الباحثة نجلاء حسن: الرقص والموسيقى ذاكرة الشعوب الإفريقية في الحرب والموت

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في  ثقافات الشعوب الإفريقية، لا تنفصل الموسيقى والرقص عن تفاصيل الحياة اليومية، بل يمتدان ليشكلا لغة الجماعة في الحرب والموت.

فحين يشتعل الصراع تقرع الطبول كنداء للمقاومة، وتتحول الأغاني إلى سجل حي يوثق المظالم ويمجد الأبطال، بينما في لحظات الفقد تستدعى الإيقاعات ذاتها لتكريم الأرواح ومواساة الأحياء،  ويمثل الرقص في هذه الطقوس فعلًا روحيًا وجسديًا يربط الإنسان بعالم الغيب.

 الموسيقى والرقص يمثلان لدى تلك الشعوب لغة للحياة والمقاومة والذاكرة

 عن ذاكرة إفريقيا الحية وكيف لعب الرقص والموسيقي مازال دورا في ذاكرتها  تحدثنا الشاعرة والباحثة نجلاء أحمد حسن المتخصصة في دراسة الأنثروبولوجيا الثقافية، والتي قالت إن الفنون في معناها الأعمق ليست مجرد أنشطة جمالية، بل هي تجليات للوعي الجمعي للشعوب، وخصوصًا لدى المجتمعات الإفريقية التي ما زالت تحتفظ بتراثها الروحي والطقسي في الفولكلور الشعبي اللامادي.

 وتشير إلى أن الموسيقى والرقص يمثلان لدى تلك الشعوب لغة للحياة والمقاومة والذاكرة، فهما وسيلتان للتعبير عن الفرح والموت والحرب، وأداتان لترسيخ الهوية الثقافية ومواجهة الظلم والاحتلال.

وترى نجلاء أن الموسيقى الإفريقية ارتبطت عبر التاريخ بكل تفاصيل التجربة الإنسانية في القارة، من طقوس الميلاد إلى طقوس الموت، ومن مواسم الزراعة إلى معارك التحرر. فهي لا تُؤدى فقط من أجل المتعة، بل تحمل رسائل سياسية واجتماعية وروحية، تسعى إلى حفظ الذاكرة الجماعية، وتنشيط الروح، وتقريبها من العالم المادي.

الأغاني كانت وسيلة لتعبئة الحشود وتسجيل المظالم والاحتفاء بالأبطال

وفي سياق الحروب والمقاومة، كانت الأغاني وسيلة لتعبئة الحشود، وتسجيل المظالم، والاحتفاء بالأبطال، إذ تغدو الإيقاعات لغة للتحريض والتوثيق في آنٍ واحد. وفي طقوس الموت، تؤدى الأغاني تكريمًا لأرواح الراحلين أو ضمن طقوس الأضاحي، في مشهد موسيقي فولكلوري يمزج بين الطقس والدين والخيال الجمعي.

أما في المعتقدات القديمة مثل طقوس الفودو، فتشكّل الموسيقى والرقص محورًا للتواصل مع الأرواح، حيث تُستخدم الطبول والإيقاعات المتقطعة لإحداث حالة من الغيبوبة الروحية التي تسبق "استحواذ الروح". وتتنوع الرقصات وفقًا للروح المراد استدعاؤها، مثل رقصة "أغوي" التي تحاكي السباحة، أو رقصة "زانجبيتو" في غرب أفريقيا، حيث يتحول الرجال إلى تماثيل من القش تتحرك بقوى غامضة.

الطبول الإفريقية ليست مجرد آلات إيقاعية بل رموز مقدسة تنقل الرسائل

وتضيف الباحثة، أن الطبول الإفريقية ليست مجرد آلات إيقاعية، بل رموز مقدسة تنقل الرسائل، وتوحد الإيقاع بين الراقصين والمجتمع، بينما تعتمد الأغاني على نظام النداء والاستجابة بين المغني الرئيس والجوقة، في أداء جماعي يُعيد إنتاج الذاكرة ويؤكد حضور الهوية.

بهذا المعنى، يصبح الرقص والموسيقى في إفريقيا فعلًا وجوديًا يوثق الحرب كما يوثق الحياة، ويمنح الشعوب وسيلتها الخاصة لمقاومة النسيان، وكتابة تاريخها بإيقاع الطبول.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق