رضيع المول.. طفل وُلد في الخوف ونجا بالصدفة

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم يكن صباح يوم السبت الماضي، مختلفًا عن غيره داخل أحد المولات الشهيرة بمدينة السادس من أكتوبر.

 

أصوات الخطى تتردد في أرجاء المكان، ضحكات الأطفال تختلط برائحة القهوة القادمة من الكافيهات، والكل يسير في عالمه الصغير لا يدري أن خلف باب دورة المياه، مأساة تُكتب بحروف من وجع.

في تمام الساعة الحادية عشرة صباحًا، دخلت عاملة النظافة كعادتها لتفقد المكان، لم تكن تتوقع أن تشهد ما سيُبدد هدوء يومها إلى الأبد.

فبين أصداء الماء وأضواء المرايا، لمحت بطانية صغيرة في زاوية مظلمة من الحمام، اقتربت بخطوات مرتجفة، وقلبها يدق بعنف، لتكتشف داخلها رضيعًا لم يتجاوز عمره ثلاثة أيام، ملفوفًا في قماش باهت اللون، ما زال مربوطًا بالحبل السري، وكأن الحياة لم تمنحه بعد فرصة الانفصال عن أمه.

صرخت العاملة مستغيثة، لتتجمع حولها العيون المذهولة، البعض أمسك بهاتفه، وآخرون ركضوا لإبلاغ الأمن، بينما ظل الطفل يبكي بصوتٍ خافت كأنه يستجدي العالم أن يسمعه.

في دقائق معدودة، تحوّل المول التجاري إلى ساحة صمتٍ ودهشة، فمشهد الرضيع، الصغير والعاجز، كان كافيًا ليُسكت الضجيج ويُوقظ الرحمة في القلوب.

البحث عن الأم

ما هي إلا لحظات حتى وصلت قوة من قسم شرطة أول أكتوبر، بقيادة المقدم محمد راغب، ورئيس القطاع العميد أحمد نجم.
تم تطويق المكان بعناية، ونُقل الطفل إلى المستشفى لتوقيع الكشف الطبي عليه.

الطبيب قال في تقريره الأولي إن الرضيع بخير، لكنه يعاني من آثار بردٍ شديد وإجهاد، مؤكّدًا أنه لم يتلقَّ أي رعاية منذ ولادته تقريبًا.

بدأت خيوط القصة تتضح مع توجيه العقيد إسلام المهدواي، مفتش مباحث أكتوبر، بسرعة تشكيل فريق بحث لفحص كاميرات المراقبة داخل المول وخارجه، كان الهدف واضحًا وهو الوصول إلى تلك الأم التي تركت قطعة من روحها خلفها، وهربت.

عدة كاميرات تم تفريغها، ومئات اللقطات أُعيدت مشاهدتها، حتى التقطت إحدى الكاميرات صورة لامرأة في الثلاثينيات من عمرها، تدخل دورة المياه حاملة شيئًا بين ذراعيها، ثم تخرج بعدها بخمس دقائق، خالية اليدين، وبملامح شاحبة غارقة في الخوف.

لم يمر وقت طويل حتى تمكنت الأجهزة الأمنية من تحديد هوية الأم، وهي ربة منزل تبلغ من العمر 33 عامًا، تقيم في إحدى مناطق أكتوبر، تم القبض عليها، وبمجرد مواجهتها بالأدلة انهارت باكية، واعترفت بأنها صاحبة الرضيع.

قالت بصوتٍ مبحوح: “كنت خايفة.. كل شيء حدث بسرعة، هو طفل من علاقة غلطة، ما كنتش عارفة أعمل إيه، خفت من الناس، ومن أهلي، ومن الفضيحة... فسيبتُه هناك”.

حاولت الأم تبرير فعلتها بأنها لم تكن تريد قتله، بل كانت تتمنى أن يجده أحد “قلبه رحيم” فينقذه من مصيره.

كلماتها المتقطعة رسمت لوحة من الندم والخوف والضياع، كانت عيناها تائهتين بين الخجل والانكسار، وكأنها هي أيضًا تبحث عن حضنٍ يحتويها كما احتاج رضيعها لحضنها.

في المستشفى، كان الطفل ملفوفًا ببطانية جديدة، يتلقى رعاية الأطباء والممرضات الذين أطلقوا عليه اسمًا مؤقتًا "آدم".


التحقيقات كشفت أن الأم كانت تمر بظروف نفسية صعبة، بعد أن خُدعَت من شخصٍ تعرفت عليه في الشارع، أوهمها بالحب ثم تركها حاملاً تواجه مصيرها وحدها.

لم تستطع مواجهة أسرتها ولا الجيران، ولم تجد من يدعمها، كانت تحمل الطفل في بطنها تسعة أشهر من الخوف، حتى وضعتْه بمفردها، ثم خرجت في اليوم الثالث تبحث عن مخرج من “الفضيحة”، فلم تجد سوى دورة مياه عامة تودع فيها سرّها الأكبر.

تم تحرير محضر بالواقعة، وأحيلت المتهمة إلى النيابة العامة، التي أمرت بفحص حالتها النفسية والاجتماعية، وقررت إيداع الطفل في دار رعاية مؤقتة بعد التأكد من سلامته.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق