حققت قمة السلام فى شرم شيخ انتصارًا دبلوماسيًا، عندما سافر زعماء العالم إلى مصر لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، وكما يبدو أن الطرفين، إسرائيل وحماس، قد وصلا إلى نقطة اللا عودة، مع تزايد الضغوط الدولية المطالبة بوقف الحرب.
وبعد الاحتفال، بدأ الحديث عن المرحلة التالية، التى تتضمن إعادة إعمار غزة ومناقشة مستقبل الفلسطينيين، وهو النقاش المحفوف بالمخاطر من كلا الجانبين، لأنه من أجل الحفاظ على الاتفاق الحالى فسيكون من الضرورى الضغط على كل من إسرائيل وحماس لتثبيت وقف إطلاق النار، وسيكون على الطرفين القيام بعدة تحركات للتكيف مع الوضع الجديد أو الوصول للسيناريو الأسوأ، وهو انهيار الاتفاق، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
الحركة تسعى للاستفادة من انسحاب الاحتلال دون إحلال «قوة بديلة» لإعادة ترتيب الصفوف مرة أخرى
بالنسبة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب فإن الحرب فى غزة انتهت، فهو من أراد إيقافها وضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وحركة حماس.
وبالنسبة له، فإن حرب غزة ليست قضية رهائن فى مقابل أسرى، والمسألة بالنسبة له ليست إذا لم يتم نزع سلاح «حماس» فإن إسرائيل ستعود وتكمل الحرب، بل بالنسبة لترامب فإن الحرب انتهت، وقد أعطى الوسطاء الثلاثة، مصر وقطر وتركيا، كلمته، وهذه هى الضمانة التى طلبتها «حماس»، وحصلت عليها أيضًا.
الاتفاق الحالى يغفل الكثير من التفاصيل، ولم يُوافق أىٌّ من الطرفين على التفاصيل الدقيقة لكل بند، وكان هذا الغموض عاملًا أساسيًا فى إقناع الطرفين بالتوقيع، ولكنه يعنى أيضًا أن بعض أصعب الأعمال الدبلوماسية قد بدأ للتو.
ومن بين نقاط الخلاف المحتملة فى خطة ترامب للسلام، الوصول لاتفاق يقضى بنزع سلاح حماس وعدم مشاركتها فى إدارة غزة المستقبلية، كما يطلب الإسرائيليون، ورغم موافقة حماس على خطة ترامب بشكل عام، إلا أن ردها الرسمى لم يتطرق إلى هذه الشروط تحديدًا، وقد أشار قادة الحركة إلى أنهم يرون دورًا لهم فى إدارة غزة بعد الحرب.
وحسب الاتفاق، فإن أى تعثر فى المفاوضات من الآن فصاعدًا سيتم تداوله عبر الوسطاء أو الولايات المتحدة، والجميع معًا سيجلس ويناقش الموضوع.
والمرحلة الثانية من الاتفاق ستُدار على محورين متوازيين: الواقع فى الميدان، والمفاوضات الدبلوماسية.
والوضع فى الميدان هو كالتالى: فقد سُمِح لإسرائيل بالبقاء فى جزء من غزة من أجل تسريع نقْل السلطة ونزْع سلاح «حماس»، لكن فى الأجزاء التى انسحبت منها إسرائيل، فإن «حماس» هى التى تسيطر، وقد بدأت بالفعل مطاردة الميليشيات التى سلّحها ونظّمها الجيش الإسرائيلى و«الشاباك»، والتى كانت تتمتع بحماية جوية من الجيش الإسرائيلى حتى وقف إطلاق النار، لكن من الآن فصاعدًا، فإن «حماس» تسيطر على المساعدات التى تدخل، وستستقبل مئات الأسرى للاحتفالات الكبرى فى أنحاء قطاع غزة.
أمّا الوضع الدبلوماسى؛ ووفقًا لخطة ترامب، فمن المفترَض أن يُقام كيانان يستبدلان حكم «حماس»، الأول هو مجلس برئاسة رئيس الولايات المتحدة، وبإدارة تونى بلير- كما اقترح البعض- وبمشاركة ممثلين من دول عربية، والكيان الثانى: هو «قوة الاستقرار الدولى (ISF)»؛ ومن المفترَض أن تتكوّن القوة من جنود عدد من الدول.
ولكن، وبسبب سرعة تنفيذ الاتفاق، فقد انسحب الجيش الإسرائيلى من مناطق عدة بغزة قبل أن تتشكل القوة التى تحل محله، كما أنه من المتوقع أن يستغرق الأمر أسابيع، بل قد يستغرق أشهرًا، لتنتشر هذه القوة فى غزة.
حتى الآن، رفضت «حماس» الحكم الدولى، ونزْع السلاح؛ لكن الحركة أوضحت أنها مستعدة للقبول بحكومة وحدة عربية- إسلامية، فى الوقت الذى تقف فيه هى جانبًا، فى إطار مصالحة داخلية فلسطينية، كما أنها مستعدة لتسليم جزء من سلاحها، لكن قد يستغرق هذا وقتًا.
وليس مستبعدًا أن تعيد حماس ترتيب صفوفها، وتكون فى وضع تسيطر فيه على جزء من غزة دون تهديد من إسرائيل.
نتنياهو يناور لتجاوز ضغوط ترامب مع عرقلة الاتفاق للإبقاء على ائتلافه الحاكم وإرضاء «المتطرفين»
رغم أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يتمتع بسجل مختلط عندما يتعلق الأمر بممارسة الضغوط السياسية على نتنياهو، كما أنه منحه غطاءً سياسيًا فى غزة لأشهر، وسط مخاوف إنسانية متزايدة لدى حلفائه الأوروبيين والعرب، إلا أن ترامب بدا أكثر صرامة فى الأسابيع الأخيرة.
وعمليًا، أجبر ترامب نتنياهو على الاتصال بأمير قطر للاعتذار، بعد غارة جوية فاشلة استهدفت مفاوضى حماس فى الدوحة فى شهر سبتمبر الماضى، وفى النهاية، أرغم نتنياهو على التوقيع على خطته المكونة من عشرين نقطة.
وبالنسبة لنتنياهو، فإن المسألة برمتها مختلفة، فحتى لو نجح ترامب فى دفعه إلى قبول إطاره لاتفاق سلام أوسع نطاقًا، فى حين أقنع دولًا أخرى فى الشرق الأوسط بإقناع حماس بإعادة جميع الرهائن الإسرائيليين، وهو ما يشكل نفوذها الرئيسى فى الحرب، فإن المرحلة التالية أكثر صعوبة بالنسبة لنتنياهو، خاصة مع استعداد إسرائيل لانتخابات العام المقبل، وهو ما يعنى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى قد يفعل أى شىء ليحاول الحفاظ على ائتلافه اليمينى.
وحول ذلك، قال نمرود جورين، رئيس مركز «ميتفيم» الإسرائيلى المتخصص فى السياسة الخارجية: «نحن ندخل عامًا سياسيًا، حيث يرتبط كل شىء بالحملات الانتخابية، وقد تنقلب حسابات نتنياهو من الاستسلام إلى الضغوط إلى محاولة ضمان بقائه السياسى».
وأضاف: «فى الوقت الحالى، من المرجح أن يتمكن ترامب من ممارسة نفوذه على نتنياهو نظرًا للشعبية الكبيرة التى يتمتع بها الرئيس الأمريكى فى إسرائيل، حيث يمكنه إما دعم مستقبل نتنياهو السياسى أو تخريبه».
وتابع: «لكن الانتخابات المقررة العام المقبل قد تغير الحسابات السياسية لنتنياهو بطرق يصعب التنبؤ بها، من الناحية النظرية، فقد يهدد أنصار السياسيين اليمينيين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش الائتلاف الحاكم الذى يترأسه نتنياهو، إذا شعروا بالغضب الكافى من قرار وقف العمليات العسكرية ضد حماس».
فيما قال سيمحا روثمان، عضو حزب «الصهيونية الدينية» والائتلاف الحاكم بزعامة نتنياهو، لوكالة «رويترز»: «نحن منزعجون من حقيقة أن حماس لا تزال تعلن اليوم أنها ستبقى فى السلطة فى غزة».
من جانبهم، حذر المحللون من أن المماطلة من جانب الحركة الفلسطينية بشأن نزع سلاحها قد تدفع العناصر اليمينية فى الائتلاف الحاكم إلى الضغط على نتنياهو لاستئناف العمليات العسكرية فى غزة، وهو ما قد يؤدى فعليًا إلى إفشال صفقة ترامب.
أما عن البند الوارد فى خطة السلام، والذى يعترف بإمكانية قيام دولة فلسطينية فى المستقبل، فيرى المحللون أن معظم الإسرائيليين يعتبرونه بمثابة قنبلة موقوتة بالنسبة لنتنياهو وحكومته.
ويؤكد المحللون أنه ليس واضحًا ما هى القيود التى فُرضت على إسرائيل، كجزء من الضمانات التى حصلت عليها «حماس» بعد العودة إلى الحرب مرة أخرى، مع ذلك، أكدت مصادر داخل الحركة عدم توقيع أى ضمانات مكتوبة تضمن عدم شن إسرائيل أى هجوم جديد، مع الاكتفاء بتأكيدات شفهية من الولايات المتحدة والدول الوسيطة بأن ترامب لن يسمح باستئناف القتال بعد تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق.
وأشار المحللون إلى أن هناك مسئولين فلسطينيين يرون أن الاتفاق الذى وقّعته حماس «مقامرة خطيرة»، إذ ستحتفظ إسرائيل بوجود عسكرى فى حوالى نصف قطاع غزة، بينما أُجّل طلب ترامب بنزع سلاح حماس إلى مرحلة لاحقة، وفى إسرائيل يشككون فى عملية نزع السلاح برمتها.
والأزمة الآن هى أن كلا الطرفين، «حماس» وإسرائيل، قد لا تكون لهما مصلحة فى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، وهو ما يمكن أن يسمح لـ«حماس» بالحفاظ على مكانتها فى القطاع، وإسرائيل بألا تقيّد نفسها بالموافقة على إدخال قوة عربية أو دولية إلى غزة، أو بالتزامها السماح بإعادة إعمارها، وهو ما يعنى عمليًا أن تعود غزة إلى الوضع الذى كانت عليه قبل الحرب، أى إلى وضع تسيطر فيه «حماس»، وتعمل على تجديد قوتها وسلطتها، وبذلك تخوض إسرائيل جولات قتالية أخرى.
0 تعليق