قياس الأثر أحد أهم معايير تقييم المشروعات الكبرى والقومية، سواء الأثر الاقتصادى والاجتماعي والبيئي والتنموى وغيره.. وإذا ما أخضعنا مشروع العاصمة الإدارية الجديدة لهذا المقياس فإننا قد نصل لتقييم عادل وموضوعى لهذا المشروع باعتباره مشروعا قوميا يخاطب الاحتياجات الآنية والمستقبلية للدولة المصرية، بعيدا عن خطابات التضليل وصناعة التريند.
من ناحية الأثر الاقتصادى فنحن أمام حقيقة مؤكدة حتى الآن ولم تظهر أى وقائع أو وثائق تشير لغيرها وهى أن الخزانة العامة لم تتحمل أي تكاليف فى بناء العاصمة الإدارية الجديدة، ولم توجد بنود فى الموازنات العامة للدولة عن الأعوام الماضية - وهى معلنة -تشير إلى تحمل المالية أية أعباء مادية فى إنشاء العاصمة وإحيائها، بل إن ما تحقق منها من عائد اقتصادى جيد جدا .. وأستند هنا للتصريحات الصادرة عن المهندس خالد عباس رئيس شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية المطور العام للمشروع، والذى قال فيها أن شركة العاصمة الإدارية سددت ضرائب مباشرة للخزانة العامة للدولة خلال العام الماضى بنحو ١١ مليار جنيه لتكون ضمن أكبر خمس شركات مسددة للضرائب.
خلال ثمانى سنوات تحولت أرض صحراوية قاحلة على أطراف القاهرة إلى أهم مشروع اقتصادي، وبعد أن كانت قيمة الأرض صفرا، حاليا وصل سعر المتر فيها إلى ٥٠ و٦٠ ألف جنيه من شركة العاصمة للمطورين العقاريين فى المناطق المتميزة، أما عن سعر بيع المطورين أنفسهم للعملاء فقد كسر فى المشروعات التجارية والإدارية المتميزة حاجز ٢٠٠ ألف جنيه للمتر، بعد أن كانت الأرض تساوى صفرا.. حاليا حجم الأصول المملوكة للشركة بحسب رئيسها تساوى ٣٠٠ مليار جنيه، وعند إعادة التقييم بسعر الدولار الحالى فقد تتضاعف قيمة هذه الأصول مرتين إلى ثلاث مرات.
من الناحية الاقتصادية أيضا؛ فقد ساهم مشروع العاصمة الإدارية فى تحقيق طفرة فى السوق العقارى المصري، ولا يمكن لأحد عاقل أن ينكر أن العاصمة ساعدت فى خلق جيل جديد من المطورين العقاريين.. المئات من الشركات المتوسطة تأسست مع تدشين العاصمة الإدارية بعدما كان السوق مقتصرا على عدد محدود لا يتعدى العشرات، كل هذه الشركات تضخ استثمارات بمئات الملايين يوميا فى العاصمة وتدفع للدولة ضرائب أيضا.
العاصمة فى مرحلة ما كانت من أهم محركات النمو الاقتصادى، فصناعة العقار تجر ورائها ١٠٠ صناعة أخرى شهدت انتعاشا ملحوظا، هذا بجانب دور المشروع فى امتصاص حجم كبير من البطالة وخاصة العائدة من مناطق عربية مثل ليبيا بعد تصاعد الأحداث السياسية فيها.
أما على المستوى البيئي، فإن العاصمة الإدارية قامت على فكر المدن المستدامة، التى تراعى المعايير البيئية فى خفض نسب التلوث والانبعاثات الضارة وتوفير أحدث تكنولوجيات معالجة المخلفات وتقليل إهدار المياه من خلال بنية تحتية مؤهلة، وقد حصلت العاصمة بالفعل على العديد من الجوائز الدولية فى هذا المجال.
أخيرا؛ وهذا هو الأهم .. ماذا سيكون المشهد إذا لم يتم إنشاء العاصمة الادارية الجديدة؟ كلنا نعلم أن القاهرة تختنق من الزحام ولم تعد تتحمل مزيدا من الكثافات السكانية أو الازدحام المروري والذي يكلف موازنة الدولة المليارات .. خلق مجتمعات عمرانية جديدة فى دولة فى حالة مصر ليس رفاهية أو إهدار للأموال وإنما حاجة استراتيجية ملحة وعاجلة للحفاظ على حق الأجيال الجديدة فى جودة حياة ملائمة والحق فى السكن اللائق.. العاصمة فكرة تحولت لواقع والأفكار الكبرى دائما ما تكون مثيرة للجدل ولكن دائما ما تنتصر فى النهاية.