الأحد 12/يناير/2025 - 10:00 ص 1/12/2025 10:00:03 AM
لم تكن زينب البكري وحدها هي التي تبرجت، وربما نلتمس لها العذر، فهي كانت وقتها فتاة صغيرة لم تتعدي الستة عشرة عاما، كانت هناك امرأة أخري اسمها هَوَى كانت متزوجة من المملوك إسماعيل الكاشف المعروف بالشامي، ، فلما جاء الفرنسيين تبرجت مع المتبرجات، تعرفت على فرنسي اسمه نقولا وأقامت معه، وتخلت عن زوجها المملوك، وعندما بدأت بوادر هزيمة المصريين امام الأتراك، وعرفت هَوَى انه من الممكن ان ينتقم العثمانيين منها، تركت خليلها الفرنسي، نزلت من القلعة ممتطية حمار ومتاعها على حمار آخر، فنزلت عند العطف، واختفت بمصر، روي لنا الجبرتي قصة هروبها والبحث عنها، ويقول ان الفرنسيين احضروا حكام الشرطة وطالبوهم بالبحث عنها، وألزموهم بإحضارها لخليلها نقولا والذي يبدو انه كان ذو حيثية في الجيش الفرنسي. وقبض الفرنسيون على المكارية، فقالوا: لا نعلم غير المكان الذي أنزلناها فيه، وقبضوا أهالى حارة العطف وحبسوهم، وأحضروا مشايخ الحارات وشددوا علىهم وعلى سكان الدور، وأعلموهم إن وجدت المرأة في حارة من الحارات ولم يخبروا عنها نهبوا جميع دور الحارة وعاقبوا سكانها، وحصل للناس غاية الضجر والقلق بسبب اختفائها، وكان أحد أصحاب الشرطة واسمه عبدا لعال أكثرهم حماسا، فكان يلبس ملابس النساء ويدخل البيوت بغرض التفتيش عليها، فيزعج أرباب البيوت والنساء ويأخذ منهن مصالح ومصاغا، ويفعل ما لا خير فيه ولا يخشي خالقا ولا مخلوقا. وفشلت الشرطة الفرنسية في العثور عليها. ولما جاء العثمانيون بعد أسابيع كان معهم إسماعيل الكاشف زوج هَوَى، وتمكن من الاهتداء الى مكانها، وهدا من روعها وطمأنها، واستدرجها بالحيلة الى منزله وأقامت معه أياما، واستأذن بعد الوزير العثماني في قتلها، وخنقها في نفس اليوم الذي قتلت فيه زينب البكرية، وخنق معها جاريته البيضاء التي كان قد أنجب منها.
أما الجنرال مينو ثالث قواد الحملة الفرنسية، فقد أحب بنت صاحب حمام في مدينة رشيد، واسمه على الرشيدين. وأعلن مينو إسلامه وسمي نفسه عبد الله مينو، وخلع البرنيطة وارتدى العمامة التي يلبسها شيوخ المسلمين، وتزوج من زبيدة. وكانت زبيدة شابة مغرية، أيقظت شهوات مينو الذي كان يقترب من الخمسين، وقد كتب لأحد أصدقاءه يصفها ويقول: إنها طويلة القامة مبسوطة الجسم حسنة الصورة من جميع الوجه، ولها عينان رائعتان، لون بشرتها هو اللون المصري المألوف، وشعرها طويل وفاحم، وهي لطيفة الطبع، ووجدتها تتقبل العادات الفرنسية بنفور أقل بكثير من المتوقع، وأنا لم ألح عليها في الخروج سافرة على الرجال، فهذا يتأتى شيئا فشيئا، كما أنني لن انتفع بما أباحه النبي ( صلي ألله عليه وسلم ) من الزواج بأربع نساء خلاف السراري، فإن في النساء المسلمات شهوة حارة عنيفة، وفي زوجة واحدة أكثر من الكفاية لي ".
قامت النساء بمظاهرة في مدينة رشيد طالبن فيها حاكم رشيد الجنرال عبد الله مينو ان يضغط على الرجال حتى يسمحوا لهم بالتردد على الحمامات العامة في المدينة، وان تخصص بعض تلك الحمامات للنساء. وقد أصبح على الرشيدي وزيرا عندما تولي عبد الله مينو قيادة الحملة الفرنسية بعد مصرع الجنرال كليبر. ولا شك أن ثورة النساء في رشيد ربما كان أحد دوافعها رغبة علي الرشيدي ترويج بضاعته من الحمامات للحصول على الكسب.
وقد أورد كلوت بك في كتابه لمحة عامة عن مصر حكاية أوردها نابليون بونابرت في مذكراته عن مؤامرة دبرت في أحد الحمامات العامة بمدينة رشيد. فقد ذكر نابليون في مذكراته التي نشرها المركز القومي للترجمة. أن الجنرال مينو تزوج بامرأة من رشيد وعاملها معاملة السيدات الفرنسيات، إذا كان يمد لها يده كلما هم بالدخول معها الى غرفة الطعام، ويتحرى لها أوفق المجالس، ويقدم اليها خير الأطعمة وأشهاها، وكان إذا سقط منديل الطعام على فخذيها بادر وتناوله وإعادته الى مكانه، فلما حكت زبيدة تلك الأمور على صاحباتها في الحمام، لاحت لهاته النسوة بارقة أمل في تغيير أحوالهن وعاداتهن وحررن عرضا قدمنه الى السلطان الكبير بونابرت ليحمل أزواجهن على معاملتهن بمثل ما يعامل به الجنرال مينو زوجته. وعندما غادرت الحملة الفرنسة القاهرة اخذها مينو الى باريس.
خلال إقامة الشيخ رفاعة الطهطاوي في باريس عام 1826شاهد عدد كبير من نصارى مصر والشام الذين خرجوا مع الفرنسيين حين خروجهم من مصر، وهم جميعا يلبسون لبس الفرنسيين ،وندر وجود أحد من المسلمين الذين خرجوا مع الفرنسيس، فإن منهم من مات ومنهم من تنصر، خصوصا المماليك الجورجية والشركسية والنساء اللواتي أخذهن الفرنسيين صغار السن، وقد شاهد الطهطاوي امرأة عجوزا باقية على دينها، وقد سمع الطهطاوي هناك في مرسيليا أن مينو رجع عن إسلامه الى النصرانية، وأبدل العمامة بالبرنيطة، ومكث مع زوجته وهي على دينها عدة أيام، فلما وضعت ابنها أراد مينو أن يعمده على طريقة النصارى، ولكن زبيدة المسلمة رفضت، وقال لها الزوج: إن كل الأديان حق وأن مآلها واحد، ولكن الزوجة رفضت، ولم ترض بذلك، فقال لها مينو: القرآن ناطق بذلك وأنت مسلمة وعليك أن تصدقي بكتاب نبيك. ولكنها رفضت الفكرة كلها. فما كان من مينو إلا أن أحضر واحد من علماء " الإفرنجية " باللغة العربية هو البارون سلوستير دو ساسي الذي شاع فضله في اللغة العربية، التي تعلمها بدون معلم، وهو من كبار العلماء المستشرقين، وطلب من زوجته أن تسأله، واجابها دي ساسي بأنه يوجد في القرآن قوله تعالى في الآية (62) من سورة البقرة " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل عملا صالحا فلهم أجرهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "، وعندها صدقت زبيدة، وأذنت لعبد الله مينو ان يعمد ولده، ويقول الطهطاوي: وبعد ذلك انتهي الأمر على ما قيل أنها تنصرت وماتت على دين المسيحية.