الحرب عن بُعد.. هل دخل العالم عصر المواجهات الصاروخية بلا جيوش؟

تشهد المنطقة وضعًا بالغ الحساسية، عقب الإعلان عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، في وقت يغلب عليه التوتر والشك المتبادل، فإن إيران تؤكد أن يدها ما زالت على الزناد، أما تل أبيب فتتوعد بالرد على أي خرق، ما يجعل الهدنة معرضة للانهيار في أي لحظة، وفي هذه الأجواء المشحونة، تتابع دول الخليج الموقف بقلق بالغ، خشية أن تتسع المواجهة أو تتحول إلى حرب بالوكالة تمتد إلى الإقليم كله، ومع تصاعد التحذيرات والرسائل المتبادلة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل هذا توقف حقيقي للمعركة أم بداية مرحلة أكثر خطورة؟.

وفي تغطية موسعة لقناة "القاهرة الإخبارية"، تتكشف الأبعاد الخفية للصراع، عبر تحليلات دقيقة قدمها خبراء بارزون في الشأنين الإقليمي والدولي، وترصد ما وراء التصريحات، وتتابع مواقف دول الخليج، والتحركات الروسية، وخفايا الدور الأمريكي في فرض التهدئة. 

 الحرب القائمة هي أول نزاع في التاريخ الحديث يُدار بالطائرات المسيرة

قال الدكتور محمود الأفندي، الخبير في الشؤون الروسية، إن موسكو لا ترى في وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل خطوة مستقرة أو قابلة للاستمرار، نظرًا لغياب المفاوضات المباشرة بين الطرفين واعتماد الوساطات غير الرسمية حتى الآن، مؤكدًا أن روسيا تعتبر أن هذه الهدنة لن تصمد طويلًا ما لم تتحول إلى مسار سياسي فعلي.

وأشار إلى أن الرئيس الروسي استقبل وزير الخارجية الإيراني في لقاء يعكس عمق الشراكة بين موسكو وطهران، مضيفًا أن روسيا تتابع التطورات بقلق، لكنها لا تثق بجدية هذا التهدئة، موضحًا أن الحرب القائمة هي أول نزاع في التاريخ الحديث يُدار بشكل شبه كامل عن بعد باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة، ما يجعلها مكلفة وطويلة الأمد، وتفتقر إلى الأفق السياسي.

وانتقد "الأفندي" الطريقة التي أُعلن بها وقف إطلاق النار، موضحًا أنها كانت عبر ترتيبات غير متزامنة بين الطرفين، قائلًا: "ما معنى أن تتوقف إيران عن العمليات الساعة الثانية ظهرًا، بينما إسرائيل في توقيت مختلف؟ هذه ليست تهدئة جدية، بل إشارة لفرض إرادات سياسية من طرف واحد، وتحديدًا من الولايات المتحدة، التي أرادت إظهار أن تدخلها هو من أنهى القتال".

واعتبر أن جذور الحرب تتجاوز الملف النووي الإيراني، مشيرًا إلى أنها امتداد لعملية استخباراتية أُعد لها منذ سنوات، وتهدف بالأساس إلى زعزعة النظام الإيراني وليس فقط البرنامج النووي كما يُروّج.

وقف إطلاق النار هش.. والخليج قد ينزلق لحرب رمادية

وأوضح الكاتب الصحفي أحمد الشيزاوي، إن وقف إطلاق النار المعلن بين إيران وإسرائيل لا يمكن الوثوق به في ظل حالة انعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين، محذرًا من أن هذه التهدئة قد تكون مجرد محطة مؤقتة في صراع قابل للاشتعال في أي لحظة، لا سيما مع استمرار التهديدات المتبادلة والتصريحات النارية من الجانبين.

وأضاف الشيزاوي، أن المنطقة كانت بالفعل على شفا حرب شاملة، وهو ما يفسر حالة القلق الواسعة في الخليج، خصوصًا لقربه الجغرافي من المواقع النووية الإيرانية ومناطق التوتر. 

واعتبر أن المرحلة المقبلة مرشحة لأن تشهد "حربًا رمادية"، أي مواجهات غير مباشرة وأقل وضوحًا، لكنها أكثر خطورة، سواء عبر هجمات إلكترونية أو ضربات بالوكالة، أو حتى استنزاف سياسي واقتصادي متبادل.

ورأى الشيزاوي أن هذه الحرب الرمادية ستفرض ضغوطًا متزايدة على دول الخليج، التي ستكون مطالبة بتكثيف دورها في التهدئة وامتصاص الغضب، رغم إدراكها لصعوبة المهمة في ظل استمرار التصعيد، مشيرًا إلى أن إيران لا تثق في الهدنة المعلنة، وصرّحت بأن "أصبعها لا يزال على الزناد"، بينما أعلنت إسرائيل نيتها الرد على أي اختراق.

طهران لم تكن لتقبل وقف إطلاق النار لولا حسابات دقيقة

وأكد إبراهيم شير، الباحث في الشؤون الإيرانية، أن الموقف المصري، خلال الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل كان "مشرفًا وقويًا"، وعبر عن تضامن عميق مع الشعب الإيراني، وهو ما قدّره الإيرانيون من كافة المستويات، من المسؤولين إلى عامة المواطنين، وأن هذا الموقف أعاد التأكيد على دور مصر الإقليمي التاريخي، وموقفها الواضح ضد أي عدوان إسرائيلي في المنطقة.

وأكد الباحث، أن إيران لم تكن لتقبل بوقف إطلاق النار، لو كان برنامجها النووي قد تعرض لتدمير شامل، مشيرًا إلى أن القيادة الإيرانية قامت بعد الضربات الأمريكية والإسرائيلية على منشآت "فوردو" و"نطنز" و"أصفهان"، بعرض الأمر على مجلس الشورى، الذي صوت بالإجماع على إحالة الملف لمجلس الأمن القومي، ودرس خيارات الرد، ومن بينها إغلاق مضيق هرمز، مشيرًا إلى أن طهران لم تغلق المضيق، بل اختارت توجيه ضربة لقاعدة العديد الأمريكية في الدوحة، ما يعني أن الضرر النووي لم يكن حاسمًا.

وشدد شير على أن إيران خرجت من هذه المواجهة بما وصفه "رصيدًا من الردع"، وبقدرة على استئناف التصعيد عند الحاجة، فضلًا عن كشفها لثغرات أمنية داخلية كانت موجودة، مؤكدًا أن تصريحات مثل "محو إسرائيل" يجب أن تُقرأ في سياق الحرب، حيث ترفع كل الأطراف سقف خطابها السياسي والعسكري.

إسرائيل تسعى في نهاية المطاف لإسقاط النظام الإيراني الحالي

ومن جانبه، أشار اللواء أحمد عيسى، خبير الأمن القومي الفلسطيني والإسرائيلي، إلى أن الموجة الأخيرة من الصواريخ والتي تُعد السادسة منذ بداية التصعيد، كانت الأعنف والأوسع، وأسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة، لا سيما في منطقة بئر السبع، وتزامنت مع تحذيرات متكررة من الجبهة الداخلية الإسرائيلية لسكانها بالبقاء في الملاجئ.

ورأى "عيسى" أن إيران تسعى عبر هذا التصعيد لتثبيت معادلة ردع جديدة تؤكد من خلالها أنها ليست "الطرف السهل" في المعادلة الإقليمية، خاصة بعد أن أثبتت قدرتها على ضرب أهداف استراتيجية داخل إسرائيل، واستهداف قاعدة أمريكية في قطر، وإن كان الأخير أقرب لـ"رسالة رمزية".

وعن فرص نجاح وقف إطلاق النار، شدد اللواء عيسى على أن الأمر يتوقف على جدية الولايات المتحدة وصدقيتها، لافتًا إلى أن الأطراف المتحاربة قد أنهكتها المواجهات، لكن إسرائيل ما زالت ترى أن مصالحها الاستراتيجية تقتضي إضعاف إيران، وليس التفاوض معها.

وأكد أن إسرائيل تسعى في نهاية المطاف إلى إسقاط النظام الإيراني الحالي، الذي ترى في وجوده تهديدًا مباشرًا لها، أكثر من برنامج طهران النووي أو الصاروخي، مضيفًا أن أي مسار تفاوضي سيتوقف على موقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تمثل الحليف الوحيد المؤثر في القرار الإسرائيلي.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رغم الضربة الأمريكية.. صدمة لـ واشنطن وتل أبيب بشأن برنامج إيران النووى
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل