تتسارع التطورات في الشرق الأوسط على نحو ينذر بتحول استراتيجي خطير في بنية النظام الدولي، ويعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، بل وربما الحرب العالمية.
في قلب هذه التحولات تقف إيران، القوة الإقليمية الصاعدة، في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، ضمن صراع أكبر على النفوذ، يعكس احتضار نموذج "الأحادية القطبية" ومحاولات الغرب ترميمه.
أولاً: الخلفية الجيوسياسية للصراع
منذ سنوات، يحاول الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، هندسة واقع جديد في الشرق الأوسط، عبر مشروع يقوم على تفكيك الدولة الوطنية، وإعادة تشكيل المنطقة على أسس طائفية وعرقية، بما يضمن لإسرائيل التفوق الاستراتيجي والهيمنة الشاملة. يتكامل هذا المشروع مع أهداف اقتصادية واضحة، تتمثل في:
- التحكم المطلق بمصادر الطاقة في الخليج.
- السيطرة على الممرات المائية الحيوية كهرمز وباب المندب.
- إجهاض مشروع الحزام والطريق الصيني، الذي يهدد النفوذ الغربي التجاري والسياسي في آسيا وأفريقيا.
إيران، بما تمثله من ثقل جيوسياسي وعقيدة استقلالية معادية للهيمنة الغربية، تشكل حجر العثرة الأهم أمام هذا المشروع، ولهذا تحولت إلى الهدف الأساسي.
ثانيًا: مغامرة إسرائيل العسكرية وحدودها
مع تصاعد التوتر، حصلت إسرائيل على ضوء أخضر لشن هجمات تهدف إلى:
- تدمير البرنامج النووي الإيراني.
- إسقاط النظام الحاكم في طهران.
- تمهيد الطريق لتنصيب نظام موالٍ للغرب.
لكن، وكما تشير المعطيات الأخيرة، فإن هذه المغامرة قد فشلت جزئياً في تحقيق أهدافها:
- صواريخ إيرانية دقيقة وموجعة ضربت الداخل الإسرائيلي، وأظهرت هشاشة المنظومة الدفاعية.
- نزوح جماعي للإسرائيليين نحو قبرص، في مشهد قد يتحول إلى أزمة ديموغرافية تهدد استقرار الكيان من الداخل.
- عجز واضح عن الحسم العسكري، ما اضطر الولايات المتحدة للتدخل الصريح.
ثالثًا: التصعيد الأمريكي.. بين بالون اختبار وتصميم استراتيجي
تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضرورة "إخلاء طهران فورًا"، تزامنًا مع تحريك حاملة الطائرات نيميتز من بحر الصين إلى الشرق الأوسط، تعكس مرحلة جديدة في الصراع، وتفتح الباب أمام أحد احتمالين:
- الاحتمال الأول: تصعيد تكتيكي وحرب نفسية
قد تكون التصريحات مجرد وسيلة للضغط، واستكشاف ردود أفعال طهران وحلفائها. فإن أبدت إيران ضعفاً، يتم تحقيق الانتصار دون حرب شاملة.
- الاحتمال الثاني: قرار استراتيجي بالحرب المباشرة
وهو الاحتمال الأرجح، نظراً لفشل إسرائيل، ورغبة واشنطن في:
- استعادة هيبة القوة الأمريكية المنفردة، بعد تراجع نفوذها في ملفات كاليمن وسوريا وأوكرانيا.
- منع إيران من الخروج من الحرب قوية أو منتصرة، ما يعني تعزيز النموذج المقاوم وتقويض الردع الإسرائيلي.
- إعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية بالقوة.
رابعًا: تحريك الأوراق الإقليمية وتدويل الصراع
بالتوازي مع التصعيد، تم تحريك أدوات الضغط غير المباشرة:
- تفعيل الجماعات الكردية والبلوشية والمتشددة المناوئة لإيران.
- إعداد حفيد الشاه كرمز بديل جاهز للحكم.
- الضغط على الدول المترددة في الموقف من إيران عبر ملفات الطاقة والتحالفات.
لكن أي تدخل أمريكي مباشر لن يكون بلا ثمن، بل سيقود إلى سيناريو كارثي.
خامسًا: السيناريوهات المستقبلية وعواقب التدخل المباشر
إذا مضت الولايات المتحدة في الخيار العسكري الشامل، فإن العالم سيدخل مرحلة ما بعد الاستقرار، وتصبح الاحتمالات مفتوحة على:
- حرب إقليمية موسعة تشمل إيران، سوريا، لبنان، اليمن، والعراق.
- انخراط محتمل للصين وروسيا، ضمن حرب بالوكالة قد تتطور إلى مواجهة مباشرة.
- شلل في حركة النفط العالمية، نتيجة تعطيل هرمز وباب المندب، وارتفاع جنوني لأسعار الطاقة.
- أزمة اقتصادية عالمية خانقة، نتيجة التضخم وتعطل سلاسل التوريد.
- انهيارات داخل إسرائيل على المستويين السياسي والديموغرافي، واحتمال تصاعد الأصوات المعارضة للحرب داخلها.
- احتمال استخدام السلاح النووي، مما يفتح الباب على جحيم حرب عالمية ثالثة.