كشف بيان الموازنة الجديدة للدولة 2025/2026 عن الخطط التي أعدّتها الحكومة لتحقيق توجه الدولة نحو التنمية المستدامة، حيث تواصل مصر توسيع نطاق شراكاتها مع القطاع الخاص باعتبارها أداة استراتيجية لتوفير البنية التحتية وتحسين جودة الخدمات العامة دون تحميل الخزانة العامة أعباء استثمارية مباشرة.
وحسب ما أظهرته بيانات الموازنة العامة الجديدة تأتي هذه الشراكات ضمن رؤية واضحة تستهدف تعظيم دور القطاع الخاص في الاقتصاد وضمان الكفاءة التشغيلية والتمويلية للمشروعات الكبرى، مع الحفاظ على التوازن المالي ومراقبة المخاطر المحتملة على المالية العامة.
وحسب ما ورد في تقرير الموازنة الجديدة التي أقرها البرلمان الأسبوع الماضي، فقد أسهم هذا التوجه في تفعيل عدد من المشروعات الحيوية، في وقت تشهد فيه البلاد إصلاحات مالية وهيكلية عميقة، تسعى إلى تخفيف الأعباء على الموازنة من خلال نماذج تمويل أكثر استدامة وانفتاحًا على رأس المال الخاص، مع التأكيد على الحوكمة والشفافية في جميع مراحل تنفيذ هذه الشراكات.
شراكات القطاعين العام والخاص: فرصة للتنمية ومخاطر محتملة
وحسب ما بينته الحكومة في تقرير موزناتها الجديدة، تعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) من الآليات الفعالة التي تمكن الحكومات من تنفيذ مشروعات البنية التحتية بكفاءة أعلى وتكلفة أقل على المدى القصير غير أنها قد تولد في بعض الأحيان التزامات مالية غير مباشرة على الحكومة، تشبه الديون طويلة الأجل، بما في ذلك التزامات السداد مقابل الخدمات طوال مدة التعاقد، أو الضمانات التي تتحمل من خلالها الحكومة جانبًا من مخاطر السوق والطلب.
من أبرز صور هذه الالتزامات ما يحدث عند تقديم الحكومة ضمانات للقطاع الخاص بتوفير حد أدنى من الطلب على الخدمة محل التعاقد، أو تحملها لتبعات التغيرات المفاجئة في السياسة النقدية مثل تقلبات سعر الصرف، مما قد يشكّل ضغوطًا محتملة على الموازنة إذا لم تتم إدارتها بشكل دقيق.
إدارة المخاطر المالية وتحديد الالتزامات بصرامة
حسب ما أوضحته بيانت الموازنة الجديدة، غالبًا ما لا تُدرج هذه الالتزامات المشابهة للديون في الموازنة العامة بشكل مباشر، إلا إذا قدّمت ضمانة حكومية رسمية، لذلك، تؤكد الدولة على أهمية إحكام صياغة العقود، وتحديد سقف واضح للالتزامات المحتملة، بما يضمن حماية المالية العامة من أية مفاجآت غير محسوبة.
كما تبرز أهمية التقييم الفني والمالي المسبق للمشروعات، خاصةً في ظل وجود مخاطر انتقال المشروع إلى الحكومة حال إخفاق القطاع الخاص في تنفيذه، وهو ما قد يؤدي إلى تحمّل الدولة لتكاليف التشغيل والصيانة وسداد ديون المشروع، إذا لم تكن هناك ضمانات متناسبة تؤمّن مصالح الدولة، ويجد من هذه المخاطر حصول القطاع العام على ضمانات مالية تتناسب مع حجم ونوعية وأهمية المشروع.
مشروعات قائمة وأخرى قيد الإعداد: خارطة متكاملة للشراكات
تشهد مصر حاليًا تنفيذ نحو 80 مشروعًا بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص في عدد من القطاعات الحيوية، أبرزها الطاقة، الكهرباء، والتعليم، إلى جانب مجموعة من المشروعات الجديدة المقرر طرحها قريبًا أمام القطاع الخاص، و4 مشروعات أخرى يتم إعدادها بالتعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD)، إضافة إلى 6 مشروعات أخرى لا تزال في مرحلة تحديد الشركاء المحتملين من القطاع الخاص.
وتعد هذه المشروعات نموذجًا عمليًا على قدرة الدولة في إدارة التعاون مع القطاع الخاص بطريقة منظمة وتدريجية، بما يضمن تعزيز الاستثمار المحلي والأجنبي في مشروعات البنية التحتية والخدمات العامة.
لجنة فنية مشتركة لضمان الحوكمة والتخطيط الاستراتيجي
ولتأمين جودة وكفاءة تنفيذ هذه الشراكات، تم تشكيل لجنة فنية مشتركة تضم مجموعة من الخبراء والمختصين، بهدف تنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والخدمات العامة.
وتتولى اللجنة تصنيف المشروعات، وتجميع الملفات الفنية، والتأكد من توافر الدراسات اللازمة لكل مشروع، إلى جانب إصدار تقارير فنية دقيقة تعزز من شفافية وجدوى هذه الشراكات.
فرص واعدة ضمن رقابة مالية منضبطة
رغم التحديات والمخاطر المحتملة، فإن حجم المخاطر المالية التي تتعرض لها الخزانة العامة المصرية من هذه الشراكات يظل محدودًا في الوقت الراهن، في ظل قلة عدد المشروعات التي تم توقيعها فعليًا، ووجود منظومة رقابية وتنظيمية تعمل على ضبط الإطار التعاقدي وتوزيع المخاطر بصورة متوازنة.
يظل تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص جزءًا أساسيًا من استراتيجية الدولة للنمو الاقتصادي المستدام، وتحسين جودة الخدمات دون تحميل الموازنة العامة أعباء إضافية، وهو ما يعكس نضج التجربة المصرية في هذا المجال، وقدرتها على جذب الاستثمار الخاص ضمن بيئة مالية وقانونية مستقرة.