يقلّص القدرة على الكشف المبكر ومعالجة الأمراض المرتبطة بالأسبستوس.
يُحذّر الخبراء أن الأثر الكامل لهذه المخاطر سينكشف خلال سنوات طويلة، ما يجعلها أزمة تمتد «لأجيال».
خطوات عاجلة
يجب اتخاذ إجراءات لحماية العاملين في إزالة الحُطام: استخدام معدات الحماية الشخصية، ومنع الرياح من نشر الغبار، ووجود قياس لجودة الهواء.
ضرورة وجود خطة لإدارة الحُطام والمواد الملوّثة، وتصنيفها والتعامل معها وفقاً للمعايير الصحية.
التوعية المجتمعية للسكان حول مخاطر الأسبستوس، وطرق تجنّب التعرض، خصوصاً أثناء الإقامة أو العودة إلى المباني المدمّرة والمصلحة في إعادة إعمارها.
















0 تعليق