قالت صحيفة الجارديان البريطانية، اليوم الأربعاء، إن الضربات الإسرائيلية المتواصلة على إيران لم تُقضِ على البرنامج النووي الإيراني - أو طموحاتها النووية، رغم مقتل عدد من العلماء البارزين واستهداف مواقع حساسة.
وأضافت الصحيفة في تقرير تحليلي بقلم إيما غراهام هاريسون، أن القادة العسكريين الإسرائيليين وخبراء الانتشار النووي يتفقون على أن الهجمات كانت استعراضًا للهيمنة الاستخباراتية والعسكرية، لكنها لم تُلحق ضررًا جوهريًا ببنية البرنامج النووي الإيراني، الذي يتمتع بانتشار واسع وتحصينات قوية.
ورأت الجارديان أن اللجوء إلى القوة قد يُفضي إلى نتائج عكسية، قائلة: إنه "من المرجح أن تدفع هذه الحملة طهران إلى تسريع تطوير سلاح نووي إذا لم يتم تدمير البرنامج بالكامل أو التوصل إلى اتفاق دولي ذي ضوابط صارمة وصلاحيات تفتيش واسعة".

ونقلت الجارديان عن مسؤول عسكري إسرائيلي – فضل عدم كشف هويته – أن الهجمات أخرت قدرة إيران على تصنيع قنبلة نووية لبضعة أشهر فقط، بينما ذكرت شبكة CNN أن الاستخبارات الأمريكية ترى أن طهران لم تكن تسعى بجدية نحو القنبلة، وكانت تبعد ثلاث سنوات على الأقل عن صنعها، مما يجعل التأخير محدود الأثر.
وذكرت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زعم أن الهجوم كان ضروريًا لأن إيران كانت على وشك امتلاك سلاح نووي، رغم أن الخبراء يشككون في جدوى هذه الضربات دون دعم أمريكي مباشر.
البرنامج النووي أصبح لدى الشعب الإيراني ضرورة استراتيجية
كما ذكرت الصحيفة أن الهجمات الإسرائيلية حققت تأثيرًا نفسيًا داخل القيادة الإيرانية، لكنها أثارت في البداية موجة غضب شعبي واسع، خاصة بعد مقتل عشرات المدنيين، بينهم أطفال، في منازلهم، وصدور أوامر بإخلاء أحياء سكنية بالكامل، ما أثار مقارنات مريرة مع الوضع في غزة.
غير أن هذا التصعيد، ومع تصاعد الشعور بالتهديد الخارجي، أدى تدريجيًا إلى تراجع حدة المعارضة الشعبية للبرنامج النووي داخل إيران، إذ بدأ يُنظر إليه على نطاق أوسع كضرورة استراتيجية لحماية البلاد، خاصة في ظل تآكل نفوذ طهران عبر وكلائها الإقليميين.
ونقلت في السياق عن سيما شاين، الخبيرة في الشأن الإيراني والرئيسة السابقة لقسم الأبحاث في الموساد الإسرائيلي قولها: إن "الحديث داخل إيران عن القدرات العسكرية النووية بلغ مستويات غير مسبوقة خلال العام ونصف الماضيين"، معتبرةً أن قرار إيران بعدم صنع قنبلة لم يعد حتميًا ويمكن العدول عنه بسهولة.
وأضافت شاين: "إذا انتهت الحرب دون تدمير البرنامج، فمن المرجح أن تمضي إيران قدمًا في تطوير السلاح النووي".
كما رجح مسؤول عسكري غربي مطلع أن تؤدي الضربات الإسرائيلية إلى تسريع وتيرة الانتشار النووي، مشيرًا إلى أنه "إذا توفرت القدرة، فستسعى إيران بأقصى سرعة لامتلاك سلاح".
منشأة "فوردو" التحدي الأكبر أمام دولة الاحتلال
ورأت الصحيفة أن منشأة "فوردو" قرب مدينة قم، المدفونة تحت الجبال، تمثل التحدي الأكبر أمام الحملة العسكرية لدولة الاحتلال، إذ تحتوي على أجهزة طرد مركزي ومعظم مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، ولا يمكن تدميرها إلا بأقوى القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات.
وأشارت في الإطار، إلى أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي حذر من أن بلاده لا تستطيع تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالوسائل العسكرية وحدها، مؤكدًا أن الجيش يمكنه فقط تهيئة الظروف لاتفاق طويل الأمد بوساطة أمريكية.
وقالت الصحيفة: "إن نتنياهو لا يخفي تفضيله للحل العسكري، وقد شجع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على التخلي عن موقفه المناهض للحرب".
وأضافت: "أن نتنياهو يسعى أيضًا إلى تغيير النظام الإيراني، وليس فقط تدمير البنية النووية".
وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز، فالي نصر: إن الأثر النفسي للحرب على غزة يمتد إلى الداخل الإيراني.
وقال: "نحن نُقلل من حجم تأثير هذه الحرب، بما في ذلك على الإيرانيين. فمشهد قتل المدنيين أضعف أي تعاطف مع مبررات إسرائيل".
وأضاف نصر: أن تصرفات دولة الاحتلال العسكرية تعزز الشعور بأن الغرب يتسامح مع "جرائم الحرب"، مما يُعمق الشكوك حول فعالية النظام الليبرالي الدولي في كبح جماح القوة الإسرائيلية.
هجمات سيبرانية وعمليات برية تكتيك قد تتبعه إسرائيل لتدمير فوردو
ورجحت الصحيفة أن دولة الاحتلال الإسرائيلي قد تحاول تدمير منشأة فوردو بوسائل غير تقليدية، مستفيدة من أرشيف نووي كبير يُعتقد أنها استولت عليه، ما قد يُمكنها من تنفيذ عمليات تعطيل فني أو إرسال وحدات كوماندوز برية، كما فعلت سابقًا في سوريا.
وقالت: "إن هذه التكتيكات سبق أن استخدمت في منشأة نطنز، حيث دمرت غارة على خط الكهرباء أجهزة الطرد المركزي، كما نفذت إسرائيل عملية كوماندوز لتفجير مصنع صواريخ تابع لحزب الله في سوريا العام الماضي".
وأفاد المحلل الاستخباراتي أليكس جرينبرج بأن تدمير فوردو جوًا قد يكون مستحيلًا، لكنه أكد وجود بدائل، كالهجمات السيبرانية، أو العمليات البرية الخاصة.
ورأي رئيس معهد العلوم والأمن الدولي، ديفيد أولبرايت، أن الخيار العسكري غير كافٍ وحده، وأن اتفاقًا دوليًا بنظام تفتيش صارم هو الأداة الأكثر فاعلية لكبح طموحات إيران النووية.
وقال أولبرايت: إذا توقفت دولة الاحتلال الإسرائيل عن القصف، "يمكن لإيران أن تعيد بناء برنامجها، ما يعني ضرورة العودة إلى التصعيد مرة أخرى".