أبوبكر الديب يكتب: "الفيدرالي الأمريكي" بين صواريخ الشرق الأوسط وأرقام التضخم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في ظل التصعيد المتواصل بين إيران واسرائيل، ومن وراءها من القوى الغربية، يتزايد الحديث عن انعكاسات هذه المواجهة على الاقتصاد العالمي، وعلى رأسه الاقتصاد الأمريكي، وتأتي أسعار الفائدة كأداة محورية في يد الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي"، لمواجهة أي اضطرابات تضخمية محتملة.

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الحرب بين إيران وإسرائيل، تجد البنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، نفسها أمام معادلة شديدة التعقيد ما بين مواجهة تضخم تغذيه أسعار النفط، مقابل حماية الاقتصاد من الدخول في دوامة ركود بسبب ارتفاع الفائدة.

وتسببت الحرب بقفزة ملحوظة في أسعار النفط، ما دفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تأجيل خطط خفض الفائدة، مع رفع توقعاته التضخمية بينما لا توجد مؤشرات على رفع فوري للفائدة، فإن استمرار ارتفاع النفط وتبعاته التضخمية قد يدفع الفيدرالي لاستخدام خيار رفع مؤقت أو تثبيت لفترة أطول، فتخفيض الفائدة أصبح متوقفا علي انخفاض أسعار الطاقة.

وتعيش السياسة النقدية الأمريكية اختبارا قاسيا مع تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، إذ يجد الاحتياطي الفيدرالي نفسه عالقا بين ضغوط التضخم المتجدد الناتج عن ارتفاع أسعار النفط، وضرورة حماية الاقتصاد من الركود عبر تخفيف أسعار الفائدة، ومع ارتفاع خام برنت إلى مستويات قاربت 77 دولارا للبرميل في أعقاب التصعيد، يتزايد القلق من وصوله إلى 100 دولار أو أكثر في حال تفاقمت الأزمة وأثّرت على تدفقات الطاقة عبر مضيق هرمز، وهو ما يترجم تلقائيا إلى ضغوط تضخمية قد تتجاوز 3.5% داخل السوق الأمريكي، وهو معدل يتجاوز المستهدفات الفيدرالية بشكل واضح، ومع أن التوجه العام في السياسة النقدية الأمريكية خلال الأشهر الماضية كان يسير نحو تثبيت الفائدة ثم خفضها تدريجيا، فإن المشهد الجيوسياسي بات يفرض على صانعي القرار تبني موقف أكثر تحفظا، وربما إعادة النظر كليا في خفض الفائدة خلال 2025، خصوصا أن الأسواق المالية بدأت تعكس هذا الحذر عبر تذبذب المؤشرات الرئيسية، وعودة الذهب والدولار للواجهة كأصول ملاذ، وبينما تتأرجح التوقعات بين تأجيل خفض الفائدة أو التراجع عنه نهائيا، يبقى السيناريو الأخطر هو الدخول في حلقة تضخم مصحوبة بركود، ما يعرف اقتصاديا بالركود التضخمي، وهي معادلة يخشاها الفيدرالي بشدة، لأن الخروج منها يتطلب تضحيات مزدوجة في النمو والوظائف، ومن هنا فإن ما يحدث بين طهران وتل أبيب لا يقاس فقط بميزان الصواريخ، بل يحسب بدقة أكبر في ميزان الفائدة والقرارات الاقتصادية الكبرى التي سترسم ملامح الدورة الاقتصادية القادمة.

ويأتي ارتفاع أسعار النفط نتيجة التوترات المحتملة في مضيق هرمز، ليعيد الضغط على مؤشرات الأسعار في الولايات المتحدة، ما دفع صناع القرار النقدي الأمريكيين إلى إعادة تقييم مسار السياسة النقدية.

ورغم مطالبات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للفيدرالي بتخفيض الفائدة، وإشارات سابقة إلى التوجه نحو خفض تدريجي لأسعار الفائدة، فإن التوتر الجيوسياسي في الشرق الأوسط قد يعطل هذا المسار أو يؤجله على الأقل.

وبدأت الأسواق بالفعل في تسعير المخاطر، حيث اتجه المستثمرون نحو الذهب والدولار كملاذات آمنة، فيما شهدت أسهم الطاقة والدفاع صعودا ملحوظا، وهو ما يعكس حالة الترقب والحذر، وفي حال استمرار الصراع أو تحوله إلى نزاع مفتوح، فقد يجد الفيدرالي نفسه أمام خيار صعب،  إما رفع الفائدة مجددا لاحتواء التضخم، أو تثبيتها رغم المخاطر، تجنبا لضرب النشاط الاقتصادي والقرار في النهاية سيعتمد على المعطيات  المتوافرة، لكنه في كل الأحوال أصبح أكثر تعقيدا في ضوء ما تفرضه الجغرافيا السياسية من ضغوط جديدة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.

وشهدت الأسواق المالية والاقتصاد العالمي تقلبات حادة نتيجة المخاوف من اتساع نطاق المواجهة في منطقة الخليج، حيث تعد إيران لاعبا رئيسيا في إمدادات الطاقة العالمية، ومع أي تهديد لمضيق هرمز الذي يمر من خلاله أكثر من 20% من صادرات النفط العالمية، تقفز أسعار النفط فورا، وقد ارتفع خام برنت بنسبة 7% تقريبًا ليصل إلى نحو 77 دولارا للبرميل، فيما توقعت بنوك عالمية سيناريوهات تصل فيها الأسعار إلى 100 أو حتى 150 دولارا إذا استمر التصعيد أو تم تهديد خطوط الملاحة، ونتيجة لذلك ترتفع تكاليف النقل والإنتاج عالميا، ما يؤدي إلى تضخم مستورد ينعكس بشكل مباشر على الأسواق الأمريكية، هذا التضخم قد يدفع الفيدرالي الأميركي إلى إعادة النظر في سياسته النقدية بعد أن كان يخطط لتثبيت الفائدة أو خفضها تدريجيا خلال النصف الثاني من 2025، وفي آخر اجتماع له، أبقى الاحتياطي الفيدرالي الفائدة بين 4.25% و4.50% لكنه أشار إلى أنه يراقب بحذر تداعيات الجغرافيا السياسية على التضخم، كما رفع توقعاته لمعدل التضخم السنوي إلى 3% بدلا من 2.7%، أما الأسواق فشهدت هروبا إلى الأصول الآمنة مثل الذهب والدولار، بينما سجلت أسهم الطاقة والدفاع مكاسب ملحوظة، وأي تصعيد إضافي قد يؤجل خفض الفائدة إلى نهاية 2025 أو حتى يدفع نحو رفع محدود إذا تجاوز التضخم 3.5%، وتبقى احتمالات الفيدرالي مرتبطة بمعطيات الطاقة وأسعار النفط وسلوك المستهلك الأمريكي خلال الأشهر القادمة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق وصايا "الرمادي" للاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز في نهائي الكأس
التالى أسعار التوابل والأعشاب بأسواق بورسعيد اليوم الأحد 1 يوينو 2025