تواصل مصر جهودها الدبلوماسية المكثّفة للحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، رغم التحديات المتزايدة الناجمة عن تصاعد التوترات والاتهامات الإسرائيلية لحركة حماس بالتباطؤ في تسليم رفات المحتجزين، الأمر الذي يزيد من تعقيد مساعي الوساطة الجارية.
وفي الوقت الذي تبذل فيه القاهرة مساعي حثيثة للحفاظ على الزخم الدبلوماسي وإعادة تحريك مسار السلام الشامل، تتصاعد في المقابل التصريحات الإسرائيلية المثيرة للجدل، التي تميل نحو التصعيد وتكريس مناخ المواجهة بدلًا من ترسيخ التهدئة.
في تطوّر لافت، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس عن عقد اجتماع مصغّر لمناقشة مقترح رسمي لاعتماد اسم جديد للحرب الدائرة في غزة تحت مسمّى “حرب النهضة”، وفق ما نقلته قناة كان الإسرائيلية.
هذا التحوّل في التسمية لا يُعدّ مجرد تفصيل رمزي، بل يعكس محاولة لإعادة صياغة الرواية السياسية والعسكرية للحرب. فبعد أن كانت تُعرف بـ “حرب السيوف الحديدية”، يأتي مصطلح النهضة ليُضفي بعدًا أيديولوجيًا واضحًا، في محاولة لتصوير الحرب كمرحلة تأسيس جديدة في “نهضة الدولة الإسرائيلية”،
ويعكس هذا التوجّه نزعة متزايدة داخل الحكومة الإسرائيلية نحو شرعنة استمرار العمليات العسكرية وتوسيع نطاقها، رغم الانتقادات الواسعة داخليًا ودوليًا لطول أمد الحرب وتداعياتها الإنسانية والسياسية.
اللافت أن نتنياهو كان قد اقترح سابقًا، في الذكرى السنوية الأولى للحرب في 7 أكتوبر 2024، إطلاق اسم “حرب القيامة”، واصفًا إيّاها بأنها “حرب الوجود والبقاء لإسرائيل” ما يؤكد تصاعد الطابع التوراتي والأيديولوجي في خطابه الرسمي، وتوظيفه لتبرير استمرار المواجهة على أكثر من جبهة.
وفي سياق متصل، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن معبر رفح البري بين مصر وغزة سيظل مغلقًا حتى إشعار آخر، مشيرًا إلى أن فتحه سيكون مشروطًا بإعادة حركة حماس لجثامين الرهائن وتطبيقها الكامل لبنود الاتفاق الإنساني.
ويُظهر هذا القرار توظيفًا متعمّدًا للملف الإنساني كورقة ضغط سياسية، ما يعقّد الجهود المصرية الرامية إلى تخفيف الأزمة الإنسانية في القطاع.
من جانبها، طالبت حركة حماس الوسطاء بالضغط لتنفيذ الخطوات التالية في اتفاق التهدئة، بما في ذلك إعادة فتح المعابر والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، إلى جانب بدء عملية إعادة الإعمار وتشكيل لجنة لإدارة المرحلة المقبلة واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من القطاع.
كما حمّلت الحركةُ الحكومةَ الإسرائيلية، وعلى رأسها نتنياهو، المسؤولية الكاملة عن تأخير تسليم الجثامين الإسرائيلية المتبقية في غزة، مؤكدة أن الاحتلال يعرقل إدخال المعدات والأدوات اللازمة لانتشال الجثث من تحت الأنقاض أو من داخل الأنفاق التي دمّرها القصف.
وشدّدت على التزامها الكامل ببنود اتفاق إنهاء الحرب، مع استعدادها لتسليم الجثامين فور توافر الإمكانات الميدانية، متهمةً نتنياهو بـ “المماطلة السياسية” و“استغلال الملف الإنساني لتحقيق مكاسب داخلية”.
أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت 47 خرقًا منذ قرار وقف إطلاق النار.
وأوضح البيان أن هذه الخروقات تنوّعت بين إطلاق نار وقصف واعتقال مدنيين، مشيرًا إلى أن الاعتداءات نُفّذت باستخدام الآليات العسكرية والدبابات والطائرات المسيّرة، وشملت جميع محافظات القطاع دون استثناء.
تمثل الزيارة المرتقبة للمبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى المنطقة فرصة لزيادة الضغط على إسرائيل من أجل استكمال بنود خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة الاستقرار إلى غزة، التي تعاني أزمة إنسانية وصحية متفاقمة تتطلب تحركًا دوليًا عاجلًا لإنقاذ السكان من آثار الحرب الممتدة.
تكشف التطورات الأخيرة أن مصر تقف عند مفترق طرق حرج بين سعيها لتثبيت السلام الشامل، وتعنت الحكومة الإسرائيلية التي تواصل إعادة إنتاج خطاب الحرب بوصفه انتصارًا وضرورة وجودية.
فالتغييرات في المصطلحات والتسميات ليست مجرد تفاصيل شكلية، بل تعبّر عن تحوّل في العقل السياسي الإسرائيلي نحو ترسيخ سردية “النهضة عبر الحرب”، بينما تواصل القاهرة العمل بهدوء ودبلوماسية للحفاظ على نافذة الأمل الأخيرة لسلامٍ مستدام في المنطقة.
0 تعليق