يستعد القاضي نواف سلام لتسلم رئاسة الحكومة اللبنانية، بعد حصوله على أغلبية الأصوات بمجلس النواب، أمام منافسه نجيب ميقاتي، الذي نال تسعة أصوات فقط مع امتناع أكثر من 35 نائبًا عن التصويت.
يأتي ذلك في وقت تصاعدت فيه التحديات الداخلية والخارجية تواجه نواف رفقة رئيس الجمهورية جوزيف عون الذي جاء بعد أكثر من عامين من شغور منصب الرئيس.
وقال الكاتب السياسي اللبناني أحمد يونس، إن اختيار نواف سلام رئيسًا للحكومة جاء في ظل تقلبات واضحة في اللحظات الأخيرة، إذ غيرت بعض الكتل النيابية مواقفها الداعمة لميقاتي، ما أدى إلى فوز نواف سلام المفاجئ.
وأوضح "يونس" في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن هذا التطور أثار ردود فعل قوية، خصوصًا من جانب "كتلة الوفاء للمقاومة" التي تمثل "حزب الله"، مشيرًا إلى أن رئيس الكتلة، النائب محمد رعد، صرح بأنهم تعاونوا في السابق على تحقيق وفاق وطني يتماشى مع تطلعات جميع الأطراف، لكن نتيجة الانتخابات الأخيرة أظهرت أن اليد التي كانت ممدودة للتعاون قد قُطعت، ما يعكس خيبة أمل كبيرة لدى الكتلة.
وأضاف "يونس" أن هذا الحدث قد يؤدي إلى تغيرات جذرية في خيارات الكتلة الشيعية، ما يثير تساؤلات حول مستقبل مشاركتهم في الحكومة الجديدة.
وحول توزيع الحقائب الوزارية، خاصة أن وزارة المالية، التي تعد من أهم الحقائب الوزارية وتعرف بـ"التوقيع الثالث" في الحكم اللبناني، قال يونس ظلت لفترة طويلة حكرًا على الطائفة الشيعية، إذا تغير هذا التوزيع التقليدي، فقد يؤدي إلى تصعيد سياسي، وربما انسحاب "الثنائي الشيعي" من الحكومة ليشكل معارضة قوية في البرلمان.
وأوضح "يونس" أن هذه التحولات تأتي في ظل تساؤلات عما إذا كان اختيار الوزراء في الحكومة الجديدة سيكون وفقًا لمعايير الكفاءة والتكنوقراط أم أنه سيستمر على أساس المحاصصة الطائفية والحزبية التقليدية.
ولفت إلى أنه من التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة قضايا كبيرة تشمل الإصلاحات المالية والاقتصادية، معالجة أزمة المودعين والبنوك، واستعادة أموال المواطنين المحتجزة.
كما يشكل الوضع الأمني تحديًا مهمًا، حيث يتطلب دعم الجيش وتعزيز دوره في حماية الحدود، مع ضرورة تحسين العلاقات مع الدول العربية والدولية واستعادة الثقة التي فقدتها لبنان خلال السنوات الأخيرة.
وأكد أن التوتر الحالي قد يتفاقم إذا شعر أي طرف بالطائفية أو التهميش، ما قد يعيد البلاد إلى حالة من الانقسام العمودي بين شرائحها المختلفة، ومع ذلك، يرى المراقبون أن الحل يكمن في توافق الأطراف كافة على برنامج وطني شامل ينهض بلبنان من أزماته السياسية والاقتصادية، لكن الخلافات الراهنة، إذا لم تُحل سريعًا، قد تعرقل هذا البرنامج وتحول صفحة جديدة من الأمل إلى مرحلة من الغموض وعدم الاستقرار.
واختتم "يونس": "يدرك الجميع أن لبنان يمر بمرحلة دقيقة تتطلب التكاتف والتعاون لمواجهة التحديات الكبيرة، أي محاولة لإقصاء أو تهميش طائفة أو كتلة سياسية على حساب أخرى قد تدخل البلاد في نفق مظلم، يهدد بتعطيل الأداء الحكومي ويعمق الأزمات التي تواجه الدولة".
دربج: تحديات تواجه الحكومة الجديدة
من جهته، أكد المحلل السياسي اللبناني علي دربج، أن التدخل الأمريكي في الشأن اللبناني أصبح واضحًا بشكل كبير، حيث تُرجمت نتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان إلى واقع سياسي جديد.
وحذر دربج في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، من احتمال استبعاد المكون الشيعي من الحكومة الجديدة، مشيرًا إلى أن هذا السيناريو سيؤدي إلى تشكيل حكومة تفتقر إلى الميثاقية.
وأكد أن استبعاد مكون أساسي وقوي في البلاد سيخلق أزمة سياسية خطيرة، لن تكون في مصلحة رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية، العماد جوزيف عون. وأضاف أن الولايات المتحدة، رغم تأثيرها الكبير، لن تغامر بارتكاب خطأ بهذا الحجم، لأنها تدرك تعقيدات المشهد اللبناني وحساسية مكوناته.
وأشار “"دربج" إلى أن التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة متعددة ومعقدة. أبرز هذه التحديات تشمل مواجهة الخروقات الإسرائيلية وضمان الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال، بالإضافة إلى إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
كما لفت إلى الأزمات المتراكمة، مثل قضية النازحين السوريين، وإعادة الاستقرار النقدي، واستعادة الثقة بالحياة السياسية والمؤسسات الدستورية، خاصة القضاء.
وشدد على أهمية إطلاق ورشة لإحياء المؤسسات الدستورية اللبنانية لضمان عودة الاستقرار السياسي.
وقال دربج إن لبنان يقف على مفترق طرق حساس، بانتظار ما ستئول إليه الأمور في ظل التدخلات الخارجية والتوازنات الجديدة. وحذر من أن أي قرارات غير مدروسة قد تؤدي إلى تفجير الأوضاع السياسية وتعميق الأزمات التي تعاني منها البلاد.