فى ظل التصعيد المستمر بين إسرائيل وإيران، وتلويح الولايات المتحدة بإمكانية المشاركة فى هذه الحرب المشتعلة، أصبحت السيناريوهات المطروحة قاتمة، ويبدو أن نهاية التصعيد لا تلوح فى الأفق، بأى شكل من الأشكال.
وبدأت هذه التوترات فى التحول إلى حرب مفتوحة على جميع الاحتمالات، يدفع ثمنها كل من إسرائيل وإيران، وسط ذعر إقليمى وعالمى من تداعيات كارثية غير مسبوقة جراء هذا التصعيد، الذى يختبر قدرة تل أبيب وطهران على مواصلة الحرب طويلة الأمد.
فى السطور التالية، يتحدث خبراء عسكريون ومحللون سياسيون عن مآلات هذه الحرب، وتوقعاتهم لمصيرها النهائى، ومدى تأثير تداعياتها على المنطقة والعالم ككل، خاصة مع استمرارها على مدى الأيام الماضية دون أى توقف أو اتجاه للحلول السياسية أو الدبلوماسية.
لبنان.. جورج نادر: تمتد إلى أسابيع.. ونتائجها كارثية
البداية مع العميد السابق فى الجيش اللبنانى، جورج نادر، الذى قال إن المنطقة تشهد حربًا مفتوحة على جميع الاحتمالات، تواصل فيها إسرائيل استخدام أقصى طاقاتها العسكرية لتدمير البنية التحتية النووية الإيرانية، بالإضافة إلى تحييد القوة الصاروخية ومنظومات الدفاع الجوى الإيرانية.
وأضاف «نادر»: «تل أبيب تتعامل مع الملف الإيرانى كخيار عسكرى أول، متجاوزة بذلك الأعراف الدولية، ومهمّشة الحلول الدبلوماسية تمامًا. أما إيران فقد فاجأت العالم بضعف قدراتها الدفاعية».
وواصل: «أظهرت منظومات الدفاع الجوى الإيرانية هشاشة كبيرة فى التصدى للهجمات الجوية الإسرائيلية، إن لم يكن فشلًا تامًا، وأصبح سلاح الجو الإسرائيلى يسيطر فعليًا على الأجواء الإيرانية، حتى فى عمق الأراضى الشرقية مثل مدينة مشهد، والجنوبية أيضًا، ما يمنح إسرائيل تفوقًا استراتيجيًا كبيرًا فى سماء إيران».
ورغم هذا التفوق، أكد العميد السابق فى الجيش اللبنانى أن «إسرائيل لم تنجح حتى الآن فى تحقيق أهدافها الكاملة، فلم تتمكن من القضاء تمامًا على القوة الصاروخية الإيرانية، ولم تدفع طهران إلى العودة لطاولة المفاوضات».
ورأى أن الهجمات الصاروخية الإيرانية ضد إسرائيل، رغم تسببها فى بعض الخسائر البشرية والمادية، لم تكن مؤثرة بالشكل الذى يغيّر من ميزان القوة أو مسار الحرب.
وفيما يتعلق بالبرنامج النووى الإيرانى، قال «نادر»: «إسرائيل تواجه تحديًا كبيرًا فى استهداف بعض المنشآت المحصّنة، وعلى رأسها مفاعل (فوردو) المقام تحت الأرض، لذا تطلب بإلحاح من الولايات المتحدة الانضمام المباشر إلى الحرب، ليس فقط عبر الدعم اللوجستى، بل بالمشاركة فى الضربات النوعية».
وأضاف: «إلى الآن، واشنطن تكتفى بدور الداعم عبر تزويد إسرائيل بالوقود الجوى والذخائر والدعم الاستخباراتى والأقمار الصناعية، دون التورط المباشر فى العمليات العسكرية».
وعن حلفاء إيران المفترضين، اعتبر الخبير العسكرى اللبنانى أن الحديث عن دعم صينى أو باكستانى عسكرى يبقى فى إطار «البروباجندا الإعلامية»، دون أى ترجمة فعلية على أرض المعركة، مضيفًا: «إيران تقاتل فعليًا دون حلفاء داعمين لها على المستوى العسكرى».
وواصل: «مسئولون إسرائيليون، بمن فيهم بنيامين نتنياهو، لا يخفون رغبتهم فى قلب النظام الإيرانى بالكامل، لكن، حتى اللحظة، تبقى الإدارة الأمريكية غير راغبة فى دخول هذا المسار السياسى المتطرف، مكتفية بدعم إسرائيل دون المشاركة فى مشروع تغيير نظام الملالى».
واختتم بالقول: «الحرب لن تنتهى اليوم ولا غدًا، بل نحن أمام محطة حاسمة قد تمتد إلى أسابيع، حاملة فى طياتها نتائج كارثية على الطرفين والمنطقة بأكملها».
سامر كركى: العالم مُعرض لأزمة اقتصادية طاحنة بسبب «هرمز» و«باب المندب»
رأى سامر كركى، الكاتب السياسى اللبنانى، أن المشهد الراهن فى المنطقة «مفتوح على جميع الاحتمالات»، معتبرًا أنه من الخطأ التقليل من خطورة التصعيد القائم، أو اعتباره مجرد حرب نفسية تمارسها الولايات المتحدة أو إسرائيل.
وأضاف «كركى»: «إسرائيل نفسها أعادت صياغة عقيدتها الأمنية والسياسية فى ضوء التحديات الجديدة، بينما اعتمد الطرف الآخر، أى إيران، على مقاربات إعلامية ودعائية تشير إلى قوة تمسكها الداخلى رغم الأزمة، لكنها فى الوقت ذاته تمكنت من الرد بشكل مباشر على مواقع حيوية إسرائيلية، ما أثار حالة من الدهشة داخل الأوساط السياسية والعسكرية».
وواصل: «ما فعلته إيران، بعد امتصاص الضربة الإسرائيلية الأولى، يثبت قدرتها على التعامل مع التفوق التكنولوجى الإسرائيلى، الذى اعتمد لفترة طويلة على أساليب مثل الاغتيالات والضربات غير المباشرة».
وبالنسبة للسيناريوهات المقبلة، رأى الكاتب السياسى اللبنانى أن هناك احتمالين رئيسيين باتا مطروحين بجدية، الأول يتمثل فى استمرار المواجهة ضمن نطاق محدود بين إيران وإسرائيل، وهو ما يمكن احتواؤه نسبيًا. أما الاحتمال الثانى، والأخطر، فهو دخول الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر فى الحرب، وهو ما قد يؤدى إلى انفجار شامل لن تُحمد عقباه.
وأضاف «كركى»: «انخراط واشنطن فى القتال يعنى تلقائيًا انضمام الحلف الغربى الجماعى، ومعه إسرائيل، فى معركة هدفها تقويض النفوذ الإيرانى فى المنطقة، حينها قد تقدم إيران على إغلاق مضيق هرمز، وكذلك إغلاق مضيق باب المندب بدعم من الحوثيين، ما يدخل العالم فى أزمة اقتصادية طاحنة نتيجة شح الإمدادات النفطية وارتفاع أسعار الطاقة بشكل غير مسبوق».
تركيا.. أحمد أويصال: خلق موجات جديدة من الهجرة والدمار والإرهاب.. والخليج أكثر المتضررين
حذّر الدكتور أحمد أويصال، أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة إسطنبول، من أن اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وإيران قد يتحول إلى كارثة تتجاوز حدود البلدين، وتهدد استقرار وأمن المنطقة بأكملها، بل العالم.
وقال «أويصال»: «توسّع رقعة هذا النزاع قد يؤدى إلى موجات جديدة من الهجرة والدمار وانتشار الإرهاب، إلى جانب تفاقم المعاناة الإنسانية والاقتصادية فى الشرق الأوسط».
وأضاف الخبير السياسى الإيرانى: «دول الخليج ستكون من أكثر المتضررين، خاصة حال تعرض منشآتها الحيوية لهجمات مباشرة، أو حال تم إغلاق مضيق هرمز، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على حركة تصدير النفط والغاز، وسيخلّف آثارًا اقتصادية عميقة».
وواصل: «احتمالية دخول الولايات المتحدة فى الحرب قد يدفع إيران إلى الرد باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة فى المنطقة، ما سيزيد من تعقيد المشهد الأمنى الإقليمى».
ونبه إلى وجود مخاوف حقيقية من أن يؤدى التصعيد إلى أزمة تضخم عالمية، ونقص فى إمدادات الطاقة، وربما نشوء صراع أوسع يُغذّى بخطاب صدامى بين الحضارات الشرقية والغربية، ما قد يُمهّد لـ«حرب عالمية ثالثة»، إن خرجت الأمور عن السيطرة. وتابع «أويصال»: «الحرب الجوية الحالية، التى تخوضها إسرائيل وإيران دون حدود مباشرة بينهما، تجعل من الصعب على أى طرف تحقيق نصر حاسم، خاصة فى ظل عدم وجود إمكانية للغزو البرى».
العراق.. عماد عمر: طهران تراهن على كسر إرادة الإسرائيليين
اعتبر الدكتور عماد عمر، الكاتب السياسى الفلسطينى، أن تراجع حدة الضربات الإيرانية لإسرائيل، فى الكم والنوع، يتنافى مع التصريحات والتهديدات الإيرانية، منذ اليوم الأول للحرب، ويضع علامات استفهام حول الاستراتيجية التى تتبعها القيادة الإيرانية فى الرد على الضربات المتلاحقة التى تتلقاها من إسرائيل.
وأضاف «عمر»: «هذه الأوضاع تضعنا أمام عدة سيناريوهات ذات علاقة بسير الأمور العملياتية، أولها أن إيران تتبع سياسة وتكتيك استراتيجى متعلق بإطالة أمد المعركة، والرهان على كسر إرادة الشعب الإسرائيلى، وتوزيع المقدرات العسكرية على أطول مدة تمكنها من الصمود».
وواصل: «يعنى هذا استخدام إيران أقل الإمكانات لتحقيق أفضل النتائج، مع الرهان على أن الشعب الإسرائيلى لم يتعرض لمثل هذه الحروب مسبقًا، ولم يتمكن من البقاء فى الملاجئ، وبالتالى تعطل حياته الاقتصادية والتعليمية واليومية، خاصة مع إغلاق الأجواء والمطارات».
السيناريو الثانى يتضمن استمرار نجاح إسرائيل فى فرض طوق وحظر جوى على إيران، من خلال التكنولوجيا المتطورة، خاصة المُسيرات المقاتلة من نوع «كوادكابتر»، وتدمير أكبر عدد ممكن من المنصات الصاروخية، لتصبح القوات الإيرانية مقيدة بعض الشىء فى التحرك بحرية، وتجهيز وتحريك منصات إطلاق جديدة خشية استهدافها من قبل الطائرات الإسرائيلية المنتشرة على مدار الساعة فى الأجواء الإيرانية، وما يدل على ذلك أن عمليات توجيه وإطلاق الصواريخ على إسرائيل تحدث فى ساعات الليل.
أما السيناريو الثالث، وفق الكاتب السياسى الفلسطينى، فهو أن القيادة الإيرانية تمزج بين «التكتيك الدبلوماسى» و«العملياتى الميدانى»، بحيث تحاول تخفيف حدة التوتر التى سادت إسرائيل، خاصة بعد استخدام طهران أنواعًا جديدة من الصواريخ أدت إلى وقوع أضرار جسيمة فى إسرائيل.
وأوضح «عمر» أن إيران قد تلجأ إلى ذلك لتفويت الفرصة على «نتنياهو» لمحاولة إقناع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بدخول الولايات المتحدة على خط القتال، وهو عامل حسم كبير، فى ظل امتلاك واشنطن قنابل قادرة على اختراق الحصون، وبالتالى تدمير المفاعلات النووية الإيرانية تحت الأرض.
وأتم: «هذا ما ترغب فيه إسرائيل، لذا قد تلجأ إيران إلى السيناريو سالف الذكر، بهدف تحييد الولايات المتحدة، ومنع دخولها الحرب بشكل مباشر، رغم قناعة القيادة الإيرانية بأن الحرب جارية بغطاء سياسى وعسكرى أمريكى».
فلسطين.. نسيم عبدالله: لا هدوء دون تدخل دولى فاعل ومقبول من الطرفين
حذّر الباحث السياسى العراقى، نسيم عبدالله، من أن المنطقة بأكملها تقف على شفا معادلة صفرية لا رابح فيها، مشددًا على أن «أى هزيمة لأى طرف ستكون لها انعكاسات كارثية على الأمن الإقليمى، خاصة فى العراق ودول الجوار».
وأضاف «عبدالله»: «من المؤكد أن التطورات الأخيرة، وعلى رأسها التصعيد الإيرانى الإسرائيلى، لن تبقى حبيسة الجغرافيا بين الطرفين، بل ستنعكس تداعياتها على كل دول المنطقة، وفى المقدمة العراق، ودول الخليج».
وواصل: «المعادلة الراهنة لا تتيح هامشًا للمناورة، فهى تُراد أن تكون معادلة صفرية، وكل طرف يرى أن التراجع يعنى الهزيمة»، متابعًا: «فى هذه المرحلة، لا إيران مستعدة لقبول الخسارة، ولا العالم الغربى، وتحديدًا الداعمين لإسرائيل، على استعداد لرؤية تل أبيب تتعرض لهزيمة استراتيجية. لذا، فإننا أمام صيف معقد وصعب، ولا يُتوقع أن تهدأ الأمور دون تدخل دولى فاعل ومقبول من الطرفين».