في قلب حيّ الدقي بالقاهرة، وعلى مقربة من نيل الجيزة، يقف متحف محمد ناجي شاهدًا على رحلة فنان من روّاد التشكيل المصري الحديث، ومختزنًا بين جدرانه عبق التاريخ وجمال الريشة والألوان، ليس مجرد متحفٍ للفن التشكيلي، بل هو رحلة في الوجدان المصري بين أصالة التراث وروح الحداثة، ونافذة على مرحلةٍ فارقة من تاريخ الفن العربي.
في السطور التالية، نصحبكم في جولةٍ بالصور داخل متحف محمد ناجي التابع لقطاع الفنون التشكيلية.

منزل تحوّل إلى أيقونة ثقافية
المتحف الذي كان يومًا منزل الفنان محمد ناجي (1888–1956)، تحوّل بعد وفاته إلى مؤسسة ثقافية فريدة تحت إشراف قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة. المبنى نفسه قطعة من الفن، بتصميمه الكلاسيكي ذي الطابع الأوروبي الممزوج بملامح شرقية، تعكس ذوق الفنان الذي عاش بين مصر وفرنسا، وتأثر بمدارس الفن العالمية دون أن يفقد خصوصيته المصرية.
تستقبلك واجهة المتحف المزدانة بالأقواس والنوافذ العالية، فيما تصحبك الحديقة الصغيرة أمامه إلى أجواء من الهدوء والجمال، قبل أن تعبر إلى الداخل حيث يبدأ السحر الحقيقي.

قاعة الذاكرة والريشة
عند المدخل، تصادف قاعة توثّق مراحل حياة محمد ناجي، عبر صور نادرة، ومقتنيات شخصية، ورسائل بخط يده، إلى جانب لوحات تؤرخ لرحلاته الفنية في أوروبا وإفريقيا. يعكس المعرض الدائم قدرة ناجي على الجمع بين الواقعية والانطباعية في تناول موضوعاته، التي تنوّعت بين الحياة الريفية والمناظر الطبيعية، وصور الشخصيات المصرية في لحظات تأمل وهدوء.
بين لوحات التاريخ والحياة اليومية
في إحدى القاعات المضيئة، تتصدّر لوحة "النهضة المصرية" المشهد، وهي من أبرز أعماله التي عبّرت عن تحولات المجتمع بعد ثورة 1919. تجاورها لوحات أخرى مثل "الفلاحة المصرية" و"نساء من النوبة"، التي حملت ملامح البيئة والروح المصرية الأصيلة.

كما يضم المتحف أعمالًا مستوحاة من الأساطير الفرعونية، تعكس شغف الفنان بالتاريخ المصري القديم ومحاولته المزج بين الرموز التراثية واللغة التشكيلية الحديثة.
ركن الموسيقى والذكريات
في جولة الصور التي توثقها عدسات الزائرين، يلفت الانتباه الركن المخصص لآلة الكمان التي كان يعزف عليها ناجي، إذ لم يكن مجرد رسام، بل كان عاشقًا للموسيقى، يرى أن اللون والنغمة وجهان لجمال واحد. إلى جانبها، تعرض بعض أدواته الأصلية من فرش وألوان ولوحات لم تكتمل، وكأنها توقفت عند لحظة إلهام سرمدية.
الأنشطة والفعاليات

لا يقتصر دور متحف محمد ناجي على عرض الأعمال فقط، بل أصبح مركزًا ثقافيًا حيًا، يستضيف ورش رسم للأطفال والنشء، وندوات فكرية عن الفن المصري الحديث، إلى جانب معارض مؤقتة لفنانين شباب يستلهمون تجربة ناجي في تجديد الخطاب البصري.
ترميم وتطوير

شهد المتحف خلال السنوات الأخيرة مشروعات ترميم وتطوير شاملة، أعادت إليه بريقه، وشملت تحديث الإضاءة ونظم العرض الرقمي، بما يسمح بتجربة بصرية أكثر تفاعلًا مع الزائرين. كما تم إنشاء أرشيف إلكتروني يوثق مسيرة الفنان وأعماله، في خطوة تهدف إلى حفظ التراث الفني المصري من الاندثار.

رسالة فنية خالدة
يخرج الزائر من المتحف محمّلًا بإحساس عميق بأن الفن ليس مجرد لوحة على جدار، بل تاريخ وموقف ورؤية للحياة. فمحمد ناجي لم يكن فنانًا يرسم من أجل الجمال فحسب، بل كان رسولًا للهوية المصرية، وواحدًا من الذين صنعوا جسور التواصل بين الشرق والغرب بالفن والإبداع.
0 تعليق