قال عدد من سكان غزة إنهم لم يتخيلوا حجم الدمار الذى شاهدوه حينما عادوا إلى منازلهم عقب اتفاق وقف إطلاق النار، فى شرم الشيخ، بوساطة مصرية أمريكية قطرية تركية، مشيرين إلى أن الجثث المتحللة تملأ الشوارع، والركام أكبر من أن تزيله أيدى الرجال، لذا نصب البعض خيامهم دون إزالته.
وأضاف المواطنون الفلسطينيون، لـ«الدستور»، أنهم وجدوا أماكن كان المقاومون يتحصنون داخلها قبل أن يقتلهم الاحتلال الإسرائيلى، ووجدوا المصاحف بجانب الجماجم، وطالبوا صناع القرار بسرعة إدخال معدات لإزالة الركام وتطهير الشوارع.
حسين قنديل: نتعثر فى أشلاء نهشتها الكلاب.. ونخاف على أطفالنا من القذائف غير المنفجرة
كشف حسين قنديل، مواطن فلسطينى من قطاع غزة، عن أنه كغيره عاد مع أسرته ليبحث عن بيته فى المناطق التى كانت ضمن خطوط الانسحاب للمرحلة الأولى، فى إطار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ولم يتخيلوا ما رأوه، وقال: «شاهدنا جثثًا متحللة لأناس لم يجر التعرف عليهم، وأعضاء من أجساد نهشتها الكلاب.. شعرنا بالصدمة والاشمئزاز والرعب». وأضاف: «كما رأينا مخلفات جيش الاحتلال من مأكولات ومشروبات ومتفجرات»، لافتًا إلى أن العائلات تمنع أطفالها من اللعب فى الشوارع، موضحًا: «لا نريد لطفل أن تنتهى حياته بسبب قذيفة غير منفجرة.. نحن محبطون». وواصل: «فى طريقنا كنا نتعثر فى الأشلاء، ولا أحد فينا يجرؤ على لمسها أو دفنها من هول المشهد.. كنا نغمّى أعين الصغار حتى لا يروا ما نراه»، مشيرًا إلى أن الأطفال يرفضون المكوث فى حر الخيام ويطلبون الخروج، وهذا غير ممكن حاليًا.
وشدد على ضرورة إيجاد حل للقذائف غير المنفجرة، مؤكدًا أن «جيش الاحتلال يقتل من يحاول الاقتراب من مناطق ليست ضمن خطة الانسحاب، ولا أحد يستطيع انتشاله.. باختصار هذه هى حياتنا الآن».
حنين عيد:لم نميز بيوتنا من شدة الهدم وأم تعرفت على ابنها من الجمجمة
أكدت حنين عيد، من قطاع غزة، أن العودة لا تشمل كل المناطق، فجيش الاحتلال لم ينسحب بالكامل من محافظة الشمال، وكذلك الحال فى محافظة خان يونس، وأن الكثير من الأهالى ما زالوا ممنوعين من العودة إلى منازلهم.
وقالت: «بعض العائدين وجدوا منازلهم مدمرة بالكامل، وآخرون عثروا على بيوتهم شبه منهارة وغير صالحة للسكن، بينما لم يتمكن كُثر من تمييز بيوتهم وسط الدمار.. هناك من وقف عاجزًا لا يعرف أين كان بيته، فكل شىء اختفى». وأضافت أن الاحتلال ترك وراءه خرابًا يفوق الوصف، وأن الأهالى الذين عادوا اكتشفوا جثامين شهداء ما زالت تحت الأنقاض أو على الطرقات، وحاولت فرق من الشرطة والدفاع المدنى، إلى جانب المواطنين، انتشالها بصعوبة كبيرة، نتيجة نقص المعدات وضعف الإمكانات بسبب الحصار الطويل على غزة.
وذكرت أن عملية انتشال الجثامين لم تنتهِ بعد، وأن الآليات غير كافية للتعامل مع الركام، وبعض المواقع لا تزال تضم أجسامًا مشوهة ومخلّفات حربية تركها جيش الاحتلال، تشكل خطرًا على حياة السكان. وتابعت: «مشاهد التعرف على الشهداء كانت مؤلمة للغاية؛ فهناك عائلات كثيرة تعرفت على أبنائها من خلال بقايا الملابس أو ساعة اليد أو الحزام»، لافتة إلى أن هناك أمًا من حى الشجاعية تعرفت على ابنها من خلال جمجمته فقط، فى مشهد يفطر القلوب ولا يمكن للعقل أن يستوعبه. ونوهت بأن الإصرار على الحياة أقوى من الألم، والفلسطينيون ينصبون الخيام فوق الركام، ولن يتركوا أرضهم، قائلة: «غزة، رغم جراحها، تنبض بالحياة، وسكانها يبدأون من الصفر فوق ذكرياتهم، لأن بيوتهم بالنسبة لهم ليست حجارة، بل حياة وأمل وتاريخ لا يُمحى».
محمد يوسف أبوطه: وجدت أجساد 20 مقاتلًا كانوا يتحصنون فى بيتى
قال محمد يوسف أبوطه، من قطاع غزة، إنه وجد بقايا جثامين بشرية تحت أنقاض منزله، موضحًا: «وجدت أجساد نحو عشرين فدائيًا من المقاومة، كانوا يتحصنون فى البيوت للتصدى لجيش الاحتلال».
وأضاف: «ذهبنا إلى مواضع بيوتنا لنبحث عن أى ملابس أو أغطية تحمينا من البرد، فلم نجد سوى الركام، وتحته رأينا الجماجم، وكان الشهداء يحملون معهم المصاحف»، مطالبًا صناع القرار بالإسراع فى إدخال قوات أمنية إلى قطاع غزة لمنع حركة «حماس» وغيرها من المجموعات من القتل العبثى.
وواصل: «كفاكم إهمالًا لأرواح الغزيين، وكفى سفكًا للدماء.. على جميع مكونات الشعب الفلسطينى التعاون لحماية أبناء غزة من إرهاب حماس»، منتقدًا إعدام الناس وتصويرهم دون محاكمة عادلة، ودون اعترافات موثقة، ووفق قانون واضح وشفاف.
ولفت إلى أن جميع الفلسطينيين رأوا مقاطع الفيديو التى انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ويظهر بها مجموعة من الملثمين وهم يطلقون النار على رجال معصوبى الأعين، مشددًا على أن هذه المقاطع أثارت غضبًا واسعًا داخل قطاع غزة. وتابع: «ما تفعله حماس يعتبر أداء ميليشيات وعصابات، وهذا لن يجعلهم شرفاء ولا مقاومين بل تجار دم».
ميرفت الدغمة: لم نتعرف على الأماكن التى عشنا بها طوال حياتنا من شدة التدمير
قالت ميرفت الدغمة، مواطنة فلسطينية وناشطة مجتمعية فى قطاع غزة، إنها رغم كل الصعاب والألم نجحت فى العودة إلى مسقط رأسها وسط القطاع.
وأضافت: «عشنا أصعب أيام فى حياتنا، فلم نرَ مثل هذه الوحشية والهمجية من قبل، فضلًا عن القصف المستمر والجوع.. دمرت بيوتنا ولم يعد لنا مأوى نلجأ إليه. فقد فقدنا الحبيب والصديق والعزيز»، مشيرة إلى أنه «بمجرد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار سارع أهل غزة فى التحرك عائدين إلى منازلهم. وفى طريقنا رأينا الدمار الذى خلّفه الاحتلال الغاشم، الذى لم يرحم البشر ولا الحجر». وأوضحت: «لم نتعرف على الأماكن ولا على البيوت التى عشنا بها طوال حياتنا. أصبحنا لا نعرف الطرقات؛ فمعالمها ضاعت، والبيوت جميعها تحولت إلى أكوام من حجارة، والمدارس لم تعد لها معالم. كل البنية التحتية مدمرة». وتابعت: «لم نستطع استخراج أى شىء ذى نفع من وسط الركام.. ذكرياتنا طُمست وأحلامنا ضاعت. لم نتصور أن تكون هذه بلدتنا الشرقية الجميلة». وذكرت أن من أصعب المشاهد فى طريق العودة، وعند الوصول، رؤية جثامين الشهداء، ولم يجر التعرف على أحد منهم، نتيجة تحللها وتحولها لهياكل عظمية، قائلة: «كنا من أولى الأسر التى وصلت، لذا أحضرنا قطع قماش وحاولنا أن نستر الأجساد قدر المستطاع». وأضافت: «حينما وصلنا رأينا جثة شهيد من أقاربنا، عرفناه من هويته وملابسه، ووجدنا شهداء تحت الركام لكن لم نستطع استخراج أجسادهم. قلوبنا لم تعد تتحمل ما نرى، وعندما وصلت فئة من الشباب انتشلوا هذه الجثث ونقلوها إلى مستشفى ناصر الطبى». واستكملت: «هناك جار لنا لا يزال يبحث عن أبنائه تحت الأنقاض، ورغم وصول الدفاع المدنى لانتشال الجثث لكن معداته لم تستطع أن ترفع الركام. وننتظر الآن دخول المعدات لانتشال الجثث من تحت المنازل». وذكرت: «مجموعة من الدفاع المدنى وصلت لانتشال الجثث، وبدأت البلدية بتنظيف الشوارع لنصب الخيام مرة أخرى لتكون مأوانا من الحر والبرد، وبعض الناس وضعوا خيامهم فوق الركام». واختتمت: «نحتسب عند الله ما حدث لنا، وندعوه أن يجزينا جزاء الصابرين ويعوضنا خيرًا، وأن نستطيع بدء حياة جديدة، وأن يعيننا فى هذه الأيام الصعبة، وأن نعيش حياة كريمة كباقى الأمم، وننعم بالأمن والأمان ويسود الهدوء والاستقرار».
0 تعليق