في زوايا المشهد الدرامي المصري، وبين أضواء الأبطال وكلمات المؤلفين، ثمة كاميرا تتقدّم في هدوء… تُنصت أكثر مما تتكلم، تُلامس الوجدان من دون أن تثير الضجيج. تلك الكاميرا كانت في يد رباب حسين، المخرجة التي لا تُشبه أحدًا، والتي تركت أثرًا ناعمًا، لكنه عميق، في ذاكرة الدراما العربية.
ليست من المخرجات اللواتي يلاحقهن الإعلام أو يعشقن التصريحات الرنانة، بل من الصانعات الحقيقيات اللواتي آمنّ بأن الصدق وحده يكفي لتصل الحكاية إلى القلب. في أعمالها، لا تلمع الكاميرا بقدر ما يلمع المعنى، ولا تهيمن الصورة بقدر ما يُهيمن الإحساس. كانت تقول دائمًا: “الفنّ مشهد يَصدُق أكثر مما يَظهر.”
من الظل إلى الضوء
رباب حسين التي بدأت في الظل كمساعد مخرج ومخرج منفذ، لم تكن تمرّ مرورًا عابرًا. تحت إشرافها، خرجت أعمالٌ تلفزيونية مثل “لن أعيش في جلباب أبي” بنبضٍ إنسانيّ خاص. كانت تعرف كيف تُمسك بخيوط التفاصيل، وكيف تُعيد خلق الحياة على الشاشة… دون مبالغة أو افتعال.
ثم كان لها أن تمسك الدفّة تمامًا، فكانت “حضرة المتهم أبي” من إخراجها الكامل، وهو العمل الذي جمع بين القوّة والهدوء، بين حضور نور الشريف الطاغي ولمسة رباب حسين الإنسانية. وقدّمت أيضًا “الليل وآخره”، و”يا ورد مين يشتريك”، و”قاتل بلا أجر”، و”ماما في القسم”، و”قضية معالي الوزيرة”… أعمالًا تلامس الواقع، تنبض بمشاعرنا، وتطرح الأسئلة التي نُخفيها داخلنا. في كل عمل، لم تكن فقط مخرجة، بل راوية، وشاهدة، ومُصلّية للفن في محراب الصدق.
شراكة الروح
زواجها من المخرج الكبير أحمد توفيق لم يكن مجرّد ارتباط شخصي، بل التقاء عقلين، وحوار بين مدرستين، ومرافقة إنسانية نادرة. ظلّت إلى جانبه في سنوات مرضه الطويلة، لا تكلّ ولا تشتكي، بل تُجسّد صورة الشريكة الحقيقية، القادرة على العطاء بلا ضجيج، والاحتواء بلا شروط. في أحد لقاءاتها، قالت بتأثر: “مكنتش زوجة بس، كنت جنب حبيبي وبعلّمه يحب الحياة وهو تعبان.”
إرث لن يُنسى
توقّف مسلسلها الأخير “بالحب هنعدي” في ظروف غامضة، لكن الحقيقة أنّ رباب حسين لم تكن بحاجة إلى المزيد من الأعمال لتُثبت حضورها. ما قدّمته يكفي ليبقى. يكفي ليُقال عنها إنها من المخرجات القلائل اللواتي أخلصن للدراما الاجتماعية، وعرّين الواقع من تزييفه، وزرعن في كل مشهد ضوءًا صغيرًا يُضيء للمشاهد دربًا في داخله.
رباب حسين… حضور أنثوي شفيف في مهنة صعبة، وصوت مختلف في زمن باتت فيه الصورة أحيانًا تسبق المعنى. لكنها، بطريقتها، كانت دائمًا تجعل المعنى أوّلًا… وآخرًا.