بين الضربة الأمريكية والرواية الإيرانية

بين الضربة الأمريكية والرواية الإيرانية
بين
      الضربة
      الأمريكية
      والرواية
      الإيرانية

فى تطور هو الأخطر منذ حرب العراق عام 2003، أعلن الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، عن تنفيذ «هجوم ناجح للغاية»، كما وصفه، استهدف منشآت نووية إيرانية محصّنة، بالتزامن مع دخول الحرب الإسرائيلية- الإيرانية يومها العاشر.

وعقب الضربات الأمريكية المكثفة على منشآت فوردو، نطنز، وأصفهان، سعت طهران سريعًا إلى احتواء الصدمة، مروّجةً بأن الأضرار لم تكن كارثية، وأن المواد النووية نُقلت مسبقًا إلى أماكن آمنة.

لكن هذا الطرح، الذى تبنّاه الإعلام الإيرانى، يثير تساؤلات حول مدى واقعيته: هل نحن أمام حقيقة ميدانية.. أم محاولة «لبيع الوهم» للداخل والخارج؟

فالمنشآت المستهدفة، خصوصًا فوردو ونطنز، شديدة التحصين تحت الأرض، ما يجعل نقل المعدات والمواد النووية منها فى وقت قصير دون رصد استخباراتى أمرًا بالغ الصعوبة. كما أن أى تحضيرات من هذا النوع تحتاج إلى أسابيع، فى حين جاءت الضربة الأمريكية مباغتة.

يرجّح أن الخطاب الإيرانى يهدف بالدرجة الأولى إلى طمأنة الداخل ومنع تآكل صورة النظام، مع إرسال رسائل إلى المجتمع الدولى مفادها أن البرنامج النووى لا يزال قائمًا، تجنّبًا لمزيد من العقوبات أو الضغوط. فى الوقت ذاته، تحاول طهران كسب الوقت لإعادة بناء البنية التحتية المتضرّرة.

فى المقابل، تؤكد تقارير استخباراتية أن الضربة عطّلت فعليًا بعض القدرات الحيوية فى البرنامج النووى الإيرانى مؤقتًا، مع تسريبات تشير إلى أن «نقل المواد النووية» كان محدودًا للغاية، واقتصر على عينات صغيرة يسهل تهريبها، دون المساس بالوحدات والمكوّنات الكبرى.

الرواية الإيرانية تمزج بين قدر من الحقيقة والكثير من التهوين السياسى. فطهران، رغم توقّعها لهجوم محتمل، لم تكن عمليًا قادرة على نقل كامل بنيتها النووية قبل الضربة. ويبقى الرهان الآن على مدى قدرتها على ترميم الأضرار التقنية، واستثمار خطاب «نقل المواد» كأداة فى معركتها النفسية ضد واشنطن.

وبينما تسعى إيران إلى إظهار الثبات والقدرة رغم الضربة، تحرص الإدارة الأمريكية على ترسيخ صورة أن البرنامج النووى الإيرانى بات مكشوفًا ومعرّضًا للخطر.

وفى ظل هذا التباين بين الروايتين، يقف الرأى العام أمام معركة سرديات ستُحسم فى الأيام المقبلة، مع ترقّب الرد الإيرانى: هل سيكون محدودًا.. أم بداية تصعيد جديد يُغيّر معادلات الإقليم؟

هذه العملية العسكرية، وهى الأوسع من نوعها منذ سنوات، دفعت المشهد الإقليمى إلى حافة مواجهة مفتوحة، وخلّفت صدى سياسيًا ودستوريًا فى واشنطن، حيث وجّه نواب فى الكونغرس اتهامات للرئيس ترامب بـ«تجاوز الصلاحيات» وشنّ هجوم دون تفويض تشريعى، فى خطوة قد تجرّ البلاد إلى حرب غير مصرَّح بها.

أما على الجانب الإيرانى، فيبدو أن طهران تدرس مختلف الخيارات، من تصعيد تدريجى عبر الوكلاء الإقليميين إلى تحرّكات دبلوماسية مضادّة.

ورغم أن الضربة عطّلت بالفعل بعض عناصر البرنامج النووى، تحاول القيادة الإيرانية التخفيف من حجم الأضرار عبر مزاعم إخلاء المواقع من اليورانيوم مسبقًا.

المرجّح أن إيران ستعتمد على تصعيد محسوب ضد المصالح الأمريكية فى المنطقة، مع محاولة تفادى حرب شاملة يصعب احتواؤها.

وبذلك تكون الضربة الأمريكية قد شكّلت منعطفًا خطيرًا فى الحرب الإسرائيلية- الإيرانية، مع انخراط واشنطن المباشر فى المواجهة.

والمشهد الآن مفتوح على سيناريوهات تصعيد قد تطال عموم الإقليم، وسط سباق دولى محموم لاحتواء الأزمة.

ورغم النجاح التكتيكى للعملية، يظل مستقبل الصراع رهنًا بردّ الفعل الإيرانى.. فإمّا تُفعَّل المسارات الدبلوماسية، أو تنزلق المنطقة إلى صراع مفتوح، ستكون كلفته باهظة على الجميع.

فى النهاية.. يبقى الأمل أن يكون الواقع أقرب إلى الرواية الإيرانية، وليس إلى الوهم.
 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق دبلوماسي سابق: الخلاف الجوهري في المفاوضات الأمريكية الإيرانية يتعلق بوقف التخصيب بالكامل
التالى كأس العالم للأندية.. تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الأهلي وبورتو