هل تمنع مصر التظاهرات أمام معبر رفح؟ بين ضرورات الأمن وحدود التضامن الشعبي

الأحد 15/يونيو/2025 - 12:10 م 6/15/2025 12:10:37 PM

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، بات معبر رفح رمزًا للغضب الشعبي العربي، وواجهة رمزية لكل أشكال التضامن مع الفلسطينيين. وبينما تتصاعد الدعوات لتنظيم فعاليات أمام المعبر، عاد الجدل للواجهة بعد توقيف قافلة “الصمود” الدولية في يونيو 2025. هل يعني ذلك أن مصر ترفض تمامًا التظاهر على حدودها؟ أم أن ما يجري هو موازنة دقيقة بين ضرورات السيادة ومشاعر الشارع؟
الأمن القومي أولًا: رؤية الدولة المصرية
الموقف الرسمي المصري لا يطرح رفضًا قاطعًا لفكرة التضامن الشعبي مع غزة، لكنّه يضع سقفًا واضحًا لهذا التضامن حين يقترب من المناطق الحدودية. فمعبر رفح لا يقع في مساحة عادية، بل في نقطة شديدة الحساسية أمنيًا وجغرافيًا، شهدت خلال السنوات الماضية مواجهات عنيفة مع تنظيمات مسلحة في سيناء. وبالتالي، ترى الدولة أن أي تجمع شعبي غير منظم قد يكون فرصة لاختراق أمني أو فوضى غير محسوبة.
من هنا، تُصرّ السلطات على أن أي نشاط سياسي أو تضامني في محيط المعبر يجب أن يخضع لتنسيق أمني مسبق. الأمر لا يرتبط فقط بالمخاوف الداخلية، بل يتعداه إلى ما هو إقليمي ودولي، فالقاهرة تتحرك في ساحة مزدحمة بالمواقف والمصالح، وتدرك أن أي تصعيد غير محسوب قد يُستغل ضدها، أو يُفسّر كتحيّز لطرف على حساب آخر في الصراع.
أصوات الشارع: تضامن حقيقي رغم الرقابة
ورغم هذه القيود، فإن التعبير الشعبي في الداخل المصري لم يُقمَع كليًا. بل شهدت الشهور التي أعقبت 7 أكتوبر تظاهرات عديدة، أبرزها:
يناير 2025: آلاف المصريين تظاهروا قرب معبر رفح رفضًا لسيناريو تهجير سكان غزة إلى سيناء، بمشاركة نواب وشخصيات عامة، فيما رفرفت الأعلام المصرية والفلسطينية جنبًا إلى جنب.
أبريل ومايو 2025: خرجت حشود من العريش ورفح تندد بالعدوان، رافعة شعارات مثل “غزة خط أحمر” و”لن نكون بوابة التهجير”.
إلى جانب احتجاجات رمزية في القاهرة والجامعات ونقابات الصحفيين، ما يعكس أن الدولة لم تمنع التعبير كليًا، بل تُديره وتضبطه وفقًا لحسابات ظرفية.


هذه الحالات تُظهر أن الدولة المصرية تتبنى نهج الانتقائية المدروسة، لا الرفض الكلي، حيث تسمح ببعض الفعاليات في مناطق محسوبة ومراقبة، بعيدًا عن النقاط الحدودية.
تجربة “قافلة الصمود”: حدود السيادة تبدأ من رفح
قافلة “الصمود” الدولية شكّلت حالة اختبار حقيقية للعلاقة بين التضامن الشعبي والسيادة الوطنية. فعلى الرغم من نوايا المشاركين الداعمة لغزة، فإن غياب التنسيق المسبق مع الجهات المصرية، وسعيهم للوصول إلى معبر رفح بشكل مباشر، اعتُبر خرقًا صريحًا لقواعد السيادة.
السلطات أوقفت القافلة في الإسماعيلية، وتم ترحيل بعض المشاركين – بينهم أوروبيون وعرب – بحجة ممارسة نشاط سياسي دون تصريح، وأكّدت مصر أن المشكلة ليست في التضامن ذاته، بل في الطريقة التي تم بها تنفيذه خارج الأطر القانونية.
بين الأمن والتضامن: قراءة متوازنة للموقف المصري
ليس من الدقة اختزال الموقف المصري في خانة المنع أو التضييق، تمامًا كما لا يمكن اعتباره انفتاحًا غير مشروط. فالمشهد المصري يقوم على معادلة معقدة: دعم سياسي ودبلوماسي واضح للقضية الفلسطينية، وتيسير دخول المساعدات لغزة، مقابل إصرار على ألا يتحول التضامن الشعبي إلى ثغرة أمنية أو ورقة ضغط دولية.
بمعنى آخر، مصر لا تمنع التضامن، لكنها تحدد مكانه وشكله وتوقيته، وتحصره غالبًا في الداخل أو عبر منصاتها الرسمية والإعلامية.
في الختام: الهامش المفتوح للتعبير
تلعب مصر دورًا مزدوجًا: وسيطًا إقليميًا حذرًا يحافظ على قنوات الاتصال مع كل الأطراف، ودولة ذات سيادة ترفض أن يُملى عليها شكل التضامن من الخارج أو أن تُستخدم حدودها كمنصة ضغط سياسي.
ورغم كل التحفظات والضوابط، يبقى هناك هامش – وإن كان ضيقًا – لصوت الشارع أن يُسمع، سواء في النقابات أو الجامعات أو حتى في بعض الميادين. ربما لا يُفتح هذا الهامش عند بوابة رفح، لكنه لا يُغلق تمامًا أيضًا، وهو ما يجعل الموقف المصري أكثر تعقيدًا من مجرد “منع” أو “سماح". 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق في ظل تفنيد الشائعات.. بن ناصر يحل بقطر !
التالى مشاهدة مباراة بوتافوجو وسياتل ساوندرز بث مباشر الآن في كأس العالم للأندية (فيديو)