أكد عدد من خبراء الاقتصاد أن التصعيد العسكرى بين إسرائيل وإيران يهدد استقرار الاقتصاد العالمى، خاصة فى قطاعات الطاقة والنقل وسوق السلع الأساسية.
وأوضح الخبراء، لـ«الدستور»، أن منطقة التوتر تعد شريانًا رئيسيًا لصادرات النفط والغاز، وأى تهديد لأمن المضائق والممرات البحرية، مثل هرمز وباب المندب، ينعكس على شكل قفزات فى أسعار الطاقة وتكاليف الشحن والتأمين، ما يدخل الاقتصاد العالمى فى موجة جديدة من التضخم المرتفع وعدم الاستقرار.
وأشاروا إلى أن حالة عدم اليقين الناتجة عن التوتر السياسى تضعف بيئة الاستثمار فى الأسواق الناشئة، ومنها دول الشرق الأوسط، إذ يعد الاستقرار السياسى والأمنى أحد الشروط الأساسية لجذب رءوس الأموال الأجنبية، ونتيجة لذلك هناك تقلبات حادة فى الأسواق المالية، وتواجه البنوك المركزية معضلة فى تحديد السياسات النقدية المناسبة، ما قد يؤثر على النمو الاقتصادى ويعمق الفجوات التجارية والمالية فى عدد من الدول، خصوصًا المستوردة للطاقة والغذاء.
وقال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى، نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، إن اليوم الأول من التصعيد العسكرى، الذى بدأ بضربات إسرائيلية استهدفت منشآت داخل إيران ورد الأخيرة بهجمات مضادة- حدثت فيه تقلبات غير مسبوقة فى الأسواق.
وأضاف «غراب»: «قفزت أسعار النفط بنسبة تجاوزت ١٢٪، ليتخطى سعر البرميل حاجز الـ٧٥ دولارًا، وسط توقعات قوية بأن يستمر فى الارتفاع ليصل إلى ما يزيد على ١٠٠ دولار فى حال استمرار العمليات العسكرية، بسبب المخاوف من تعطل الإمدادات أو استهداف منشآت النفط والغاز فى المنطقة».
ولفت إلى ارتفاع أسعار الذهب لتصل إلى نحو ٣ آلاف و٤٣٨ دولارًا للأوقية، مع توقعات بأن تلامس حاجز ٣ آلاف و٥٠٠ دولار خلال الأيام القليلة المقبلة، فى ظل لجوء المستثمرين إلى الذهب كملاذ آمن وسط هذه الأجواء المتوترة.
وحذر من أن التصعيد بين الطرفين يهدد سلامة ممرات الطاقة العالمية، لا سيما مضيق هرمز، الذى تمر عبره نحو ٢٠٪ من صادرات النفط العالمية، ومضيق باب المندب، الذى يمر من خلاله ما يقرب من ٦ ملايين برميل نفط وغاز يوميًا.
وأكد أنه فى حال إغلاق أى من هذين الممرين الحيويين، فإن العالم سيواجه شللًا تامًا فى حركة التجارة البحرية، مع ارتفاع غير مسبوق فى تكاليف الشحن والتأمين، الأمر الذى سيؤدى إلى تضاعف أسعار الوقود وسلع أساسية أخرى.
وذكر أن التصعيد العسكرى ستكون له انعكاسات مباشرة على سلاسل التوريد العالمية، إذ ستؤدى الاضطرابات الأمنية إلى تعطيل حركة التجارة ورفع تكاليف النقل والتأمين، ما ينعكس بشكل مباشر على أسعار السلع الاستراتيجية كالقمح والزيوت والمعادن والمنتجات الصناعية، وهذا من شأنه أن يضيف أعباءً جديدة على كاهل الدول المستوردة، خاصة تلك التى تعتمد بشكل كبير على الواردات لتلبية احتياجاتها الأساسية.
وتابع: «هذا المشهد المعقد يسهم فى رفع معدلات التضخم بشكل واسع، ويزيد من الضغوط على ميزانيات الدول، خصوصًا دول الشرق الأوسط، التى ستعانى من ارتفاع تكلفة الواردات واضطراب الأسواق المحلية وازدياد حدة التقلبات فى أسعار الصرف».
ونوه بأن حالة عدم اليقين التى خلفها التصعيد تنعكس سلبًا على حركة رءوس الأموال، خصوصًا فى الأسواق الناشئة، إذ تفضل رءوس الأموال الأجنبية عادة الاستثمار فى بيئات مستقرة سياسيًا وأمنيًا، وهو ما يفتقر إليه الشرق الأوسط فى ظل هذه الظروف.
وقال إن هذه التوترات تجعل من الصعب على البنوك المركزية اتخاذ قرارات حاسمة بشأن أسعار الفائدة، إذ تصبح هذه المؤسسات مجبرة على الموازنة بين مكافحة التضخم وتحفيز النمو الاقتصادى، فى بيئة غير مستقرة ومليئة بالمخاطر. وهو ما قد يعوق الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار المالى وتحسين الأداء الاقتصادى فى المديين القصير والمتوسط.
وأشار إلى أن التصعيد سيكون له أثر سلبى واضح على قطاع السياحة فى المنطقة، مع تراجع أعداد الزوار والسياح القادمين بسبب المخاوف الأمنية. وهذا بدوره يؤدى إلى فقدان مصدر مهم من مصادر العملة الأجنبية، وهو ما يضع مزيدًا من الضغط على العملات المحلية، فى ظل توجه المستثمرين نحو الملاذات الآمنة مثل الذهب والدولار والين اليابانى.
وأوضح أن هذا التراجع فى قيمة العملات المحلية سيؤدى إلى مزيد من ارتفاع الأسعار، وزيادة معدلات التضخم، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، ما يؤدى إلى أزمات معيشية متصاعدة فى بعض الدول، لا سيما ذات الاقتصادات الهشة أو تلك التى تعانى من عجز فى الميزان التجارى.
من جهته، حذر الدكتور محمد سعد الدين، رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات، رئيس جمعية مستثمرى الغاز المسال، من الآثار السلبية لهذا التصعيد على الاقتصاد المصرى، موضحًا: «التصعيد العسكرى بين إسرائيل وإيران يؤدى إلى زيادة حادة فى أسعار النفط والغاز عالميًا».
وأضاف «سعد الدين» أن هذا الارتفاع ينعكس سلبًا على تكلفة الإنتاج فى مصر، خاصة فى الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة. وأشار إلى أن مصر، رغم اكتفائها الذاتى من الغاز الطبيعى، قد تواجه تحديات فى تأمين إمدادات الطاقة بأسعار مناسبة نتيجة للتقلبات العالمية.
ولفت إلى أن التصعيد العسكرى يزيد من حالة عدم اليقين فى أسواق الطاقة، ما قد يؤدى إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية فى قطاع الطاقة المصرى. ولفت إلى أن مصر نجحت فى جذب استثمارات كبيرة فى السنوات الأخيرة، ولكن استمرار التوترات قد يؤثر سلبًا على هذه الاستثمارات.
ودعا إلى ضرورة تعزيز الأمن القومى للطاقة فى مصر من خلال تنويع مصادر الطاقة، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتطوير البنية التحتية للقطاع. وأشار إلى أن مصر تمتلك إمكانات كبيرة فى مجال الطاقة المتجددة، خاصة فى طاقة الرياح والطاقة الشمسية، التى يمكن أن تسهم فى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفورى.