تعيش حلب فى قلبى وعقلى رغم أننى لم أذهب إلى هناك.. لكن الذين أتوا إلينا بفنون وموسيقى القدود الحلبية.. والعتابا والميجانا جعلوها جزءًا من تراث الموسيقى فى مصر.. من منّا لم يستعذب ما يفعله صباح فخرى وأساطين تراث الشام.. هكذا كل ما استقبلناه من حلب جميل ومبهج.
الأيام الثلاثة الماضية جاءت سوداوية تمامًا.. مزعجة ومربكة وقاتلة لأى مشاعر طازجة تجاه أهلنا هناك.. لم يشغلنى منذ بداية الأحداث فى سوريا أى أمر بقدر ما أربكنا ما نقلته مصادر صحفية عن رفض الفصائل المسلحة هناك إلقاء سلاحها.. الذين راهنوا على نجاة سوريا وعودتها سريعًا حتمًا أصابهم الخبر فى مقتل.. معنى أن تقرر ست من الفصائل المسلحة عدم إلقاء سلاحها وإعلانها استعدادها لردع من يحاول إجبارها على ذلك.. يعنى ببساطة أننا مقبلون على اقتتال داخلى قد يقضى على ما تبقى من سوريا الحبيبة.
كلا المعسكرين بالنسبة لى كارثة.. وخطابهما لا يصب سوى فى مصلحة الجهل.. والكيان الصهيونى الذى يعيش الآن أسعد أيامه.. هل سيتراجع الجولانى عن قراره بدمج الفصائل جميعًا تحت مظلة الجيش السورى؟.. البدايات لا تبشر بأى خير.
إلغاء وجود القاضيات من النساء.. والحديث عن الحجاب وما شابه.. يضرب كل ما حاول أنصار الجولانى تصديره إلى مقدمة المشهد.. هذا تيار أيًا كان اسمه لن يأتى سوى بخراب مقيم.
كثيرون انشغلوا بفكرة أن يكون من بين قادة هذه الفصائل مصريون.. حاربوا فى ليبيا.. أحدهم قيل إنه من حازمون وفر بعد رابعة إلى تركيا وعمل منسقًا بين فصائل الإخوان.. فى تركيا.
الأمر أكبر من تلك التفاصيل.. المنطقة برمتها على موعد مع متغيرات جديدة فى ظل أوضاع صعبة تمر بها معظم حكومات الوطن العربى.. ليس مصر فقط.. وسفالة الإخوان التى طفحت فى بيان وقح صدر عنها.. وتلقفه البعض بعبط شديد.. تؤكد بلا أى فرصة لأى شك أن هناك أغبياء كثيرين لم يفهموا ما حدث فى السنوات الماضية.
الذين راهنوا على الدعم الخارجى سقطوا.. ولن تنجوا أى دولة سوى بترابطها الداخلى ووجود جيش وطنى قوى.. وهذا ما لا يعرفه هؤلاء الأغبياء ومَن يستخدمهم.
المصريون لا فرق بينهم.. الغنى والفقير.. ابن الريف وابن المدينة جاهزون فى أى وقت وتحت أى ظروف لسحل من يفكر مجرد التفكير فى الاقتراب.
هل يعنى ذلك الأمر أن ننام ونستريح.. بالعكس.. لقد التقيت خلال اليومين الماضيين عددًا كبيرًا من السياسيين.. بعضهم كان قد توارى عن المشهد منذ سنوات.. الكل يتحدث لغة واحدة.. على النخبة أن تتحد الآن خلف جيشها وحكومتها.. أن نحارب أولًا معركة الوعى.. والبناء.. وألا نسمح لأى عابث ببث روح التشاؤم بين الناس.
الوقت.. لا يسمح.. بأى كلام فارغ أو لغو.. المنطقة من حولنا تمر بظروف لم تشهد مثلها منذ سنوات طويلة.. هناك عالم جديد يتشكل.. الأمر الواقع يفرض شروطًا جديدة على كل اللاعبين.. الثابت الوحيد أن الاتحاد والتمترس خلف قيمة الوطن ومعناه هما طوق النجاة الوحيد.. العاقلون فى بلادنا كثيرون.. والمحبطون أيضًا كثيرون.. والضبابية التى تغلف حركة الأرض والسماء فى شتاء عربى قارس.. ومدمر.. تحوطه العواصف من كل جانب لا تمنعنا من مواصلة الطريق إلى مصر التى نريدها.. مصر التى كتب الله لها على مر تاريخها أن تكون دومًا حائط الصد الأخير قادرة على أن تفعل ذلك مجددًا.