الفقد جزء من دورة الحياة الطبيعية، ومع هذا فإن معظمنا لم يعد نفسه للتعامل مع هذا الحدث حين يقع، ورغم ذلك فإن أتعس حياة يمكن للمرء أن يعيشها هي التي لا يجد فيها شخصًا أو شيئًا يهتم به للدرجة التي يتألم فيها لفقده.
الطلاق والموت هما أول ما يتبادر لأذهاننا حين نسمع كلمة الفقدان لكن للأسف هناك أحداث كثيرة تنفطر لها قلوب الناس، فهناك عدم القبول من الآخر والفشل والإقصاء والانعزال.
ماذا يحدث لك عندما تتعرض للفقد؟
عندما تتعرض للفقد يمكن أن ينحرف مزاجك ولا تميل للاتصال بالآخرين، وقد يحدث لك تغير في الشهية وصعوبات في التركيز وصعوبات في النوم وفقدان الرغبة في أشياء كنت تحبها أو إرهاقًا أو ضعفًا في الطاقة أو قلقًا لكن إذا استمرت المعاناة لأكثر من بضعة شهور أو بدأت تفكر في الانتحار أو بدأت تظهر عليك أعراض هلوسة فلا شك أنك تحتاج الى مساعدة طبية متخصصة.
من الممكن أن تعاني خلال أسبوعين بعد حدث الفقد أو حتى خلال سنتين من مشاعر متصلة بالغضب والحزن فهذا أمر طبيعي، وليس هناك جدول زمني محدد ينبغي أن تعود خلاله حياتك الطبيعية، لك أن تشعر بالأسى وأن تبكي، هذا الأمر صحي وبعض الناس يسمى ذلك تطهيرًا أو تفريغًا للمشاعر المكبوتة لديك.
أيًا كان من فقدت أريدك أن تعرف أنه هناك الكثير من العواطف والمشاعر التي يمكن أن تنتابك من جراء ذلك الفقد، وبعض هذه المشاعر تؤلمك على نحو عميق كالغضب والفزغ والخوف والسخط والصدمة وقد تبكي بشدة حتى تتورم عيناك وقد تصاب بالذهول فلا تبكي على الاطلاق وسواء بكيت أو ذهلت فلا يمكن الحكم بالصواب أو الخطأ على أي من الفعلين.
بعد مرور الأيام والأسابيع لا تندهش إذا شعرت بالتوتر والقلق أو توترت علاقاتك بأصدقائك أو أقاربك أو زملاء العمل فحين تنهك أعصابك وتستنزف مشاعرك يصعب عليك التواصل مع من حولك ومهما حسنت نواياهم فإنك ترى أن كلماتهم أو أفعالهم مزعجة ومثيرة للاضطراب فمثلًا لو أصيبت أم بالإجهاض وحاول الأقارب والأصدقاء مواساتها بعباراة من قبيل "لديك طفل آخر على الأقل" أو أنت صغيرة ويمكنك الإنجاب ثانية، هذا الكلمات توجع الأم أكثر لأنه يبدو لها وكأنهم يقولون صغيرها ليس أكثر من شيء يمكن استبداله بسهولة.
يرى كثير من علماء النفس أنه من المفيد معايشة عملية الحزن بكاملها وليست هناك مدة محددة للتعافي عليك أن تكون واقعيًا وصادقًا مع نفسك وسوف تعرف حينها المدة المناسبة بالنسبة لك.
عندما تصاب بالفقد تشعر بالحزن، هذا الحزن ليس ألمًا سوف يبقى كما هو بقية حياتك رغم أنك أحيانًا قد تشعر بذلك. عليك أن تكون على يقين من أنك ستجتاز هذا الوقت العصيب وأن تحافظ على أملك في أن ينقشع عنك هذا الوجع وعليك أن تكون صبورًا مع ذاتك وأن تدرك أنك الوحيد الذي ينبغي عليه النهوض من هذه الكبوة من أجل نفسك وما تبقى من حياتك وأن تختار واعيًا المضي قدمًا في الحياة
ليس كل الفقد نهاية
ليس بالضرورة أن يكون الفقد نهاية، فقد يكون أيضًا بداية قد يصعب عليك إدراك ذلك في مستهل الحادث لكن بمجرد أن تجتاز الأمر أو تتقبله سواء كان فقدا لموت أو لرفض أو لفشك سوف تدرك أنه ما زال في حياتك الكثير مما يمكنك القيام به.
الفقد بالنسبة للمتزوجين
إن كنت متزوجا فإن تجربة الفقد قد تضغط بشدة على علاقتكم كزوجين، ورغم أن المأسي توحد بين من يعايشونها فإن بعضها يأتي بالفراق خصوصا عنندما يكون لكل طرف شكل مغاير في حزنه. إن فقد الابن قد يكون هو الأقسى على الزوجين وقد يلوم أحدهما الآخر أو كلاهما لذا فمن المهم أن يقوم الطرفان بطلب الاستشارة من اختصاصي في الصحة الذهنية لخلق تواصل عالي المستوى والمحافظة عليه والمساعدة في الحيلولة دون التأثير سلبا على العلاقة.
حين نفقد من نحب!
إن اليوم الذي تواجه فيه فقد اقرب الناس اليك سيكون اشد ايامك وحدة لا تندهش ان شعرت ان المقربين اليك ينسحبون من حولك تدريجيا او فجاة ليس لانهم لا يهتمون بامرك لكن لانهم لا يدرون ماذا يقولون؟ او ماذا يفعلون؟
قد تشعر بالذنب بعد اسابيع او اشهر من حادث الفقدان وقد يكون السبب هو عدم قدرتك على انقاذ فقيدك من الموت او لمجرد انك تحيا بعده حياتك الطبيعية وإن مر يوم لم تفكر في فقيدك الراحل وقد يحدث هذا او لايحدث فانك تشعر بالذنب لانك تنساه
ان تعافيك من الم الفقد لا يعني بالضرورة ضعف حبك للفقيد وان عمق واتساع وطول حزنك على الفقيد لا يعكس مقدار حبك ورعايتك له فمن الخطا اعتبار ان حداد سنيتن بدلا من سنة يعني حبا اكبر للفقيد الامر ليس على هذا النحو والغالب ان الفقيد لا يعجبه ان يدوم الشوق والرغبة فيما لا يمكن استرجاعه
الفقد جراء الطلاق
حين تخوض تجربة الطلاق فلعلك تختبر العديد من العواطف التي تحدث في حالة الوفاة فالطلاق في النهاية هو موت العلاقة والتي ربما تكون في حالة حداد عليها وقد تشعر بغضب عارم يغلي بداخلك وهي طريقة تعبير عن إحساسنا بالجرح وبالخوف وبخيبة الأمل.
عدد هائل من النساء بعد الطلاق وددن لو مات ازواجهن بدلا من وقوع الطلاق خاصة في حالة وجود أطفال بينهما حيث يصبح التواصل حتميا وهذا التواصل يصبح مثل الموت ألف مرة وإحياء لألم الفقد لشهور ولسنوات مقبلة.
قد يحيط بك الخوف فتعاني من الوحدة خاصة إذا كانت علاقتكما قد امتدت لزمن طويل حتى انك لم تعد تذكر كيف كان حالك حين كنت بمفردك ويزداد الوضع سوءا إن كان لديك اطفال فتندفع الاف الاسئلة في راسك عن كيفية تسيير الحياة الجديدة وكيف ساقوم بدور الاب والام معنا وكيف ساساندهم؟ مع اي منا سيعيشون؟كيف اجتاز بهم هذه المرحلة دون ان تتاثر مشاعرهم
الأطفال ضحايا الطلاق
لا تكون الحياة بعد الطلاق سهلة وغالبا ما يكون الأطفال هم من يدفعون الثمن وللتقليل من خسائرهم من المهم تفهم حاجات الأطفال الأساسية في تلك المرحلة والوفاء بها
- القبول والدعم، من كلا الوالدين خصوصا إذا كانوا صغارا جدا حتى يتسنى لهم التوافق مع نمط حياة والديهم الجديدة بعد أن استقل كل منهما بحياته
- ضمان الأمان، إن حياة الأطفال ستهتز بعمق لهذا الحدث لذا من الضروري التأكد من أن الحماية التي توفرت لهم في الاسرة سوف تبقى قوية رغم ما حل من تغيير كبير في حياتهم
- التحرر من الشعور بالذنب، غالبا ما يلوم الاولاد انفسهم على انهيار الزواج وقد يعتقدون ان سلوكهم السيئ سبب في ذلك لذا من المهم التاكيد عليم انهم لا ذنب لهم فيما جرى
- النظام والقواعد، احرص على الحفاظ على جداول ونظم محددة والتزم بها فاطفالك في حاجة اكثر من اي وقت مضى لتثبيت واستقرار كل جوانب حياتهم
- رب الأسرة المتوازن هو من يملك القدرة على معالجة الوضع الجديد قد تشعر بالضعف وعد م القدرة على المواجهة لكن عليك ان تظهر امام ابنائك انك بافضل حال
- ليس على اطفالك مهمة مداواة الامك، ولا تثقلهم بمواقف لا يمكنهم السيطرة عليها ولا تطلب منهم التعامل مع مشاكل البالغلين وكن حساسا نحو حالتهم العاطفية وساعدهم في التعامل مع مشاعرهم
المرأة والطلاق
قد تشعرين بالمرارة لأنه ألقى بحياتك في الفوضي وذهب ليحيا حياة جديدة وتركك تصارعين للبقاء خاصة ان كان انفصاله لمرافقة شريكة حياة جديدة، وان كنت ربة منزل فستضطرين للبحث عن عمل والمعاناة من ترك الاطفال وحدهم، إن مجرد التفكير في العودة للعمل امر مخيف لان مهارات عمل تركته منذ زمن لن تكفل لك بالضرور ة ما يسد الرمق فضلا عن احتمال نسيان هذه المهارات بمرور الزمن
قد تعانين أيضا من الشعور بفقدان ما كان بينكما كزوجين ومن بين ذلك الاصدقاء حتى ان بعض افراد اسرتك قد يصبحون اقل تعاطفا معك وهو ما يصيبك بسحظ حقيقي
قد تنشا لديك ما اسميه بالذاكرة الانتقائية عقب الطلاق ان تتذكري فقط ما كان به من محاسن
وما فعله من أجلك وتنسين كذبه عليك وكل ما أدى لحدوث الطلاق. إن نفسك تزين لك العودة لتلك العلاقة وتصور أن الأمور لم تكن بهذا القدر من السوء والغالب أنكما قد تعودان لبعضكما البعض وبعد عدة أيام قليلة يقول أحدكما للآخر هذا ما كنت امقته فيه طوال السنوات الماضية لذا لا يجب ان تعودا لبعضكما في لحظة ضعف اوضيق من الوحدة إن أردتما العودة لبعضكما فلا بد من العمل الجاد من كليكما بمعاونة المختصين لعمل اصلاح حقيقي للعلاقة.
هناك الكثير من أشكال الفقد في حياتنا وعلى الرغم من أنها لا تكون مثل ألم الفقدان أثر موت أو طلاق فإنها تجرحنا بشدة ففقدان صداقة أو فقدان حضانة طفل أو فقدان عمل أو حلم أو فقدان القبول الاجتماعي ونحن نحزن لكافة أنواع الفقد التي نتعرض لها بمقادير متباينة لكن الألم الذي نعانيه يكون قاسيا في كل الأحوال ولكن وكما قلت أن مشاعر الحزن والالم لن تدوم للأبد وأيا ما كان تتعرض له عليك أن تحكم سيطرتك عليه، وأن تتحلى بالأمل وأن تكون صبورا على نفسك وان تعطي نفسك فرصة لقبول ما جرى وان تختار دعم ذاتك وتدعم ما تبقى من حياتك وتمضى للامام ولا تنتظر تعافيا كاملا من ازمة قاتلة خلال عام لا اكثر.
خذ حماما اصلح حال شعرك اصلحي زينتك أو اذهبي لمصفقة شعر واذهب للعمل أو اذهب لدور العبادة وواصل حياتك فالاكتفاء بتلقي الدعم من اصدقائك وعائلتك لن يزيد حالك الا سوءا
ماذا تفعل حين يقاسي من تحب مرارة الفقد؟
سيكون من الصعب أن تجد ما تقول أو تفعل، وهذه بعض نصائح يقدمها لك دكتور فيل ماكجرو أستاذ علم النفس لمساعدتك في الخروج بمن تحب من تلك الأزمة الصعبة
- في الوقت المناسب، تحدث عن مصابهم.قد ترى أنه من الأفضل تجنب الحديث في الأمر –ربما لشعورك بعدم الارتياح – لكن الحديث في مصابهم هو غاية ما يريدون
- كن مستمعًا جيدًا
- تفقدهم دائما بالهاتف أو بالبريد الالكتروني
- ساندهم بطريقة عملية – احتضنهم، استمع إليهم، أو اجلس معهم صامتًا. إن مجرد احساسهم بوجود أحد بجوارهم يساعدهم
- دعهم يظهروا حزنهم، ولا تنكر أو تحقر من حزنهم بقولك "لتتجاوز الأمر"
- إن وجدت مناسبة، قص عليهم تجربتك المشابهة دون أن تصرف تركيزك عن صاحب المعاناة ذاته
- قم ببعض المهام البسيطة التي يحتاجون المساعدة فيها كنقل الأولاد من مدارسهم والتسوق بدلا منهم وبعض الامور المنزلية كرعاية حيواناتهم المنزلية