على الأريكة الطويلة التي تُشبه كثيرًا تلك الموجودة في أقسام الشرطة، تجلس عشرات الأرامل متشحات بالسواد، مصطفات جنبًا إلى جنب في صمت ثقيل.
الأريكة صُممت لتتسع لأكبر عدد ممكن من المنتظرات، وكأنها تشهد على طابور الحزن الجماعي.
كل واحدة منهن تحمل في يدها ملفا وفي قلبها وجعا، تنتظر لساعات طويلة حتى يحين دورها، وربما بعد هذا الانتظار المنهك، تخرج الموظفة بنظرة لا مبالاة، لتقول لها: "أوراقك ناقصة.. كمليهم وارجعي تاني"، كلمات سهلة تلقيها الموظفة، لكنها تسقط على الأرملة كالصاعقة، فتعود بخطوات مثقلة، تحمل هما جديدا فوق همها، وتشعر وكأنها سقطت في دوامة بلا نهاية.
دوامة بدأت منذ لحظة فقدان شريك حياتها، وتحولت إلى متاهة من الإجراءات والأوراق والخطوات التي لا تفهمها ولا تجد من يشرحها، وتظل تدور فيها لسنوات حتى يكبر صغارها الذين جاءت من أجلهم، ويصلون إلى سن الـ 21 عاما، لتكتشف أن عمرها ضاع بين طوابير الانتظار، والروتين القاتل، وموظف لا يرحم وقانون لا يعرف معنى المرونة.
على هذه الأريكة، يتم سرد آلاف القصص المؤلمة، والغريب أنه مع مرور الوقت، قد تتحول هذه الأريكة من مجرد مكان انتظار إلى ملاذ يلامس فيه كل واحدة منهن قليلا من الراحة، بعد شقاء الدوران بين مكاتب الموظفين، حيث لا تجد من يحنو عليها سوى هذه الأريكة الصامتة..
تابعونا في سلسلة مقالات قادمة لنروي قصص أرامل أريكة الحزن الجماعي، وسط جدار النيابة الحسبية.