خلال العقد الأخير، تصاعد الاهتمام بما يُعرف بـ"الصيام المتقطع"، وبدأ يظهر كأحد أبرز الاتجاهات في عالم التغذية والصحة، حتى صار البعض يعتبره "موضة العصر" التي يتبعها المشاهير ومؤثرو وسائل التواصل الاجتماعي. في المقابل، يتعامل آخرون معه كنهج علمي قائم على أسس فسيولوجية تهدف إلى تحسين الصحة العامة والتحكم في الوزن ومقاومة الأمراض المزمنة. لكن يبقى السؤال المهم: هل الصيام المتقطع مجرد صيحة مؤقتة أم أنه أسلوب حياة صحي له جذور علمية وفوائد حقيقية؟ للإجابة عن هذا السؤال، لا بد أولًا من توضيح ما هو الصيام المتقطع، ثم مراجعة ما تقوله الأبحاث والدراسات حول فوائده المحتملة، ومخاطره، والفئات التي يناسبها أو لا يناسبها.
ما هو الصيام المتقطع؟
الصيام المتقطع ليس حمية غذائية تقليدية بقدر ما هو "نمط أكل"، يتم فيه التناوب بين فترات من الأكل وفترات من الصيام. ومن أشهر أنواعه: نظام 16/8: حيث يمتنع الفرد عن تناول الطعام لمدة 16 ساعة يوميًا (تشمل ساعات النوم)، ويسمح له بالأكل خلال نافذة زمنية مدتها 8 ساعات فقط. وكذلك نظام 5:2: يعتمد على تناول الطعام بشكل طبيعي لمدة 5 أيام أسبوعيًا، مع تقليل السعرات إلى نحو 500-600 سعرة حرارية في يومين غير متتاليين. وأيضا من الممكن ان يمتد الصيام ليوم كامل: وهو الامتناع عن تناول الطعام لمدة 24 ساعة مرة أو مرتين في الأسبوع. والفكرة الأساسية في كل هذه الأنظمة هي إعطاء الجسم فترة راحة من الطعام، مما يحفز بعض العمليات الحيوية المفيدة، مثل حرق الدهون وإصلاح الخلايا.
الفوائد العلمية المحتملة
تشير العديد من الدراسات الحديثة إلى أن الصيام المتقطع قد يعود بعدد من الفوائد الصحية، نذكر منها: أولًا، تحسين عملية الأيض وخسارة الوزن فخلال فترات الصيام، ينخفض مستوى الإنسولين في الدم، مما يُسهّل على الجسم استخدام الدهون كمصدر للطاقة. وقد أظهرت دراسات أن هذا النمط يمكن أن يساعد على خفض الوزن بشكل فعال، خاصة دهون البطن التي ترتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب. وثانيًا، تحسين حساسية الجسم للأنسولين وخفض مستويات السكر في الدم، وهو ما قد ينعكس إيجابًا على مرضى السكري من النوع الثاني أو أولئك المعرضين للإصابة به. وثالثًا، تعزيز وظائف الدماغ. فقد أظهرت بعض الأبحاث أن الصيام المتقطع يُحفز إنتاج بروتينات تدعم صحة الخلايا العصبية، ويقلل من عوامل الالتهاب، مما قد يساهم في الوقاية من أمراض مثل الزهايمر. رابعًا، يُعتقد أن الصيام المتقطع قد يساهم في إبطاء عملية الشيخوخة من خلال تقليل الأضرار التأكسدية وتحسين كفاءة عمليات الإصلاح الخلوي، وكذلك رفع مستوى هرمون النمو وقد بينت تجارب على الحيوانات أن له دورًا في إطالة العمر، وإن كان هذا التأثير لا يزال قيد الدراسة بالنسبة للبشر.
لكن، هناك محاذير يجب الانتباه لها
رغم كل هذه الفوائد المحتملة، لا يخلو الصيام المتقطع من بعض التحديات والمخاطر، خاصةً إذا طُبق دون إشراف أو فهم كافٍ لطبيعة الجسم وحالته الصحية. ويعاني بعض الأفراد في بداية التجربة من أعراض مثل التعب، والصداع، وانخفاض التركيز، خاصة في الأيام الأولى من التغيير. كما قد يؤدي هذا النمط الغذائي، عند تطبيقه بطريقة صارمة أو غير مدروسة، إلى اضطرابات في الأكل مثل الشره أو الأكل القهري. إضافة إلى ذلك، الصيام المتقطع لا يناسب الجميع. فهناك فئات يُنصح بتجنب هذا النظام، أبرزها النساء الحوامل والمرضعات والأطفال والمراهقين وكذلك مرضى السكري من النوع الأول أو من يستخدمون الإنسولين وأيضا الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل أو تاريخ سابق معها ومن لديهم مشكلات صحية تستدعي تناول وجبات منتظمة.
الصيام المتقطع: موضة أم أسلوب حياة؟
ما يمكن تأكيده من خلال الأدلة العلمية المتوفرة حتى الآن هو أن الصيام المتقطع ليس مجرد موضة مؤقتة، بل أسلوب غذائي له أساس علمي، ويُظهر نتائج واعدة في مجالات متعددة من الصحة العامة. ومع ذلك، ليس هو الحل السحري للجميع، ولا يغني عن أهمية تناول غذاء متوازن، والنوم الجيد، والنشاط البدني المنتظم.
المفتاح هنا هو الفردية – أي أن ما يناسب شخصًا قد لا يناسب آخر. لذلك، فإن اعتماد الصيام المتقطع كنمط حياة يجب أن يكون قرارًا مبنيًا على وعي، وتجربة شخصية مدروسة، ويفضل أن يتم تحت إشراف متخصص في التغذية، خصوصًا لمن لديهم حالات صحية خاصة. وفي النهاية، يمكن القول إن الصيام المتقطع قد يكون أداة فعالة لتحسين الصحة والوزن، إذا استُخدم بحكمة، لا كصيحة مؤقتة، بل كجزء من نمط حياة متوازن ومستدام.
أخصائي التغذية العلاجية والصحة العامة
0 تعليق