في الماضي، كانت قصص الرعب تحكي عن مصاصي دماء يسكنون قلاعًا مهجورة ويخرجون ليلًا ليمتصوا دماء ضحاياهم، كانت حكايات مخيفة، لكنها على الأقل كانت واضحة، تعرف من هو الوحش، وتعرف ماذا يريد.
اليوم، تطور مصاصو الدماء، لم يعودوا بحاجة إلى أنياب أو قلاع، أصبح لديهم استوديوهات لامعة، وكاميرات عالية الدقة، وميكروفونات تلمع تحت الأضواء، لم يعودوا يمتصون الدماء، بل شيئًا أثمن وأكثر إيلامًا.. إنهم يمتصون أرواح الناس وأحلامهم المحطمة، ويحولونها إلى "تريند" و"مشاهدات".
بالأمس شاهدت «شيء» ينتمي لهذه الفئة الجديدة من الرعب، برنامج تلفزيوني قرر أن يستضيف ممثلة قديمة، من الواضح أنها ليست على ما يرام، ليست «غريبة الأطوار» بالمعنى الفني المحبب واللطيف للكلمة، بل مريضة.. مريضة بالمعنى الطبي الذي يستدعي طبيبًا ورعاية، لا مذيعًا وكاميرا.
جلست السيدة، الفنانة عزة سعيد، وبدأت في سرد عالمها الموازي، عالم كانت فيه بطلة مطلقة منذ ولادتها، عالم كان فيه يوسف شاهين يبحث عنها في كل مكان، تقول عزة منذ ولادتي تعاقدت على 20 فلمًا مع شريف عرفة.
عالم فازت فيه بلقب ملكة جمال مصر في دبي، وملكة جمال لبنان (وستسافر أمريكا لتستلمه!). عالم تُعرض لها فيه ثلاثة أفلام حاليًا، وتملك محل ألماس، وتنتج 16 فيلمًا كل عام.
لم تكن تمزح، وهذا هو الجزء المرعب والمحزن، كانت تتحدث بجدية مطلقة، بعيون تائهة في مجد لم يحدث قط، كانت تحكي لنا قصة حلم النجومية الذي أكلها حية، حلم تضخم وتوحش حتى ابتلع الواقع نفسه، هذا ليس مشهدًا كوميديًا، هذا جريمة مكتملة الأركان لإظهار ضعف الإنسان وروحه المحطمة أمام الجميع.
والوحوش؟ الوحوش كانوا يصورون.. المذيع يبتسم، والمعدون خلف الكواليس يتبادلون النظرات، وربما يضحكون، لقد وجدوا كنزًا، مادة خام للتريقة والانتشار، "فقرة الموسم".
كان يمكن لهذا الكابوس أن ينتهي بضغطة زر، كان يمكن للمذيع، الفنان إدوارد، أن يوقف التصوير، أو على الأقل أن يرفض عرض هذه المأساة.
لكنه لم يفعل، وتم بث الفقرة كما هى، قطعة لحم طازجة أُلقيت لذئاب جائعة على وسائل التواصل الاجتماعي، والجميع نهش فيها، "شوف الهبل"، "دي اتجننت رسمي"، "ههههههه".
لا أعرف ما هو الأكثر خزيًا: أن تتاجر بمرض إنسان، أم أن تجد جمهورًا كاملًا مستعدًا لشراء هذه البضاعة الفاسدة والتصفيق لها؟
في النهاية، هذا ليس مجرد برنامج تلفزيوني سيء، هذا عرض لانهيار الإنسانية على الهواء مباشرة، إنه يخبرنا أننا أصبحنا نعيش في عالم لا يرى في حلم إنسان ضائع سوى فرصة لزيادة عدد المشاهدات، عالم يرى في الألم "محتوى"، وفي المرض "تريند".
حرام عليكم، هذه الكلمة البسيطة التي كانت أمهاتنا تقولها لنا، حرام عليكم، يبدو أنها أصبحت عملة نادرة هذه الأيام.
0 تعليق