إنسانيات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أقسمت بالصد وما أنهك من وداد، وأقسمت بالترك وما سحق من خيانات،

وبالعوض المحلى لمرارة الخِذْلان، إن تسعة أعشار الكرامة في "التخلي"،

وأن الزَّيف منهزم بسيف الأصالة.

والطمأنية ما الطمأنية؟ أتلكم اليقظة المستكينة بمهد رضيع يهدهده أبوان أغمضا الهواتف؟
أما التكهنات فلبؤة تزأر في الرؤوس فتثير الجزع من وقع خُطًى أو نحنحة على سُلَّم حالِك نذيرًا بجسوم الأبُّ.

عدا تكهنات تضارب كلمات السر في الرؤوس.

ولي النسيان لعنق الذاكرة.

ولي الصدمات لعنق النسيان.

وعن الجمال؟ تالله زخم مكدس، منثور، مهدور، يعشى عنه المصابون برمد المشاعر. 

فغمازة كثغرة تثقب خد صبية كفيلة بتحريض قبيلتين على شن عدوان لطيف على الوجنات.

أما مطالعة التشابه في خطوط طلبة المدارس الفرنسية حال كتابتهم بالعربية فمن دواعي الابتسام.

وأواه من رعدة تنفثها قهقهة السماء لمشادة بين فقيرين يُغلظان الأقسام لدفع حساب المقهى.

والضحك بترنح حين تصلك رسالة الساعي "الأوفيس بوي"، والمدرج بها رَقَم حسابه المصرفي "اي بان" لتحويل نصاب عيديته خلال عطلة الوباء.

والبرق فرحًا لاستلام مرسول خطي من يد "بوسطجي" عمل كوسيط إنساني بينك وبين حبيب شد لك جواب من قارة بأطراف المعمورة، فطبعت قبلة على جبهة ساعي البريد ليسعى لتصل لكل البشر.

والوجل سياط على قلوب المغتربين لتلقى هداياهم رضى الأقارب.

وإعجابك بأناقة المسنين بشوارع ميلانو.

وانبهارك بعبق مداخل بنايات حي المنشية بالإسكندرية.

واعتبار:"ملامحك تبدو عراقية" مجاملة رقيقة "هوايا".

واضطراب المصري من سحر لهجة أهل الشام وعشق الشوام "للمحكية" المصرية.

والهذيان من دندنة إيراني لغنوة "سلطان قلبك".

وطرافة البخلاء.

ومقامات الكرماء.

وإخفاء علبة السجائر عن بن أم.

ورجفة أول رغوة من قناني نبيذ الغرام.

وأثر ترياق الصداقة الحنونة على سحق سموم الحياة.

وقيمة الكوة للسجين بعد كرور السنين.

والمفكر حين يكون أجبن من أي يكون جبانًا في الطرح.

والشاعر حين يكون أرق من الاجتراء على الجرح.

مغالطات ربط الكم بالمال:

فكم من حنين لوجه جدتك بالمطبخ يوم أعدت لك مربى لارنج.

وكم من بله في الاستبشار بالمرض، أملًا بلهفة القاسي والقاصي.

وكم من صوم جاء وليد اعتصام بالصمت بعد اليأس من إقناع الجهلاء بالشرب من نهر الحقيقة، فهم لا يرتوون سوى من دلاء الوهم.

وكم من عجز عن مجاراة كرم الموائد المغربية.

وكم من ترف في رائحة الويسكي بأروقة السفارات الأوروبية.

وكم من تيه في خُطا ملطخة بذكريات جاحظة ترمش اشتعالًا وخفوتَا في رأس مسن آسن، لم تخاصم قدميه أوكاره.. يصل يوميًا لطاولته بمطعم نادي القوات المسلحة بالزمالك، يعصر دمعه على الحساء ويبتلع حموضة وحدته مع كل حسوة، فيستعيد ذكريات رعونته الحامضة مع شريكته وأطفاله الذي فقدهم في حادث نزع عنه حلو المذاقات من سياق حياته.

وكم من ألق في "ضاد" بلسان بني عبد شمس.

وكم من "لولا" أبادت كل "جيد".

وكم زلزلت الجامعةُ الأمريكية ببيروت قلوب شهدت اقتحام الجِد "إيلي" لأسوارها، لحضّ حفيده –سميّه- على مهاتفته.

وكم من ترصد للغياب في حضرة القُساة انقلب لشوق للغائبين وإن عتاة.. إنه الاعتياد على قلة القيمة.. فالزقزقة الحبيسة في الحناجر، تحوم حول ساحات التحرير، عامرة بالحَب والكلأ، لكنها سرعان ما تستسلم للغازات المسيلة للخنوع.

وكم المفارقة في "الله يرحمها" حين انفلتت من لسان "لا ديني"، ذكر أمه الراحلة.. ثم شعر بالحرج لغلبة العادة على القناعة.

وكم من إثارة دون إشباع لمتقاعد رد بلهفة على اتصال هاتفي.. ثم يكون الرَّقَم خاطئًا.

وكم من ندم مؤجل على من رحلوا بعدما أنهكتهم صلاة استسقاء المودة من أفئدة القساة.

وكم من أنين للدغة عقارب الزمن ساعة يترجل الأبناء للرحيل فنتشبث بأطراف الحديث على طرف فراشهم فيما يطن تتابع أصوات غلق حقائب السفر ليغلق كل حديث.

وكم من أسف على التفريط في مقتنيات صغيرك حين كان عمره عامين.

وكم من عروس تلصصت من زيق الباب دون أن تعي أنها تتحرى أخبار التعاقد على صفقة حياتها.

وكم من بلبلة غمرت كيانك ممن أطلق عليك الرَّصاص بيمناه ثم ضمد جراحك بيسراه، واستمر في متلازمة الإيذاء بالرصاص مع التفاوض بمشرط العلاج.. رَصاص، ضماد.. رَصاص، ضماد.. رَصاص، ضماد.

ترى كم "سم" يحتاج ثوب الثقة ليستر عقب ترقيعه بثقوب المعاذير؟

وكم يباهي المفكر بسجنه والعصامي بذكريات عوزه؟

وكم من ذكر زرع الحبل ثم تنكر لحصاد صلبه.. لدمامته.

وكم من أنثى أنجبت ثم اعتذرت عن خطأ في التصنيع، إذ وضعتها أنثى!

وكم المفارقة في معاكسة الوفرة للقيمة، تلك الكفيلة بتفسير افتقاد الحلاوة إلا في كعك الجيران.

وكم هو منفر هذا التعميم للون البني بمنازل العرب. فالبني حمول، كبربة منزل سمراء بلا إرث أو وظيفة وبلا قلادة ذهبية ما يضطرهما إلى البقاء، فكلاهما يعلم أنه لم ينتق لحسنه لكن لقدرته على الصمود والتعتيم على آثار الهالك في أثاث وأساس البيوت العربية.

ولكم صدمت من غفلتي، حين عشت دهرًا أبكي الحسين بعاشوراء وحجبت الدمع عن آلاف نحروا لوصول الأسباط للسلطة.

وكم كان الغوص في قيح خيبات منتصف العمر قاسيًا حين وبختك نفسك: كيف سمحت لنصف قرن أن ينصرم من جَعْبة حياتك وآثار أديم أقدامك على الأرض شواهد عدول على إجفالك عن حلمك كما جَفَلَ القَنَّاصُ الوَحْشَ عَنْ مَرَاعِيهَا؟!

وكم هو مؤذي اشتراط تعبيد الأبناء كالطرقات لإجازة المرور في ساحات البر.

وكم تفشت جرأة دعابات المسنين/ (نات) المؤججة بسكرة الخلاعة والتي لم يجهضها سوى العجز عن اللحاق بركب النشاوى

الحق الحق أقول لكم، إنه كأس حلو، مر "سويت اند ساور" يدور على المدعوين في محفِل الحياة بلا استثناء.. وبلا هوادة.

*كاتبة مصرية

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق محافظ مطروح: 147 رحلة طيران سياحى منذ بدء موسم الصيف
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل