الخميس 23/أكتوبر/2025 - 11:23 م 10/23/2025 11:23:50 PM
إن كان يستحق هذا الشهر المعظم – أكتوبر – أن يكون هو شهر مصر المعاصرة فى كل عام، فهو يستحق فى هذا العام بشكلٍ خاص أن نغنى فيه..مصرُ عادتْ شمسكِ الذهبُ...وعاش اللى قال وعمل..
(١)
أهلتْ بمقدمه على مصر ذكريات النصر المعطر بالدماء الزكية لشهدائها الأبرار وعاد المصريون كعادتهم فى هذه العقود للتحلق حول شاشات قنواتهم للتمتع بمشاهدة الأعمال الدرامية الخالدة التى توثق وقائع النصر والتفوق والبطولة. لقد غدت إعادة مشاهدة هذه الأعمال من طقوس الاحتفال رغم أننا حفظنا عن ظهر قلب كل عبارة بها وتعبيرات الوجوه ونغمات موسيقاها. وغدا الاستماع إلى أغنية الله أكبر بسم الله وكأنه استماعٌ خاشعٌ لترنيمة صلاة لعشاق مصر.
جمعة الشوان والريس زكريا، رأفت الهجان ومحسن ممتاز، ومحمد افندى والفاطمتنان، وعمرو طلبة وسامية فهمى أصبحوا جزءّ من كل عائلة مصرية أصيلة، يتقاسمون معنا طقوس الشهر. الحفار والثعلب والطريق إلى إيلات أسماءٌ وأبناء الصمت والرصاصة لا تزال فى جيبى والعمر لحظة أصبحت من هويات المصريين.
صائد الدبابات، ومن رفع العلم أولا، وعم أحمد إدريس النوبى صاحب الشفرة..هم سادتنا وأيقوناتنا، ومعهم درة تاج النصر وكلمة سره السادات. كل ذلك مما نسعد به كل عام، نشأنا وتربينا عليه وأصبح من مكوناتنا الأصيلة مثله مثل صوت محمد رفعت والنقشبندى فى شهر رمضان، وصوت صفاء أبو السعود صباح كل عيد.
استحضر المصريون سير أبطالهم وشهدائهم، واكتست منازل الشهداء بأعلام مصر، وكرمت مصر كعادتها كل عام الأسماء والأسر لكى يكون معلوما من الوطن بالضرورة أن مصر وشعبها لا ينسون من ضحى وأخلص وبذل مهما امتدت السنوات، فالإخلاص لمصر دينٌ، وعشقها عقيدة.
هذا العام أفاض علينا شهر أكتوبر المعظم بالكثير من المشاهد الجديدة لنصرٍ مصرى جديد ولسطوع شمسها. أعلن اكتوبر هذا العام أن مصر قد عبرت عبورها الثانى الأحدث. عبرت المحنة والألم، وانتصرت فى معركة جديدة كان يستهدف خلالها أعداءُ مصر أرض الفيروز كما استهدفوها سابقا وكما سيستهدوفونها دائما. منذ أول يوم فى أكتوبر وحتى آخر يوم نستيقظ على مظهر آخر من مظاهر النصر والعبور الجديد.
(٢)
أول مظاهر النصر الجديد كان وضع كلمة النهاية لمخطط استهداف سيناء، بإعلان من استهدفوها هزيمتَهم على مرأى ومسمع من العالم. وكما حدث فى العبور الأول من النصر العسكرى ثم مبادرة مصر بالسلام، فقد حدث العبور الجديد. مواجهة عسكرية شرسة امتدت لما يزيد عن عشر سنوات ثم مشهد السلام على أرض مصر.
لم يكن وصول مصر للحظة الانتصار هذه طريقا سهلا معبدا بالورود. كان طريقا مخضبا بالكثير من دماء أبنائنا منذ ما حدث عام ٢٠٠٨ وحتى مشهد توقيع اتفاق السلام وإعلان إسقاط مخطط استهداف سيناء. لقد قدمت مصر الآلاف بين شهيدٍ وجريح حتى تبقى لنا أرض مصر خالصة لشعبها. لقد كافح المصريون بمختلف مستوياتهم للوصول لهذه اللحظة. لقد جاهدنا عشر سنوات لصد الموجات المتتالية عسكرية واقتصادية وإعلامية. لم يكن نصرا سهلا، وما خفى من التضحيات أعظم وأكثر إجلالا مما سمحت الضرورة بإعلانه. تحمُل المصريين من قوت يومهم تكلفة المعركة العسكرية هو من تمام الجهاد. ثباتُ المصريين فى الدفاع عن هوية مصر صفحة يجب أن يتم توثيقها. وكان ثبات المصريين الانفعالى - فى وجه الأكاذيب والخديعة ومحاولة تلبيس باطل المليشيات بزائف الدعاوى الدينية – من نفحات جينات مصر الحضارية الأصيلة. آمن المصريون بأن الدفاع عن الأرض دينٌ ولو كره بعض الأفاقين المرتدين مسوح الدين. صمودُ المصريين أمام كتائب إعلامية مخابراتية محترفة منفقٌ عليها بسخاء يجب أن يضاف لقوائم النصر المصرية الشعبية. حاولوا خداعنا بتسليم ثغورنا لجماعات عميلة مسلحة لتمهد الأرض المصرية لقوى استعمار تقليدية، لكن الله رد كيدهم فى نحورهم وفضحهم وأظهر خيانتهم التى ستظل ملتصقة بهم إلى أن تقوم الساعة. حين جلس رئيس مصر يوقع اتفاق السلام كان ذلك إعلانا مصريا بالنصر. والنصر لنا كمصريين لا يعنى سوى الحفاظ على أرضنا شاء من شاء وأبى من أبى من المتأسلمين وبقايا وفلول الممتَطين من كل الأطياف والنخب السياسية أو الدينية أو الإعلامية ممن لم يؤمنوا يوما بقداسة أرضنا.
فمصر غايتنا، والحفاظ على أرضها أسمى أمانينا، والقسم على عشقها وبذل الروح من أجلها هو دستورنا.
والقومية المصرية هى الحل! الحل لكل أزماتنا ومآسى نخبتنا وتهافت بعض مواطنينا الساقطين فى شرك إعلام الجهات المعادية لمصر الذى لا يعمل إلا على إفقاد هؤلاء لإيمانهم بهويتهم وأرضهم ودولتهم. لقد كان للنصر ثمنٌ باهظ ولقد دفعناه ونحن راضون تماما وعلى استعداد لدفعه مرات ومرات مجددا شريطة أن يكون من أجلها فقط!
(٣)
فى ثنايا الشهر المعظم كان المصريون على موعدٍ مع مشاهد انتصارات دولية ساحقة. لأول مرة تفوز دولة بمنصب رئاسة اليونسكو بهذه النتيجة الساحقة فى ذروة استهداف المنظمة الدولية من قوى إقليمية ودولية كبرى. وكأن العالم يعتذر أولا لمصر عما حدث فى المرات السابقة حين مدت مصر يدها لتمنح شرف رئاستها للمنظمة. وثانيا كأن العالم يعلن أنه ليس غير مصر يقدر على مواجهة ما تتعرض له المنظمة. لقد فوض العالمُ مصرَ رسميا – فى شخص د.خالد غريب – لكى تواجه ما يعلمه هذا العالم يقينا من التهاب الملفات المنتظرة أمام المنظمة والتى لا تنفصل فيها تلك الملفات عما يموج به هذا العالم من اضطرابات سياسية زاعقة.
ثم جاء فوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ليصفع كل الذين كانوا يشنون حملات تشويه وابتزاز ضد مصر فى ملف حقوق الإنسان. كانوا يبتزون مصر حتى ترضخ وتضعف أمام مجموعات إرهابية تزعم كذبا أنها جماعات معارضة سياسية. كانوا يراهنون على رضوخ مصر بسبب ما تتعرض له من حملات دولية تستهدف أرضها. جاء هذا الفوز ليتوج جهد الدولة المصرية فى المحافل الدولية وليشهد لقيادة مصر بالشرف.
جاء هذا التتويج متزامنا مع شهادات دولية رسمية من رئيس الدولة الأقوى عن الأمان فى مصر وانخفاض معدل الجريمة بها مقارنة بدول غربية كبرى. شهادات بقوة الدولة وأجهزتها الصلبة، ولم تكن تأتى تلك الشهادات من قبيل المجاملة أو المساومة لأن مصر لم تقدم تنازلات فى سبيل تلك الشهادات. لا تُمنح تلك الشهادات الكبرى لأنظمة حكم تشوب حولها شوائب تتعلق بحقوق الإنسان. كانت حملات الابتزاز تستهدف إجبار مصر لتقبل أن تكون مرتعا لكل الجماعات الهاربة من دولها - بعد أن خربت أوطانها - تحت زعم حماية حقوق اللجوء.
حتى المشهد الكروى العادى بصعود منتخب كرة لنهائيات كأس العالم جاء مزدانا برايات أكتوبر وبقيادة أيقونة مصرية اسمها محمد صلاح، تلك الأيقونة التى طالما حاولوا رجمها بالحجارة لا لشىء سوى لأن الرجل مصرى يؤمن بمصر ويرفض أن يخضع للابتزاز الشعبوى الممنهج.
(٤)
ثم جاء الثلث الأخير من شهرنا المعظم حاملا معه مشهدا عظيما اسمه القمة المصرية الأوروبية فى بروكسل. هو مشهد الانتصار المصرى الأكبر ولا شك. أكثر من عشرين نقطة احتواها البيان الختامى، تمثل كلٌ منها نصرا مصريا فى حد ذاتها. مصر ستشهد عقد القمة المصرية الأوربية التالية عام ٢٠٢٧م. أكثر من ٣٠٠ شركة وكيان اقتصادى عملاق كانوا حاضرين للدخول فى مشاركات اقتصادية مع مصر.
لقد حصدت مصر الكثير وحصلت على توقيع الاتحاد الأوروبى رسميا على قائمة طويلة من المواقف والرؤى التى تبنتها مصر عبر السنوات الماضية.
وفيما يخص المشهد الإقليمى الخاص باتفاق السلام الموقع فى شرم الشيخ، فقد حصلت مصر على موافقة ودعم أوروبا رسميا للآتى...
مساندة الاتفاق والعمل على تنفيذ بنوده.
رفض أى ضم لأراضى الضفة أو غزة للكيان.
دولة موحدة وقانون واحد وسلاح واحد. أهم ما ورد فيما يخص فلسطين. على حماس أن تختفى من الحكم وأن تحكم الضفة وغزة سلطة فلسطينية واحدة تمثل نواة دولة فلسطينية.
رفض ممارسات المستوطنين فى الضفة.
قبول مصر لمشاركة أوروبا فى مؤتمر إعادة الإعمار فى مصر عن طريق الدول المانحة. أى أن تتحقق رؤية مصر القوية الشريفة وأن تقود مصر المشهد.
التمسك بحل الدولتين، وهو رؤية مصر الراسخة. وطبقا لقرارات الأمم المتحدة وإعلان نيويورك وهذا البند مكسبٌ حقيقى عظيم من ممثلى دول أهم القارات.
مساندة السلطة الفلسطينية وتأهيلها للقيام بالحكم. أى أن مصر تحصل للشعب الفلسطينى على حقه فى إقامة دولته.
العمل على دخول المساعدات وتأهيل القطاع الطبى. وتشكيل لجنة فلسطينية مؤقتة لإدارة القطاع وهو ما قررته مصر منذ أكثر من عام.
معنى هذا أن القيادة المصرية حصلت على كومة من المكاسب السياسية لصالح قضية فلسطين من كيان سياسى من أقوى الكيانات الفاعلة دوليا. كعادة مصر تحمل على عاتقها بمفردها عبء الدفاع عن قضية فلسطين. لم تذهب مصر للحديث عن نفسها فقط كما يفعل الجميع!
(٥)
فيما يخص علاقاتها مع الاتحاد الأوروبى، فقد جاءت معظم البنود تجسيدا لمصالح مصر القومية الكبرى سياسيا واقتصاديا.
فعلى الصعيد الاقتصادى وقعت مصر اتفاقات شراكة اقتصادية مع كيانات دولية عملاقة واكتشف المصريون – عبر بيانات أوروبية رسمية – أن بلادهم من الدول المصدرة بقوة لدول أوروبا. بعضنا يعرف قطعا منذ سنوات ما تصدره مصر من منتجات زراعية تحظى بسمعة طيبة من خضروات وفاكهة، ونسمع من الأوروبيين كثيرا عن حبهم لتلك المنتجات وتفضيلها على منتجات دول أخرى. لكن بعض المصريين صدقوا دعايات أعداءهم وباتوا يرددون نفس الدعايات السلبية فاقدة الثقة بالذات.
حصلت مصر على مواقف سياسية أوروبية رسمية تتضامن مع مصر فى قضايا مصرية خالصة مثل الملف المائى أو نهر النيل، ومثل الحفاظ على وحدة السودان بما يمثله ذلك من أهمية لامتداد الأمن القومى المصرى. لقد أقر البيان بمساندة دول الإتحاد لأمن مصر المائى والتمسك بالاتفاقيات السابقة (بند الإخطار المسبق، وعدم الإضرار). كما أقر بالدفاع عن حماية الأمن البحرى وحرية الملاحة فى البحر الأحمر.
الاعتراف بأهمية دعم الاستقرار فى مصر. والبدء فى مشاورات لصياغة آليات مشتركة لدعم الأمن والاستقرار ومواجهة الجريمة المنظمة.
التعاون فى مجالات الطاقة والتحول الأخضر، والأهم انضمام مصر لبرنامج أفق أوروبا بما يتيح لعلماء مصر وباحثيها المشاركة فى فعاليات البحث العلمى الأوروبى.
(٦)
لقد دشنت هذه القمة لمرحلة جديدة من الشراكة بين مصر وبين دول أوروبا على كافة الأصعدة. وقبل أن تبدأ موجة التشكيك المنتظرة يجب القول أن مصر لا توقع بنودا سرية وأن ما يتخوف منه البعض فى ملف الهجرة واللاجئين، فقد جاءت العبارات واضحة. الإشادة بدور مصر فى منع الهجرة غير الشرعية والإعتراف بدورها فى السنوات الماضية بإيواء ملايين اللاجئين والحديث صراحة عن رعاية العودة الطوعية لهؤلاء إلى بلادهم.
لم تحصل مصر على ما حصلت عليه مقابل تقديم تنازلات فى هذا الملف، إنما حصلت عليه بما استطاعت إنجازه فى السنوات السابقة من مفردات قوة تمثلت فى خلق بنية أساسية واعدة قادرة على توفير مناخ مناسب للاستثمار والنجاح السياسى فى فرض رؤيتها فى الصراعات المحيطة، وتعظيم قدراتها العسكرية وقدرات مؤسساتها الصلبة والسيادية، وأخيرا بنجاحها فى وضع نهاية لظاهرة الهجرة غير الشرعية التى كانت تهدد مصر ذاتها بجانب دول أوروبا، فمصر لا تعمل بالوكالة لصالح دول أخرى. مصر تحمى أمنها وتستثمر جهدها فى ذلك لأن هناك من يستفيد بهذا الجهد ضمنيا. مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية هى مواجهة تصب فى صالح مصر أولا. الفقرات التى سوف يتم محاولة المتاجرة بها ضد مصر هى ما ورد نصا (ملتزمين بتطوير مسارات هجرة شرعية ومنظمة وتعزيز إدارة حماية الحدود) هذه العبارات تعنى ببساطة تطبيق القوانين المحلية القائمة بالفعل فى مصر ودول الإتحاد الأوروبى. فمصر مثل باقى الدول لها قوانينها الصارمة الخاصة بالهجرة. وتطبيق هذه القوانين يعنى تقليص أعداد المهاجرين للحد الأدنى وليس العكس.
وما ورد من الإشادة بدور مصر فى إيواء اللاجئين ينطبق على ما حدث بالفعل فى السنوات السابقة دون تحميل مصر أية التزامات مستقبلية ودون التأثير على قرارات الدولة المصرية التى اتخذتها فى الأشهر الأخيرة. لأن كثيرا من دول اوروبا قد بادرت بالفعل إلى إرجاع هؤلاء لبلادهم، ومصر فى ذلك شأنها شأن تلك الدول.
(٧)
(عاش اللى قال للرجال عدوا القنال..) أغنية كبرنا على وقعها وحفظناها عن ظهر قلب..تتغنى بالقائد صاحب قرار العبور.. لقد استجابت الأقدار للكلمات المخلصة فعاش الشهيد فى قلوب المصريين للأبد، كما اصطفاه الله ليحيا حياة الخلود الأبدى مع الصديقين والأنبياء وكواكب الشهداء.
ونحن نقول اليوم..عاش اللى قال وعمل..
عاش من وعد فأوفى بالعهد والوعد. وعد بأنه سيعمل لكى تتبوأ هذه البلاد ما يليق بها من مكانة. وعد أن يحمى ثغورها فحماها ببنما كانت تتساقط ثغور باقى الأوطان.
وعد بأن مصر (هتبقى أد الدنيا) وأوفى، وجاءت الدنيا تطرق أبواب مصر تطلب ودها وسلامها وشراكتها.
راهن المخلصون على صدقه فكسبوا الرهان، وخسره كل من سخر منه وراهن على سقوطه وسقوط مصر.
هذا الرجل هو من سلالة قادة مصر التاريخيين العظام. آمن بالأمة المصرية واستوعب كل دروس التاريخ واستوعب تاريخ الأمة المصرية.
راهن على جينات المصريين التاريخية فربح وربحوا وبقيت مصر مصانة الحدود والأرض وعادت شمسها للسطوع مجددا.
هذه التكتلات الدولية الكبرى لا تجامل أحدا، ولا تحترم إلا الأقوياء، ولقد أعاد عبد الفتاح السيسى لهذا الوطن بريقه بعد أن كان على شفا السقوط. سوف يعيش هذا القائد للأبد فى ذاكرة الأجيال بأنه الذى جاء لحكم مصر وهى تواجه أخطارا وجودية فاستطاع مع رجال مصر جذب مصر بعيدا عن التيه الذى سقط فيه الآخرون. ولو أنه لم يفعل سوى ذلك لكفاه شرفا وفخرا. لكنه كان يحمل بين أضلعه من الطموح لمصر ما تستحقه، وأبى إلا أن يعيد شمسها - التى كانت تخنقها السحب القاتمة - للصفاء والسطوع. فشكرا لمن قال وفعل!















0 تعليق