الثلاثاء 24/ديسمبر/2024 - 01:43 م 12/24/2024 1:43:29 PM
مر يوم 18 ديسمبر، اليوم العالمي للغة العربية، مرورا حزينا على اللغويين المصريين الصادقين الذين يرجون الحياة للغة، ولا يرون هذه الحياة قائمة إلا في صور تطويرها لا ترديد أدبياتها الموروثة بلا بصيرة كالمعتاد؛ فواقع اللغة مؤسف عندنا منذ سنوات طوال، هكذا هو في الشارع والبيت والكتابة والوظيفة والثقافة والتعليم والإعلام، وكما أن كثيرين باتوا يصفون العرب أنفسهم بالظاهرة الصوتية فقد تحولت هي، بالبداهة، إلى أصوات محضة، لا شيء بداخلها سوى الفراغ الذي صداه فراغ أكبر!
قضايا اللغة التي تواجه مصرنا اليوم هي نفسها التي واجهتها بالأمس، ولا حسم لواحدة منها، مثلا:
- هل نعتمد الفصحى البسيطة للحديث في حياتنا اليومية أم نبقى على شاطئ لهجتنا العامية مطمئنين؟
- كل هذا الذي نعرفه عن اللغة العربية، منذ الميلاد إلى الموت، هل هو يفيدنا عمليا حقا؟ وإن لم يكن فلماذا الحرص عليه، بكامله، كأن فيه خلاصنا من شر لا ندركه أصلا؟
كنت أنا واحدا من بين الذين دعوا مرارا إلى تدريس لغتنا المصرية القديمة (الهيروغلوفية) رسميا في مراحل التعليم المختلفة، بدءا من الابتدائية، بجانب اللغة العربية، حفاظا على هويتنا الوطنية بجوار انتمائنا الأصيل إلى القومية العربية، وقد بدا الأمر صعبا أو مستحيلا؛ لأن حراس اللغة العربية التقليديين يرفضون، مثلما يرفضون تدريس شعرنا العامي الملهم بالضبط، فضلا عن بعد المسافة بيننا وبين الحرف المصري في زمنه السحيق، وبالتأكيد لأننا عاجزون عن توفير أعداد وافرة من الأساتذة المصريين المتخصصين الذين يمكنهم الاضطلاع بهذا الدور الثقيل على أتم وجه.
لا بأس باللغة العربية طبعا، لغة أقوامنا العرب التي جاءتنا مع هجراتهم إلينا (تم نقلها إلينا خلال القرن السابع الميلادي بعد الفتح الإسلامي الهادف إلى نشر الإسلام بين المصريين)، ونحن نعتز بها اعتزازا عظيما، والشرط أن ننزع عنها قداسة أحيطت بها من قبل رجال الدين الذين ربطوها بالقرآن الكريم ربطا وثيقا، ناسين أو متناسين أن الخطأ في قواعدها، وهذا وارد تماما، قد يساوي، بتعسفهم الواضح، خطأ في الدين نفسه!
التقليديون الذين يرفضون تدريس لغتنا المصرية، أو حتى لهجتنا العامية، لا يقولون لنا كيف تكون اللغة العربية يسيرة ونافعة؟ وكيف لا تكون عبئا علينا وهي وسيلة تعبيرنا عن الآلام والآمال؟...
الأسئلة وافرة بشأن اللغة العربية في الحقيقة، وافرة تماما، وحالنا بإزائها محير؛ فلم نصل إلى فهم معنى أننا نتلقاها في بلدنا، بالمتون والهوامش جميعها، ولم نصل إلى فهم أننا قد نكون بحاجة إلى الاستعانة بغيرها أمام الظروف والطوارئ.
لتخلد العربية في مصر كما خلدت دائما، وليكن لها الوقار والإكبار، ولكن علينا أن نقرر بشأنها قرارا ينقذها من الاضمحلال في ساحتنا وينقذنا من الغرق في زوائدها!