يصدر قريبا بالتزامن مع معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025 عن دار العين للنشر كتاب "السريالية في مصر.. الحداثة وجماعة الفن والحرية" لسام بردويل، وترجمة عبد الرحيم يوسف.
وقال الشاعر والمترجم عبد الرحيم يوسف في تصريحات خاصة للدستور: بالنسبة لأهمية هذا الكتاب أود أن أقتبس من مراجعة الباحث المصري البلجيكي يوهانس المقار لهذا الكتاب والتي أوردتها في تقديمي للكتاب بعد ترجمتها أن سام بردويل في هذا الكتاب “يقدم سردًا شاملًا للأعمال الفنية والنصوص الأدبية والكتابات النقدية لهذه الجماعة المصرية. إنه تحليل مبدع يدعونا إلى إعادة النظر في التعريفات وطرائق الفهم الموجودة للحركة السريالية، ويقيم توازنًا بين البحث التاريخي التفصيلي والتساؤل النظري المستفز”.
وأضاف: إلى جانب تسليط الضوء على أنشطة جماعة الفن والحرية، يرسم بردويل خريطة اتصالات الجماعة الدولية بالسرياليين، كما يلفت المؤلف الانتباه إلى مناهضتهم للفاشية ورفضهم لفكرة ’الفن للفن‘ البورجوازية، لكنه أيضًا يؤكد على أن جماعة الفن والحرية لم تشارك في المشروع السريالي دون تغيير نسيجه.
وتابع يوسف " فمن خلال تحليل مدقق لمراسلات لم تُنشر من قبل، يثبت بردويل أن جماعة الفن والحرية -على عكس مزاعم سابقة- نشأت من قلب هموم محلية معينة، أدت بهم إلى الاختلاف حول مسائل ثورية ملحة مع حركات منها الاتحاد الدولي للفن الثوري المستقل. وبالمثل يقدم بردويل تأكيدًا مقنعًا على مفهومي "الواقعية الذاتية" لدى رمسيس يونان و"الفن الحر" لدى كامل التلمساني باعتبارهما جزءًا من جهود الجماعة للتفاوض مع الحدود المفاهيمية للسريالية وكذلك كتنشيط لدعوتها للثورة."
ومن مقدمة سام بردويل للكتاب أقدم هذا المقتطف:
[ما هي قصة جماعة الفن والحرية؟ ومن كان أبطالها؟ ولماذا اعتنقوا السريالية أسلوبًا؟ وما الذي يمكننا أن نتعلَّمه من إرثهم؟ وكيف انتهت قصتهم، مثلما يجب أن تنتهي كل القصص الجيدة؟ لا توجد كلمات أفضل أو أبسط أو أكثر صراحة نبدأ بها الرد على هذه الأسئلة من تلك التي نطق بها جورج حنين (1914-1973) في عام 1945 جزءًا من فاصل أدائي استقبل به الزوار الحائرين لمعرض جماعة الفن والحرية الخامس للفن المستقل: "لنبدأ من البداية" وسنفعل نحن ذلك أيضًا بدورنا. والبداية هنا تجد مكانها الأنسب في الثامن من فبراير عام 1940، اليوم الذي فتح فيه معرض الجماعة الأول أبوابه للجمهور القاهري. وفي واحدة من نشرات المعرض العديدة، أعلنت جماعة الفن والحرية: "في الوقت الذي لا يهتم فيه الناس في العالم أجمع إلا بأصوات المدافع نجد أن من الواجب علينا أن نعطي لتيار فني معيَّن فرصة ليعبِّر عن حريته وحيويته".
بهذه الكلمات، من هوامش التيار الرئيسي الثقافي المحلي، كانت مجموعة من الفنانين والكُتاب الشباب والحازمين، من الرجال والنساء، من المصريين وغيرهم، يوصلون واحدًا من مبادئهم الأساسية. مبدأ فني بشكل لا يقبل اللبس، لكنه سياسي بنفس القدر. أسموا أنفسهم جماعة الفن والحرية، وبهذه الكلمات قدموا أول معارضهم الخمسة الرائدة (1940-1945)، والتي أقيمت كلها في القاهرة في غمار الحرب العالمية الثانية. حدث هذا في القاهرة، مدينة تتكون من مدن عديدة، وعناقيد من أحياء غير متشابهة على نحو مذهل حيث التباين بين الأغنياء والفقراء يتعذر على المرء استيعابه، والفجوة المتسعة بين طبقة بورجوازية راقية وطبقة عاملة مهمشة لا يمكن تجسيرها على نحو مطرد. بعد ستة شهور فقط من إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا في الثالث من سبتمبر 1939، اهتمت هذه المجموعة العنيدة باستحضار مخاطر الصراع (أصوات المدافع) في نشرتها.]
عبر كلمات قليلة لكنها حماسية، كررت جماعة الفن والحرية مشروعًا اجتماعيًا معقدًا كانت تنادي به منذ منتصف ثلاثينيات القرن الماضي فصاعدًا، وستستمر في الدعوة إليه لأغلب ما بقي من العِقد التالي. في اللحظة الأخيرة من الوقت الضائع، قدمت هذه المجموعة من "اللامنتمين" -كما اعتادت المصورة الفوتوغرافية لي ميلر Lee Miller (1907-1977) أن تدعوهم- قناعةً بفن نابع من المسؤولية بدلًا من الامتياز (نجد أن من الواجب علينا)، ويؤكد انحيازه ضد أي شكل من القيود (ليعبر عن حريته وحيويته)، ويفعل هذا الآن، في الحاضر ذاته (في الوقت). رفضت جماعة الفن والحرية ما تصورته بالأكاديمية المستوردة التي أقرَّتها دولة/مَلَكية تسعى وراء الدعاية، وتمردت ضد سلطة استعمارية قمعية، وانفصلت عن الأخلاقيات البورجوازية المحافظة التي احتفت بالفن من أجل الفن. بعد عِقد من الزمان، دون أن يخلو الأمر من فضيحة، سينتهي الأمر بالعديد من أعضاء الجماعة في السجن أو في المنفى.