عاجل.. التصعيد الكبير.. ما بعد الضربة الأمريكية لمنشآت إيران النووية

أكد عدد من المحللين والخبراء أن الضربة الأمريكية التى طالت ثلاث منشآت إيرانية بالقنابل والصواريخ، فجر أمس، فى أول تدخل أمريكى مباشر ومعلن فى الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران منذ ١٣ يونيو الجارى- تفتح الباب أمام العديد من السيناريوهات المخيفة، وتجعل المستقبل القريب خارج أى توقعات، مشيرين إلى أن الضربة تمثل نقطة تحول درامية فى الأوضاع الإقليمية والدولية، وفى العلاقات بين واشنطن وطهران.

وأوضح الخبراء، خلال حديثهم لـ«الدستور»، أن السيناريوهات المستقبلية، التى تتراوح بين فتح باب التفاوض لإنهاء الحرب والتحول إلى صراع شامل يهدد الاستقرار العالمى، تتوقف على طبيعة الرد الإيرانى ومداه، وإن كان سيقتصر على استكمال الضربات الصاروخية ضد إسرائيل أو يتمدد لاستهداف القواعد والمصالح الأمريكية فى دول المنطقة، معتبرين أن إدارة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، تراهن على قدرتها على فرض «سلام القوة» وإملاء شروطها على طهران بعد حرمانها من قدراتها النووية.

استمرار إيران فى إطلاق الصواريخ على إسرائيل دون توسيع المواجهة لتشمل الولايات المتحدة «السيناريو الأقرب»

أكد جهاد حرب، الخبير الفلسطينى فى الشئون الإسرائيلية مدير مركز «ثبات» للبحوث واستطلاعات الرأى، أن الضربة الأمريكية التى استهدفت المنشآت النووية الإيرانية تشكل نقطة تحول دراماتيكية فى سياق الحرب القائمة بين إيران وإسرائيل، مشيرًا إلى أن المشهد بات مفتوحًا على احتمالات متعددة يصعب التنبؤ بمسارها أو نتائجها فى الوقت الراهن.

وأوضح «حرب» أن الضربة الأمريكية لم تكن مجرد دعم لحليفتها إسرائيل، بل حملت رسالة استراتيجية عميقة تتعلق بإعادة صياغة التوازن فى المنطقة، وقد تفتح الباب أمام تغيرات جذرية على صعيد العلاقة مع إيران ومستقبل النظام فيها.

وحدّد أربعة سيناريوهات رئيسية من المرجح أن تسلكها الأحداث فى الفترة المقبلة، مبينًا أن أن أحد السيناريوهات المطروحة- رغم ضآلته- يتمثل فى توقف إسرائيل عن تنفيذ المزيد من الهجمات الجوية والصاروخية على المنشآت العسكرية والنووية داخل إيران، ما قد يقود إلى تهدئة نسبية، بناءً على التصريحات الإيرانية السابقة التى أكدت استعداد طهران لوقف ردودها إذا ما توقفت إسرائيل عن اعتداءاتها.

وقال: «رغم أن تحقق هذا السيناريو يبدو ضعيفًا فى ظل التصعيد المستمر، فإنه يبقى خيارًا قائمًا إذا ما تدخّلت أطراف دولية لإعادة ضبط الإيقاع العسكرى».

أما السيناريو الثانى، حسب رؤية «حرب»، فيتمثل فى احتمال أن تسعى واشنطن للدخول فى مفاوضات مع طهران بشأن البرنامج النووى وقضايا إقليمية أخرى، خاصة بعد ما يبدو أنه دمار كبير لحق بالمنشآت النووية الإيرانية.

وأضاف: «رغم ذلك، فإن تصريحات وزير الخارجية الإيرانى فى أعقاب الضربة لا توحى بأن النظام الإيرانى يبحث عن التراجع أو التفاوض، ما يجعل تحقق هذا السيناريو مرهونًا بتوازن الردع الجديد وقدرة النظام الإيرانى على امتصاص الصدمة دون انهيار».

أما السيناريو الثالث، والذى يراه «حرب» الأقرب للتحقق حاليًا، فيتمثل فى مواصلة إيران إطلاق الصواريخ على إسرائيل ردًا على الهجمات الإسرائيلية، مع الامتناع عن توسيع المواجهة لتشمل الولايات المتحدة أو حلفاءها الإقليميين.

واعتبر أن هذا المسار يُبقى المعركة ضمن حدودها الحالية، دون الانجرار إلى مواجهة شاملة، خاصة أن إيران تدرك أن أى تصعيد إضافى قد يدفع واشنطن وتل أبيب إلى استهداف المشروع النووى بالكامل، بل وربما محاولة إسقاط النظام نفسه.

وأشار إلى أن الرشقة الصاروخية الأخيرة التى أطلقتها إيران على إسرائيل شكلت تحديًا لقدرات الدفاع الجوى الإسرائيلى، ما يعزز من فرضية استمرار هذا النمط من الاشتباك. أما السيناريو الأكثر رعبًا، حسب رؤيته، فيتمثل فى الانزلاق إلى مواجهة شاملة بين إيران والولايات المتحدة، تتضمن استهداف القواعد الأمريكية فى دول الخليج، وشن هجمات على السفن الحربية الأمريكية فى الخليج العربى.

وتابع: «هذا السيناريو قد يدفع الحلفاء الإقليميين لإيران، مثل الحوثيين فى اليمن، إلى الانخراط فى الحرب، وهو ما قد يؤدى إلى إغلاق مضيقى هرمز وباب المندب، الأمر الذى سيؤثر بشكل كارثى على إمدادات الطاقة العالمية والتجارة الدولية».

وحذر «حرب» من أن استمرار التصعيد بهذا الشكل قد يؤدى إلى تفكك الدولة الإيرانية على غرار ما حدث فى العراق وأفغانستان وليبيا، خاصة إذا تم استهداف القيادة الإيرانية السياسية والروحية، ما يهدد بتحوّل البلاد إلى فوضى أمنية تقودها ميليشيات مسلّحة تمتلك قدرات متنوعة. واستطرد: «انهيار النظام قد يفتح الباب أمام تسرّب الخبرات النووية الإيرانية أو تسرب العلماء إلى دول أخرى، ما يشكل خطرًا استراتيجيًا عالميًا على مستوى انتشار الأسلحة والتقنيات النووية».

واختتم حديثه بالقول: «المنطقة تقف اليوم على مفترق طرق خطير، والتطورات المقبلة ستعتمد على كيفية إدارة إيران للرد، ومدى رغبة الولايات المتحدة فى تصعيد المواجهة أو احتوائها»، معتبرًا أن الأمن الإقليمى، خاصة فى منطقة الخليج، مهدد أكثر من أى وقت مضى، خاصة أن تداعيات هذا الصراع قد تمتد لسنوات.

واشنطن تسعى لإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات ضمن شروط صارمة 

رأى المحلل السياسى الأردنى، عمر السبايلة، أن الضربة الأمريكية الأخيرة التى استهدفت المنشآت النووية فى إيران تحمل رسالة سياسية واضحة، مفادها أن الولايات المتحدة قررت وضع حد نهائى للبرنامج النووى الإيرانى، واعتبار هذه المرحلة بمثابة إعلان عملى عن انتهائه.

وأوضح «السبايلة» أن الولايات المتحدة تسعى من خلال التصعيد إلى فرض رؤيتها الخاصة لمسار الحل، حيث تعتبر واشنطن أن الضربة العسكرية تمهد الطريق لعودة إيران إلى طاولة المفاوضات، ولكن هذه المرة ضمن شروط أمريكية صارمة، تنطلق من فرضية أن القدرات النووية الإيرانية قد تراجعت أو تلاشت بفعل العملية العسكرية. وأشار إلى أن الخيار الآن بيد إيران، قائلًا: «طهران الآن أمام مفترق طرق، فإما أن تقبل العودة إلى المفاوضات وفق الرؤية الأمريكية الجديدة، وإما أن تواجه موجة جديدة من التصعيد، خاصة بعد أن ألمح الرئيس الأمريكى إلى احتمال توسيع نطاق الضربات فى المرحلة المقبلة، بحيث تكون أشد تأثيرًا وأقل كلفة بالنسبة للولايات المتحدة، سواء من الناحية السياسية أو العسكرية». وأكمل: «الضربة ليست مجرد ردع أو استعراض قوة، بل تمثل خطوة محسوبة لفتح بوابة عبور نحو مرحلة سياسية جديدة مع إيران»، مشيرًا إلى أن الملف النووى الإيرانى لم يعد ملفًا تفاوضيًا مفتوحًا كما كان، بل أصبح الآن أداة ضغط استراتيجية لفرض واقع جديد على طهران.

أوراق الرد الإيرانية تشمل إغلاق ممرات بحرية وإشراك «الحوثيين» و«حزب الله» فى المواجهة

حذّر الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية والخبير فى الشئون الاستراتيجية، من أن الضربة الأمريكية الأخيرة ضد أهداف داخل إيران ستكون لها تداعيات خطيرة على أمن الإقليم ككل، وعلى الخليج العربى بشكل خاص.

وقال «فهمى» إن الهدف من العملية الأمريكية لا يقتصر على الوصول إلى منشآت مثل «أصفهان» و«فوردو» فقط، بل يتجاوز ذلك إلى محاولة استهداف شامل للبنية النووية الإيرانية، بما فيها منظومة المفاعلات الأخرى، فى محاولة لتأكيد فاعلية الضربات السابقة، وتوجيه رسالة مباشرة إلى طهران بأن واشنطن دخلت على خط الصراع بشكل مباشر.

وأضاف أن دخول الولايات المتحدة بهذا الشكل يُنذر بـ«صراع مفتوح» فى المنطقة، لافتًا إلى أن هناك مؤشرين خطيرين ينبغى التوقف عندهما، قائلًا: «أولًا، هذه الضربات قد تُفهم كخطوة تمهيدية لتغيير النظام الإيرانى، أو على الأقل لتشجيع قوى داخلية على التحرك لإضعافه، فى إطار سياسة أمريكية تهدف إلى تعديل قواعد الاشتباك المباشر مع طهران».

وتابع: «ثانيًا، أن تلك الضربات قد تكون الرسالة الأولى ضمن سلسلة طويلة من الرسائل التى تحمل أبعادًا استراتيجية، وهو ما يعزز من احتمالات دخول المنطقة فى سنوات من التوتر المستمر، بعيدًا عن أى حلول سياسية أو تفاهمات مؤقتة».

وأكمل: «فى الوقت الراهن، من المبكر الحديث عن حلول نظرية أو أهداف طويلة المدى، لكن يجب الانتباه إلى أن إيران تمتلك العديد من الأوراق للرد، سواء من خلال إغلاق ممرات بحرية استراتيجية، أو استهداف قواعد عسكرية أمريكية، أو حتى استخدام حلفائها مثل الحوثيين وحزب الله».

كما أشار إلى أن هناك سيناريو محتملًا للعودة إلى مسار تفاوضى جديد، لكنه سيكون مختلفًا جذريًا عن السابق، ولن يدور حول البرنامج النووى فقط، بل حول شكل العلاقة المستقبلية بين إيران والغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة.

وختم تصريحه قائلًا: «إننا لا نزال فى المرحلة الأولى من التداعيات، لكن ما هو مؤكد أن ارتدادات هذا التصعيد ستكون مكلفة جدًا على الأمن القومى العربى، خصوصًا على منطقة الخليج، مع احتمالات حقيقية لأن تنزلق المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة النطاق».

الولايات المتحدة استعدت لأى رد قد يطال مصالحها أو حلفاءها فى المنطقة

أكد الخبير العسكرى والاستراتيجى الأردنى، نضال أبوزيد، أن مؤشرات التدخل الأمريكى فى الصراع كانت موجودة منذ بداية التصعيد، مشيرًا إلى أن دخول واشنطن على خط المواجهة يعد محاولة واضحة لكسر حالة التوازن العملياتى التى نجحت إيران فى تحقيقها خلال الـ٤٨ ساعة الأخيرة، نتيجة سلسلة من الضربات الدقيقة التى نفذتها، بالإضافة إلى استنزافها الملحوظ لمنظومات الدفاع الجوى الإسرائيلية. وأوضح «أبوزيد» أن المثلث النووى الإيرانى، المتمثل فى مناطق «نطنز» و«فوردو» و«أصفهان»، شهد خلال اليومين الماضيين نشاطًا مكثفًا لعمليات الاستطلاع الجوية من قبل طائرات أمريكية وإسرائيلية، معتبرًا أن هذا التحرك يشير إلى أن واشنطن كانت بصدد التأكد من جاهزيتها العملياتية، ومراجعة حساباتها الميدانية بدقة، تحسبًا لأى رد فعل إيرانى محتمل قد يطال مصالحها أو حلفاءها فى المنطقة. وأضاف أن إيران لن تبقى صامتة تجاه دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة بشكل مباشر، مرجحًا أن يكون ردها موجهًا ضد أهداف إسرائيلية بشكل مركز، دون أن تلجأ إلى توسيع نطاق المواجهة أو فتح جبهات إضافية فى الوقت الراهن، على الأقل فى المرحلة الحالية.

طهران تسعى لضبط إيقاع الرد بما يحفظ ماء الوجه ويحسن الموقع التفاوضى

قال الدكتور عماد عمر، الأكاديمى والباحث السياسى الفلسطينى، إنه بعد استهداف القاذفات الأمريكية من طراز B2 للمنشآت النووية الإيرانية تحولت الأنظار فورًا إلى طهران ترقبًا لطبيعة الرد الإيرانى، والذى لم يتأخر، إذ أطلقت سلسلة من الصواريخ باتجاه تل أبيب وحيفا، مستهدفة مركزًا للأبحاث البيولوجية، ومطار بن جوريون، إضافة إلى موقع للقيادة والسيطرة تابع للجيش الإسرائيلى.

وأضاف «عمر» أنه فى ظل تصاعد التوتر، تمتلك طهران عدة أوراق قوة قد تلجأ إليها، من أبرزها سلاحها البحرى، الذى قد يُستخدم لإغلاق مضيق هرمز، الأمر الذى سيمثّل ضربة قاسية للملاحة الدولية وسلاسل إمداد الطاقة العالمية، كما أن المصالح الأمريكية فى المنطقة، بما فى ذلك القواعد العسكرية المنتشرة فى الخليج، والسفن التجارية، وحتى المقار الدبلوماسية، قد تتحول إلى أهداف محتملة.

وأوضح أن التصعيد قد يشمل أيضًا تكثيف الهجمات على منشآت استراتيجية داخل إسرائيل، باستخدام صواريخ أكثر تطورًا وقدرة تدميرية، ما قد يُفضى إلى انزلاق المنطقة إلى صراع شامل متعدد الجبهات.

وأشار «عمر» إلى أنه فى المقابل، يبدو أن طهران تحاول من خلال هذا التصعيد ضبط إيقاع ردّها بما يحقق لها هدفين: حفظ ماء الوجه داخليًا، وتحسين موقعها التفاوضى خارجيًا. 

وتابع أن إيران تدرك أن استمرار الهجمات على المنشآت الإسرائيلية، خاصة الحيوية منها، قد يُحدث ضغطًا على الرأى العام الإسرائيلى، ويرسل رسالة واضحة مفادها أن إطالة أمد الحرب ستجلب مزيدًا من الدمار للداخل الإسرائيلى.

ورأى أن طهران تسعى من جهة أخرى إلى دخول أى مفاوضات مستقبلية دون أن تُجبر على تقديم تنازلات كبرى، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها الصاروخى أو تحالفاتها الإقليمية، مبينًا أن القبول بذلك قد يُنظر إليه داخليًا كانهزام واستسلام، وقد تكون له تداعيات على استقرار النظام السياسى الإيرانى.

استهداف منشآت النفط والغاز سيؤدى إلى أزمة طاقة على مستوى العالم

اعتبر إبراهيم شير، الخبير فى الشئون الإيرانية والشرق الأوسط، أن تبعات الهجوم الإسرائيلى على إيران لا تزال حتى الآن محدودة؛ فالحركة الاقتصادية والملاحة فى الخليج والبحر الأحمر والمتوسط تسير بشكل طبيعى، وكذلك نقل الطاقة، لكن الأمور قد تنقلب بشكل جذرى مع قرار الولايات المتحدة الدخول المباشر على خط المواجهة.

وأوضح «شير»: «إذا استمرت إسرائيل فى استهداف البنية التحتية الإيرانية، خاصة المنشآت النفطية والغازية، قد يؤدى ذلك إلى أزمات طاقة ووظائف تطال العالم بأسره، وتؤثر بشدة على دول صناعية كبرى مثل الصين التى تعتمد على واردات الطاقة بشكل أساسى».

ووصف الهجوم الإسرائيلى بأنه مباغت، وجاء فى لحظة كانت إيران فيها تعتقد أن المفاوضات مع واشنطن تسير باتجاه تسوية حقيقية، دون مؤشرات لأزمة وشيكة، مؤكدًا أن ما جرى كان ثمرة خداع أمريكى سابق مارسه دونالد ترامب.

وأضاف أن طهران رغم تلقيها صدمة قوية فى الساعات الأولى من الهجوم، إلا أنها تمكنت خلال أقل من ٢٤ ساعة من البدء فى تنفيذ رد مدروس، لتنتقل من حالة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، مستهدفة العمق الإسرائيلى بدقة غير مسبوقة.

وأكد أن الضربات الإيرانية طالت مواقع حساسة فى تل أبيب وحيفا، شملت مراكز عسكرية وأمنية، إضافة إلى مراكز مالية وسياسية، ما شكل صدمة للشارع الإسرائيلى ولمؤسسات صنع القرار الأمنى والعسكرى. 

وقدر أن إسرائيل تكبدت خسائر مالية كبيرة، تبلغ نحو نصف مليار دولار جراء تدمير مراكز أبحاث وعمليات كانت قائمة، إضافة إلى خسائر يومية تقدر بـ٢٥٠ مليون دولار نتيجة عمليات رصد واعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية. وأشار إلى أن ما لا يقل عن عشرين برجًا سكنيًا فى تل أبيب تعرضت لأضرار مباشرة، أدت إلى تشريد حوالى ١٥٠٠ إسرائيلى، ما يؤشر إلى خسائر محتملة تتراوح بين ١٠ و١٥ مليار دولار فى حال استمرت هذه الوتيرة من المواجهات.

وحول قدرة إيران على حماية منشآتها النووية، رأى أن طهران نجحت فى تأمين هذه المنشآت على الأرض، خصوصًا المفاعلات الحيوية؛ فقد بنيت بعمق يتجاوز ٩٠ مترًا تحت الأرض، غير أنه أشار إلى أن إيران لم تتمكن من حماية هذه المواقع من ضربات جوية متطورة خاصة بعد حصول إسرائيل على دعم عسكرى مباشر من الولايات المتحدة وشن ترامب هجمات ضد المفاعلات الثلاثة فوردو ونطنز وأصفهان. ورغم ذلك، أكد أن الضربات لم تنجح فى تعطيل المفاعلات بالكامل، لكنها قد تؤدى إلى تأخير البرنامج النووى الإيرانى نحو عشر سنوات.

أما على مستوى المواقف الدولية، فلفت إلى انقسام واضح داخل المجتمع الدولى، إذ لم يصدر عن القوى الأوروبية الكبرى أى إدانة واضحة للهجوم الإسرائيلى، بينما اكتفى بعض الأطراف مثل اليابان بانتقادات محدودة. وذكر أن هذا الصمت الدولى انعكس سلبًا فى مفاوضات جنيف التى حدثت منذ أيام مع وزير الخارجية الإيرانى، إذ بدا التوتر واضحًا بين الوفدين الإيرانى والدولى، خصوصًا أن طهران تعتبر استمرار العدوان الإسرائيلى دليلًا على انحياز المجتمع الدولى، ما يعقّد فرص الوصول إلى تسوية.

وأكد أن استمرار التصعيد قد يؤدى إلى ضغوط داخل المجتمعات الغربية نفسها، خصوصًا إذا تطورت الأزمة إلى أزمة طاقة عالمية تمس أمن المواطن الغذائى والمعيشى، ما قد يترجم إلى احتجاجات شعبية وحتى سقوط حكومات. وهو ما تدركه هذه الأنظمة، لذلك تسعى لإقناع إيران بالتنازل لإنهاء المواجهة بسرعة، فى وقت تشعر فيه طهران بارتياح ميدانى وعسكرى أكبر مقارنة ببداية الهجوم.

وأوضح أن إيران وضعت ثلاثة شروط واضحة للعودة إلى التفاوض؛ وقف العمليات العسكرية أولًا، ثم طرح الملف النووى على الطاولة كأولوية، وأخيرًا رفض أى نقاش حول ملف الصواريخ الباليستية. ورأى أن طهران لا تثق فى الأوروبيين، وتعتبر مواقفهم مضيعة للوقت، وأن مفتاح الحل لا يزال بيد واشنطن، بينما يجب على أوروبا إعادة بناء صورتها إذا أرادت أن تكون جزءًا فاعلًا فى إنهاء هذا النزاع.

مخاوف زيادة مستوى التوتر الإقليمى فتحت الباب أمام سباق تسلح جديد على طريقة الحرب الباردة

رأت الكاتبة والمحللة السياسية اللبنانية سوسن مهنا، أن الهجوم الأمريكى الأخير على البرنامج النووى الإيرانى شكّل ضربة موجعة لطهران، وأرسل رسالة واضحة بأن واشنطن مستعدة لاستخدام القوة عند الضرورة. 

ووصفت «مهنا» هذا التصعيد بأنه قد يكون نقطة تحول خطيرة فى مسار التوتر الإقليمى، وقد يفتح الباب أمام سباق تسلح جديد يذكّر بفترات الحرب الباردة فى القرن الماضى.

وأشارت إلى أن النظام الإيرانى قد يجد نفسه أمام خيارات صعبة، إما الرد من خلال وكلائه فى المنطقة مثل حزب الله والحوثيين والفصائل المسلحة فى العراق، أو من خلال استهداف مباشر للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وربما عبر هجمات إلكترونية. 

ولم تستبعد أن تقدم إيران على تنازلات فى الملف النووى، حتى وإن بدت «مذلة»، بهدف امتصاص الصدمة وتجاوز المرحلة الحالية بأقل خسائر، ثم إعادة ترميم موقعها الإقليمى.

وأضافت أن الضربات، حتى وإن لم تدمر بالكامل المنشآت النووية الإيرانية، إلا أنها أعادت البرنامج النووى سنوات إلى الوراء، وقدّرت ذلك بنحو ثلاثة عقود، ما يشير إلى حجم الضرر الكبير الذى ألحقته هذه الهجمات.

وقالت إن تأثير هذه التطورات لن يقتصر على إيران وحدها، بل سينعكس على مجمل الوضع فى الشرق الأوسط؛ فالمنطقة قد تدخل مرحلة أوسع من عدم الاستقرار، وسط تحليلات متزايدة حول احتمال اندلاع حرب مفتوحة. 

وشددت على أن رقعة الفوضى قد تمتد لتشمل دولًا مثل لبنان وسوريا والأردن والعراق، إضافة إلى اليمن ودول الخليج التى تحتضن قواعد ومراكز عسكرية أمريكية.

أما على مستوى المواقف الدولية، فأشارت إلى وجود انقسام حاد؛ فالغرب يبرر الضربة باعتبارها خطوة ضرورية لمنع انتشار السلاح النووى، بينما ترى دول مثل روسيا والصين وتركيا أن ما حدث يزيد من احتمالات انفجار الفوضى فى المنطقة. ورغم أن إيران كانت تعتبر هذه الدول حلفاء، إلا أن أيًا منها لم يظهر استعدادًا حقيقيًا لدعمها عسكريًا فى هذه اللحظة الحرجة.

ولفتت إلى أن دخول الولايات المتحدة بهذا الشكل المباشر على خط المواجهة مع إيران وإسرائيل يرفع منسوب الخطورة، خاصة إذا استمرت واشنطن فى توجيه ضربات داخل الأراضى الإيرانية. وأكدت أن الرد الإيرانى سيكون العامل الحاسم فى تحديد اتجاه الأمور، سواء نحو التصعيد أو نحو احتواء الأزمة عبر قنوات دبلوماسية تسعى للحفاظ على بقاء النظام الإيرانى.

وفى ظل انشغال روسيا بالحرب فى أوكرانيا وتردد الصين فى الدخول بمواجهة مباشرة مع واشنطن، خاصة فى ظل التوترات الاقتصادية المتصاعدة، رأت أن حروب الوكالة قد تبقى الخيار الأرجح، مع احتمال حصول احتكاكات محدودة بين القوى الكبرى. وشددت فى الوقت نفسه على أن أيًا من هذه القوى لا يملك مصلحة حقيقية فى خوض حرب شاملة، خاصة فى ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية التى تواجهها دول العالم، والتى تجعل من خيار الحرب الشاملة مغامرة لا طائل منها.

توقعات بالضغط نحو مسار تفاوضى لتفادى الوصول إلى الحرب الشاملة

قال اللواء الدكتور محمد الشهاوى، رئيس أركان الحرب الكيميائية الأسبق، إن الضربة الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية اُستخدمت فيها قاذفات «B-2» التى تُسمى «الشبح»، وقنابل خارقة للتحصينات من طراز « GBU-57»، لكنها لم تنجح فى تدمير القدرات النووية الإيرانية بالكامل.

واعتبر «الشهاوى» الضربة الأمريكية «حربًا بلا حرب»، خاصة أن المنشآت الثلاث المستهدفة: «فوردو» و«أصفهان» و«نطنز»، كانت قد أُخليت مسبقًا من «اليورانيوم» عالى التخصيب، ومعدات الطرد المركزى الحديثة، ما حال دون وقوع تلوث إشعاعى، مضيفًا: «نحو ٤٠٨ كجم من (اليورانيوم ٢٣٥) مُخزنة فى مواقع مُحصَنة تحت الأرض، ولا يمكن الوصول إليها بأى وسيلة تدميرية حالية».

وواصل: «رغم التوقعات السابقة بردها على استهداف منشآتها عبر مهاجمة القواعد الأمريكية فى المنطقة، وعددها ٩ قواعد، اختارت إيران الرد على إسرائيل، من خلال إطلاق ٤٠ صاروخًا استهدفت مناطق حيوية فى بئر السبع، بما فى ذلك مواقع يُعتقد أنها لتخزين أسلحة بيولوجية وغازات حربية، مثل غازات الأعصاب والخنق والغازات الكاوية». وأكمل: «الضربات الإيرانية حققت خسائر بشرية إسرائيلية، وأثّرت على الحالة النفسية للإسرائيليين، ما تسبب فى موجات نزوح نحو قبرص، إلى جانب استهداف منشآت طاقة، ومستشفى (سوروكا) الذى يقع أسفله مركز استخبارات خاص بتكنولوجيا الطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعى». ورأى رئيس أركان الحرب الكيميائية الأسبق أن عدم رد إيران مباشرة على الولايات المتحدة، قد يُمهّد لتهدئة ميدانية، ويدفع واشنطن للضغط نحو مسار تفاوضى بين طهران وتل أبيب عبر قنوات دبلوماسية، لتفادى اندلاع حرب إقليمية شاملة.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الإحصاء: 32% نسبة الزيادة في أعداد الأجانب الحاصلين على ترخيص للعمل
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل