اشتباك مع أسئلة التحرر والاستقلال في زمن الاحتلال (1)

اشتباك مع أسئلة التحرر والاستقلال في زمن الاحتلال (1)
اشتباك
      مع
      أسئلة
      التحرر
      والاستقلال
      في
      زمن
      الاحتلال
      (1)

الأربعاء 18/ديسمبر/2024 - 11:31 ص 12/18/2024 11:31:49 AM

بعد أكثر من قرن من الكفاح الفلسطيني، لإنهاء الاحتلال والمظلومية التاريخية، التي وقعت منذ الحرب العالمية الأولى.. أثارت أحداث (طوفان الأقصى)، والحرب الإسرائيلية الأطول على الأراضي الفلسطينية منذ 1948، صدمة ثقافية عالمية واسعة، امتدت إلى مناقشة مصير الإنسان وأسئلة الوجود والحياة، وقضايا الاستعمار والحرية، شارك فيها مفكرين ومثقفين وأدباء وكتاب وفنانين من شتى أنحاء العالم، من خلال حوارات طويلة، اشتبكوا فيها مع أسئلة الحرية والعدالة والاستقلال، في الزمن الراهن، حيث ينفتح الأفق ثقافيًا على كل الُممكنات، بعد أن أثارت الحرب الإسرائيلية على غزة، موجة كبيرة من الاحتجاج في مختلف أنحاء العالم، وشملت تلك الاحتجاجات المثقفين والمفكرين، ومنهم أصوات عربية وغربية، متضامنة مع حقوق الفلسطينيين والرافضة للحرب، حيث (الدور الحقيقي للكاتب قائم في كل ما قدمه من إبداع مُدافع عن الحرية، ومُحتضن للقيم الكبرى).
المثقفون والمفكرون والأدباء الموزعون على خرائط الإبداع والجغرافيا، يجمعهم التضامن مع الدم الذي روى أرض غزة، الدم الذي هو (ضحية مشروع إسرائيل الصهيوني الاستيطاني، وضحية مشاريع العنف والظلام التي خلقها هذا المشروع الاستعماري في المنطقة وسوغ وجودها)، بحسب وصف الكاتبة والباحثة اللبنانية، هدى فخر الدين، أستاذة الأدب العربي في جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة، التي شاركت مع أكثر من عشرين مثقفًا ومفكرًا من أكثر من خمسة عشر بلدًا، في التعبير عن مشهد ثقافي، يحاول مقاربة أهوال ما يحدث في غزة وفلسطين، إنسانيًا وأخلاقيًا وتاريخيًا وفكريًا، للتأكيد على أهمية دور المثقف في التحولات التاريخية، حيث تنأى به المعرفة والسلطة الأخلاقية، عن التبعية للسلطة أو الانعزال في برج عاجي.
● يرى المفكر الفرنسي فرانسوا بورجا، أن حكومات الدول الأوروبية لا تزال ترى المشهد بعيون إسرائيلية فقط، ضاربة بعرض الحائط صور الكارثة التي يتعرض إليها سكان غزة.. تحيز صارخ يدهش العالم، ربطه المفكر الفرنسي بتزايد قوة اليمين المتطرف في هذه الدول، الذي يرغب في إشباع هواجسه المعادية للإسلام والمسلمين، ويعكس خوف هذه الحكومات من استيراد الصراع العربي الإسرائيلي إلى بلدانها، لذا، فإن دولة مثل فرنسا تمنع المظاهرات المؤيدة لفلسطين.. فيما يراه بورجا، تفاقم للخلل العميق في المواقف مع موجة الكراهية القوية للإسلام في العقد الماضي، (بداية، اقترب اليمين المتطرف من خط الدعم غير المشروط لإسرائيل، لأن هذا التوجه يسمح له بإشباع هواجسه المعادية للمسلمين، أما اليسار ـ الذي كان صوته قويًا نسبيًا ذات يوم ـ فقد تخلى عن مواقفه السابقة، وتوقف عن إدانة إسرائيل، منذ أن تحدثت المقاومة الفلسطينية بلهجة إسلامية).. ويعتبر أن الحكومة الفرنسية ـ التي اختارت التنافس مع اليمين المتطرف على أرضها ـ تعرف أن معارضتها الانتخابية الرئيسة من اليسار، ولهذا السبب أخذت على عاتقها مسئولية تجريم المقاومة الفلسطينية الإسلامية، من خلال ركوب موجة (الإسلاموفوبيا).. و(بينما تتحدث أوروبا عن وقف المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، تمنع فرنسا المظاهرات المؤيدة لفلسطين ـ لأسباب أمنية مزعومة ـ فيما تزيد من تعبيرها المُعلن لدعم الإسرائيليين).
● لا يستسلم المؤرخ الإسرائيلي المناهض للصهيونية، آفي شلايم، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سانت أنطوني، التابعة لجامعة أكسفورد، لقراءة ما يحدث في فلسطين ابتداء من السابع من أكتوبر، بل يُصر على أن ما حدث يجد جذوره منذ سنة 1967.. فالطريقة الوحيدة لفهم الحرب الإسرائيلية على غزة تتلخص في فهم السياق التاريخي، قبل أن يُبين الأسباب التي تدفعه للاقتناع بأن هذه الحرب (لا معنى لها).. إن مقاربة (الانتقام)، التي تشتغل بها حكومة بنيامين نتنياهو (لن تؤدي إلى أي نتيجة)، حيث ينتمي شلايم إلى نخبة المؤرخين الإسرائيليين الجدد، الذين يعملون على إعادة قراءة نشأة إسرائيل، ومواجهة الروايات التي عملت على ترويجها، ويؤمن بأن إسرائيل بعد عام 1967، أصبحت قوة استعمارية وحشية، مهمة جيشها حماية أمن الاحتلال، وهي تمارس نظام الفصل العنصري، وقد عبر عن أفكاره في كتبه، ومنها (سياسة التقسيم) و(تاريخ موجز للحرب والسلام في الشرق الأوسط)، و(الجدار الحديدي.. إسرائيل والعالم العربي).. وينتقد شلايم الازدواجية الغربية قائلًا، (حتى الآن لا تزال القوى الغربية متحيزة تمامًا لطرف واحد، فهم من جهة يدينون حماس ويصفونها بالمنظمة الإرهابية، لكنهم في المقابل لا ينظرون إلى ردة الفعل الإسرائيلية، ولا يوجهون لها أي انتقاد، ولهذا فهم متواطئون في الهجوم على غزة وعلى المدنيين.. عمليًا، لقد منحوا إسرائيل الضوء الأخضر للقيام بأبشع الأشياء، عوض الدعوة إلى وقف إطلاق النار).. ويؤكد أن إسرائيل وأصدقاؤها حول العالم يخلطون بين معاداة السامية، ومعاداة الصهيونية، أنا أعرِّف (معاداة السامية) بكونها كراهية اليهود فقط لأنهم يهود، وهذا أمر لا علاقة له بإسرائيل.. أما معاداة الصهيونية، فأمر مختلف تمامًا، فهو انتقاد ومعارضة الأيديولوجية الصهيونية، التي هي الأيديولوجية الرسمية لدولة إسرائيل، خصوصًا في ما يتعلق بسياسات التعامل مع الفلسطينيين، من احتلال ونظام فصل عنصري (الأبارتايد)، والاستعمال القاسي والعنيف للقوة كما نعيشه هذه الأيام في غزة.
ويؤكد المؤرخ الإسرائيلي المناهض للصهيونية، على أن جذور ذلك الصراع تعود إلى بداية الاحتلال، بخلاف ما تروج له الرواية الرسمية لإسرائيل، وأن ادعاء اليهود بمشروعية امتلاك الأرض على أساس ديني، ادعاء باطل تمامًا في العصر الحديث، وانتقد ما يسميه إرهاب دولة إسرائيل وعقيدة (إذا لم تنجح القوة فاستخدم المزيد من القوة)، بل إنه اعتبر الصهيونية حركة علمانية استحضرت (الوعد الإلهي لليهود بأرض الموعد)، رغم عدم إيمانهم بالله، حيث إن استحضارهم هذه الفكرة الدينية، كان فقط لأجل إيجاد مسوغ، لاغتصاب الأرض من أصحابها الفلسطينيين، (الأشخاص الذين يعيشون تحت الاحتلال، لهم الحق في مقاومة المحتل بموجب القانون الدولي، وحماس تمارس حق مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهي العنصر الوحيد داخل المجتمع الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال الإسرائيلي، لأن السلطة الفلسطينية تتعاون مع إسرائيل في إدامة الاحتلال).. واعتبر (الدعاية الإسرائيلية تجسيدًا لجهاز تجهيل الناس، الذي يتجاهل تمامًا أن حماس تم اختيارها ديمقراطيًا من قِبل الفلسطينيين.. الواقع أكد أن حماس جربت طريق السياسة، لكن إسرائيل أحكمت إغلاقه، ما تتجاهله إسرائيل ولا يريد إعلامها إظهاره، هو أن الفلسطينيين شعب كباقي الشعوب، يحب أن يعيش بحرية وكرامة على أرضه، وإسرائيل هي التي تحول دون ذلك).. وحمَّل الغرب (نصيبًا كبيرًا من المسئولية عن المأزق القائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وذلك لأن الغرب منحاز تمامًا للأطروحة الإسرائيلية).. ومكمن خطر تجريد شعب بأكمله من إنسانيته ـ كما تفعل إسرائيل للفلسطينيين ـ هو أنه يمهد الطريق للتطهير العرقي والإبادة الجماعية، وما نشهده اليوم في غزة تجسيد لعمليات تطهير عرقي تقوم بها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وقال المؤرخ ذو الأصول العراقية، (من خلال تجربة عائلتي وتجربة الجالية اليهودية في العراق، يمكنني أن أفكر في أفق لمستقبل أفضل لمنطقتنا، لمواجهة الادعاء الصهيوني، بأن العداء اليهودي العربي ـ الإسرائيلي أمر مقدر، وأن الجانبين محكوم عليهما بالعيش في صراع دائم، وبالنسبة لي مفهوم (اليهودي العربي) يساعدني في التفكير في إمكانية إنشاء دولة ديمقراطية واحدة، يتمتع جميع مواطنيها بحقوق متساوية للجميع، بغض النظر عن الدين والعرق.
● الكاتب والصحفي الإيطالي، فرانتشيسكو بورجونوفو، الذي لا يخشى السباحة ضد التيار ونائب مدير صحيفة (لافيريتا) اليمينية، وصاحب برامج تليفزيونية وإذاعية عدة، والذي ينحدر من تقاليد أقصى اليمين الإيطالي، ويُعد في الوقت الحالي واحدًا من أبرز الوجوه الإعلامية في إيطاليا وأكثرهم شعبية، يرى ـ وعلى عكس وجوه اليسار التي وصفت عمليات حركة حماس بالإجرامية وطالبت بعزلها ـ أن حماس حركة سياسية تمثل شعبها، ولا بد للغرب من أن يجلس معها على طاولة الحوار.. وقد أثارت إطلالته على القناة الإيطالية السابعة، مع إحدى صحفيات (كورييري ديللا سيرا) كثيرًا من الجدل، إذ وصفته الممثلة عن الصحيفة الليبرالية الأكثر انتشارًا في إيطاليا، بأنه موالٍ لحركة حماس، بسبب مطالبته بوقف إطلاق النار في غزة، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد، وطالب في مناظرات تلفزيونية عدة بالحوار مع حماس وعدم ربط الحركة الفلسطينية بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بل كان الوحيد في إيطاليا الذي أذاع ـ في البرنامج الذي يقدمه على قناة بيوبلو ـ حوارًا مع أحد قياديي حماس، أجرته معه في وقت سابق مجلة (لا لوتشي).. يقول، إن (تاريخ اليمين الإيطالي في أغلبه، تاريخ مناصر للقضية الفلسطينية، والانحياز لدولة إسرائيل هو الطارئ،.. هناك لحظة حدث فيها تقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، بدا أن كل شيء تغير معها).. أعتقد أن هناك صورة زائفة تقدم عن الإسلام، أنا أرفضها وأطالب بتصحيحها، يضيف فرانتشيسكو، وأعتقد أن الإسلام دين رائع ينضح بقيم الفروسية، أما الادعاء أنه دين سلام فهو محاولة لتدجينه، والزعم بأن الثقافة الغربية ثقافة سلام، لأنها منحت العالم سبعين سنة من السلام ليس سوى هراء).
● رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد يخرج من هذه الحرب أضعف مما كان عليه، هكذا تحدث المؤرخ الإسرائيلي، إيلان بابيه، مُشيرًا إلى قلقه تجاه المجتمع الإسرائيلي اليهودي، غير المستعد لتغيير موقفه تجاه فلسطين والشعب الفلسطيني.. إن التوقعات بشأن الجدل السياسي داخل إسرائيل أو الصراع داخلها، هو أن كل ما رأيناه قبل السابع من أكتوبر سيظل موجودًا حتى نهاية الحرب.. ويؤكد بابيه، أن هناك صراعًا سيستمر بين (دولة يهوذا)، أي دولة الاحتلال التي تريد أن تكون إسرائيل أكثر تدينًا وتعصبًا وثيوقراطية، وبين (دولة إسرائيل)، أي الإسرائيليين الأكثر علمانية، كإيهود براك مثلًا، التي يعتبرها البعض أكثر ديمقراطية.. إن هاتين الدولتين ـ نموذج (دولة يهوذا)، ونموذج (دولة تل أبيب) ـ ليستا ديمقراطيتين عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، فيما الديمقراطية الممكنة في حالة (دولة إسرائيل) تكون فقط بالنسبة لليهود وليس تجاه الفلسطينيين.
ويُفسر صاحب كتاب (الفلسطينيون المنسيون.. تاريخ الفلسطينيين في إسرائيل)، والذي ترك التدريس في جامعة حيفا عام 2006 بسبب آرائه، قائلًا (أظن أن الصراع الداخلي اليهودي الإسرائيلي سيستمر، من المؤكد أن نتنياهو سينهي هذه الحرب أضعف بكثير مما كان سابقًا، ولكن يجب أن نتذكر أنه لا تزال لديه قاعدة قوية داخل إسرائيل، التي ربما لا تزال داعمة له، وقد يخسر الانتخابات المقبلة، وربما قد يعود مجددًا، فليس هناك شيء مؤكد بالنسبة لهذا الرجل).. لكن أساس المشكلة ليس نتنياهو، المشكلة هي أنه لدينا مجتمع يهودي إسرائيلي، ليس مستعدًا لأن يغير موقفه تجاه فلسطين والفلسطينيين، وهذا مقلق جدًا.. لا يمكننا أن نتوقع التغيير من الداخل، ما نحن بحاجة إليه، كما قلت سابقًا وسأردده مرارًا وتكرارًا، نحن بحاجة إلى ضغط قوي من المنطقة ومن المجتمع الدولي، إذا كنا نريد حقًا أن ننهي معاناة الاحتلال والاستعمار.
● وُلِدَ عالم السياسة الفرنسي الشهير، أوليفييه روا، عام 1949، في لا روشيل غرب فرنسا، وعمل أستاذًا في المعهد العلمي للدراسات السياسية في باريس، قبل أن يُصبح مدير أبحاث مركز البحوث العلمية ومدير دراسات المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية الفرنسية، ومستشارًا في مركز التحليل والتوقع التابع للخارجية الفرنسية.. يقول إن إسرائيل تعيش (جهلًا مقدسًا) إلى حد كبير، كما أنه ليس من قبيل الصدفة، أن تحظى إسرائيل الآن بدعم متزايد من الإنجيليين الأمريكيين، فما هي القواسم المشتركة بينهما؟.. إنها إعادة بناء الدين خارج التقاليد الثقافية.. ويشرح، (هناك بالطبع تقاليد يهودية دينية وثقافية غنية جدًا.. فمثلًا يهود أوروبا الشرقية كان لديهم دين متجذر في الثقافة ولغة ومجتمع خاص بهم.. يٌلاحظ الأمر نفسه مع البروتستانتية في الولايات المتحدة.. حاليًا، هناك حركات في كل من العالمين اليهودي والبروتستانتي تؤكد خصوصيتها، باعتبارهما الدين الحقيقي وتركزا على (الولادة من جديد)، وإبعاد نفسيهما عن الجذور التاريخية التي تعتبرها سلبية).
ومن الجدير بالذكر، يقول أوليفييه، أن بعض المجتمعات اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة ـ التي تأسست مؤخرًا نسبيًا في أواخر القرن الثامن عشر ـ تبدو كأنها جديدة كليًا، لكونها منفصلة عن التقاليد اليهودية التي تعود إلى قرون مضت، كما لو أن الحاخام المؤسس يخلق حقيقة دينية جديدة، وعلى نحو مماثل، يُروج المستوطنون على غرار الإنجيليين في أمريكا، لسردية مفادها بناء أرض مقدسة جديدة من الصفر، على الرغم من أن هذا تحريف تاريخي.. فمثلًا هم يُطلقون أسماء توراتية على الأماكن، لتبدو قديمة تاريخيًا رغم أنها حديثة كليًا.. ويضيف (في الجوهر، ما يظهر هو يهودية إسرائيلية ذات تطلعات عالمية، تهدف إلى الاستمرارية التاريخية وتثبيت نفسها بالأرض، لكنها في صميمها، اختراع لتقليد مجتمع يهودي كان غائبًا منذ ألفي عام، وتعكس هذه الظاهرة شكلًا من أشكال الأصولية، أو انفصال الدين الخالص عن التقاليد والثقافة).
● لم تقف الإدانات لجرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ضمن حدود العالم العربي، بل وصلت إلى كثير من العواصم الأوروبية.. وهنا، صوت من مملكة السويد، عبَّر عنه الكاتب السويدي، يوران بورين، بانتقاده سياسة حكومة بلاده الحالية (المؤيدة لإسرائيل بقوة).. ولبورين عمل مهم، يكشف انحياز الرأي العام الغربي عمومًا إلى الجانب الإسرائيلي، على حساب الطرف العربي الفلسطيني، إذ شرح في كتابه (جريمة اغتيال الوسيط الدولي في فلسطين، الكونت فولك برنادوت) 2022 ـ الذي صدرت ترجمته العربية حديثًا بترجمة سامح خلف عن اللغة السويدية ـ قصة اغتيال الكونت فولك برنادوت، الذي ارتبط اسمه بأحداث عام 1948 في فلسطين، والصراع الذي دار ولا يزال بين العرب الفلسطينيين والمهاجرين اليهود، الذين تدفقوا إلى فلسطين في العقود القليلة قبل النكبة، وقد انتهت تلك الأحداث بالنكبة والتهجير في فلسطين، وإعلان قيام دولة إسرائيل.. وفي الحوار الذي أجرته معه الجزيرة، تناول الكاتب السويدي الموقف الغربي تجاه ما يجري في غزة من دمار، ووصفه بأنه (غير عادل)، ويؤكد أن (إسرائيل وأمريكا والدول الأوروبية، هي المسئولة عن حالة اليأس والإحباط التي اختمرت في غزة منذ سنوات عديدة، والتي كان لا بد لها أن تنفجر، عاجلًا أم آجلًا).
ويقول الكاتب، إن الدعم الرسمي لإسرائيل كان قويا دائمًا، خصوصًا خلال حكومتي أولوف بالمه ـ 1927: 1986 1986، وإينجفار كارلسون.. وكان هناك أيضًا كثير من التعاطف مع القضية الفلسطينية، ومنذ مطلع الألفية، أصبح الدعم الرسمي السويدي لإسرائيل أقوى مرة أخرى.. ويعتبر أن الموقف الغربي ليس عادلًا بأي حال من الأحوال، لأنه لا يعترف بأن إسرائيل هي المسئولة عما وصلت إليه الأوضاع في فلسطين.. وبشكل غير مباشر، الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية نفسها، هي المسئولة عن حالة اليأس والإحباط التي اختمرت في غزة منذ سنوات عديدة، والتي كان لا بد لها أن تنفجر عاجلًا أم آجلًا، ولذلك، ما قامت به حركة حماس ضد الجيش الإسرائيلي، يعتبر حقًا مشروعًا تكفله القوانين الدولية، وبالمقابل فإنني لا أؤيد قتل المدنيين.. كما يشير إلى أن وسائل الإعلام الغربية عمومًا، تعتبر متحيزة وبدرجات متفاوتة، في تغطيتها الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، ويظهر في تغطيتها الأحداث، أن حياة الإسرائيليين أكثر أهمية من حياة الفلسطينيين، مؤكدًا في الوقت ذاته، أن (نسبة كبيرة من السويديين يشككون في الادعاء بأن إسرائيل دولة ديمقراطية، نظرًا لواقع الاحتلال والقمع المستمر للفلسطينيين.. أنا شخصيًا أعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري).. و(آمل أن تتعب الولايات المتحدة وبقية العالم من الصراعات التي لا نهاية لها، وأن تُجبر إسرائيل على فرض حكم الأغلبية في كامل فلسطين، كما كانت تحت الانتداب، لكنْ هناك طريق طويل يجب عبوره).
● (ليس إمامًا، ولكنه يتمتع بتأثير كبير بين مسلمي إيطاليا، اسمه دافيدي بيكاردو، وهو القائل إن حماس حركة مقاومة).. هكذا وصفه الصحفيان الإيطاليان، كلاوديو أنطونيللي، وسلفاتوري دراجو، بُعيد إعلانه دعمه الكامل لحركة حماس، في وقفة تنكّر كل (أصدقاء فلسطين) في إيطاليا لحق الفلسطينيين في المقاومة المسلحة.. هو ابن مترجم القرآن الكريم إلى اللغة الإيطالية، روبيرتو حمزة بيكاردو، والرئيس السابق لتنسيقية الجمعيات الإسلامية في ميلانو.. يدير دافيدي بيكاردو حاليًا مجلة (لا لوتشي)، وقد انفرد مؤخرًا بمحاورة القيادي بحماس باسم نعيم، في ذروة الحرب الإسرائيلية على غزة، والتحريض على المقاومة الفلسطينية في وسائل الإعلام الإيطالية، واستضافته الجزيرة، حول قضايا فلسطين والعلاقة بين العالمين العربي والأوروبي.
يقول بيكاردو، إن (النقاش السياسي والإعلامي في إيطاليا ليس حرًا عكس كل الادعاءات، وهو ما خلق شرخًا بين النُخب والشعب الإيطالي الذي يقف مع الفلسطينيين، على الرغم من الانحياز الإعلامي الكامل لصالح إسرائيل).. إن اعتبرنا المقاومة المسلحة ضد الاحتلال إرهابًا، علينا إذن أن نندد بأثر رجعي، بجميع حركات التحرر الوطنية التي عرفها التاريخ.. وينتقد اليمين واليسار قائلًا، (الأعداء الصريحون لفلسطين، هم ممثلو ذلك اليمين المؤسساتي، الذي يعتقد أن إسرائيل تخوض حربها نيابة عنه وعن الغرب كله، في إطار نظرية صدام الحضارات.. وفي المقابل، اليسار الإيطالي الذي كان يقف في وقت من الأوقات في صف الشعوب المضطهدة ويؤيد حركات التحرر من الاستعمار، أصبح الآن لا يدعم الشعب الفلسطيني، سوى على نحو مجرد، لا يفضي إلى أي شيء ملموس).. ويفصل في نقده للمنظور اليساري الأوروبي قائلًا، (خطورة اليسار الإيطالي اليوم على القضية الفلسطينية، لا تكمن في أنه اختار بيع الكلام لفلسطين فحسب، بل رفضه المقاومة الحقة للفلسطينيين، خصوصًا إن كانوا مسلمين، وهذا ملمح خطير آخر من سلوك اليسار، الذي لا يريد فلسطينيين سوى على شاكلته، يريد علمانيين، نسويين ومتحولين جنسيًا).. ويضيف، أن (المقاربة الفولكلورية اليسارية لموضوع الهجرة، تريد مسلمين ينخرطون في السياسة، لاستغلالهم إعلاميًا فقط بأسمائهم العربية والحجاب على رأسهم، لكن ليس قبل أن يتجردوا من تقاليدهم المحافظة، وكل ما يتعارض مع أيديولوجيا الجندر).
● تُوصف رومانا روبيو، بأنها أهم صحفية مختصة بالشأن الفلسطيني في إيطاليا على الإطلاق، وأشدهم حرصًا على الالتزام بالسردية الفلسطينية.. أثارت بكتاباتها سخط الصحافة الإيطالية الموالية لإسرائيل، منذ الأيام الأولى للعدوان على غزة، حيث كتبت عنها صحيفة (إل جورنالي) في مقال بتاريخ 11 أكتوبر الماضي، أنها (تلك الصحفية التي تتحدث على حساباتها في مواقع التواصل هذه الأيام عن إرهابيي حماس بوصفهم مقاومة، وتلك التي ترفق تعليقاتها باقتباسات على شاكلة، إن النصر لقادم.. إنها روبيو، التي كتبت: قلوبنا مع الشعب الفلسطيني العظيم، الشعب الذي لم يقبل التدجين).. وتعمل روبيو رئيسة تحرير النسخة الإيطالية من صحيفة (بالستاين كرونيكل)، التي أسسها باللغة الإنجليزية ويديرها الصحفي الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، رمزي بارود، وهي أيضًا مترجمة كتابه (الأرض الأخيرة) إلى الإيطالية.
تقول روبيو (مَنْ يحق له تحديد شكل عمليات المقاومة ونوعها وتوقيتها، هو حتما الشعب الذي يرزح تحت نير الاستعمار والاحتلال العسكري، والآن يتعرض للإبادة الصريحة، وليس تلك التي كانت تتم بالتقسيط فقط، بتعبير المؤرخ إيلان بابيه).. وتنتقد اليسار الأوروبي قائلةً، إن بعض الناشطين الإيطاليين قد تحجرت فكرتهم عن النضال الفلسطيني، عند سنوات السبعينيات، أيام النضال الشيوعي.. هؤلاء يريدون فلسطين كما يتخيلونها هم وفقط.. وتُكمل (التغير الثقافي الذي وصفته بدقة داخل اليسار الإيطالي، تسبب فعلًا في تشويش أيديولوجي كبير، أثر في دعم القضية الفلسطينية في إيطاليا، حيث أصبح اليسار يستلهم أفكاره تحديدًا من التوجهات الثقافية الأمريكية الجديدة، وهو ما أنتج أزمة فكرية لدى مثقفي إيطاليا، سببه أن اعتناق النزعة الأمريكية في هذا الصدد، يجعل من تجارب تاريخية كبيرة في المقاومة ـ على غرار التجربة الجزائرية أو الجنوب إفريقية أو حتى الإيطالية نفسها والكوبية ـ خارج المعايير المقبولة).. وعن دور الدين في الصراع تقول، (الدين لا يلعب عند الصهيوني الدور ذاته الذي يلعبه لدى الفلسطينيين، وهنا لا بد أن نتذكر أن الأيديولوجية الصهيونية تم تأسيسها على يد مُلحدين، استغلوا اليهودية لإطلاق مشروعهم الاستعماري ليس غير، فيما الدين بالنسبة للفلسطينيين هو روحانيات وإيمان حقيقي، هو ما يجعلهم يتعلقون بالأمل، ويمدهم بما يبدو وكأنه قدرة تفوق طاقة البشر على التحمل).
● يرى الصحفي والكاتب الفرنسي آلان جريش، أن (المجتمع الدولي ـ خصوصًا العالم الغربي ـ لا يفعل شيئًا لوقف هذه المأساة التي تجري في غزة)، منتقدًا (العالم الغربي الذي يدعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وتقرير المصير، لكنه يثبت الآن أنه عالم منافق يُقدم سلسلة من الأكاذيب)، على الرغم من أن الصحفيين في غزة (قاموا بعمل خيالي، وقدموا لنا كل شيء نريده، فهم بالفعل صحفيون شجعان).
وجريش صحفي فرنسي مخضرم، وخبير في شئون الشرق الأوسط، وًلِدَ بالقاهرة سنة 1948، لعائلة يهودية مصرية ذات أصول أوروبية، والده هنري كوريل، أحد مؤسسي الحزب الشيوعي المصري، وكان لتلك النشأة تأثير في تكوينه الفكري والسياسي، إذ غلب عليه التوجه اليساري واهتمامه بمشكلات الشرق الأوسط والعالم العربي، رغم مغادرته وعائلته القاهرة عام 1962 إلى فرنسا.. ويُعدّ جريش خبيرًا بقضايا الشرق الأوسط، وأحد المتخصصين في صراعات المنطقة، كما أنه مناصر للقضية الفلسطينية، وازداد اهتمامه بقضايا العالم العربي، مع تسلمه رئاسة تحرير صحيفة (لوموند دبلوماتيك) العريقة لمدة 10 سنوات، وأسس سنة 2013، الموقع الإليكتروني (أوريان 21)، المتخصص في قضايا العالمين العربي والإسلامي.
يقول إن التغيير في السياسة الرسمية الفرنسية حدث بعد عام 2001، حيث بدا واضحًا أن نظرة فرنسا إلى الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بدأت تتغير، ولم تعد فرنسا تعتبر أن الصراع هو بين قوة احتلال وشعب واقع تحت ذلك الاحتلال، بل أصبح الصراع ضد الفلسطينيين، جزءًا من الحرب ضد الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة بالتحالف مع أوروبا الغربية وإسرائيل.. ويعتبر جريش المسئولين الفرنسيين اليوم مساهمين في ما يحدث، وهم مشاركون في الإبادة الجماعية، ويضيف (بدأت وسائل الإعلام الفرنسية تتحدث عما يجري في غزة، لأن الأمر أصبح واضحًا أكثر وأكثر، بوجود تطهير عرقي حقيقي ضد الفلسطينيين لم يجر الحديث عنه مسبقًا، ومن الأسباب، أنهم يقولون إنه ليس لدينا صور عما يحدث في غزة، ولكن بالطبع لديهم الصور، فمعظم الصحفيين الغربيين يعتقدون أن الصورة التي مصدرها إسرائيل هي المقبولة، أما التي مصدرها الفلسطينيون فيجب أن تخضع للدراسة).
● قال أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة كولومبيا الأمريكية، جيفري ساكس، إن (تصرفات إسرائيل في قطاع غزة جرائم حرب)، وإن القصف المستمر والحصار الدائم قد يتسببان في سقوط المزيد من عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء.. ويرى أن إسرائيل لا تستطيع تحقيق الأمن عن طريق الحرب، بل من خلال تسوية تضمن الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، بوصف ذلك جزءًا من حل سياسي شامل وعادل.. وساكس تم اختياره مرتين ضمن (قائمة مجلة التايم)، لأكثر مائة شخصية مؤثرة في العالم، وله مؤلفات عدة، كانت ثلاثة منها الأكثر مبيعًا وفقا لصحيفة (نيويورك تايمز)، كما حاز العام الماضي جائزة (تانج) للتنمية المستدامة.
● الأكاديمي والمستعرِّب الإسباني، إجناطيوس جوتيريث دي تيران جوميث بينيتا، أستاذ اللغة والأدب العربي والتاريخ المعاصر في العالم الإسلامي، بقسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد المستقلة، يرى أن (القضية الفلسطينية كانت أكثر حضورًا بالمجتمعات الأوروبية، في وقت ليس بالبعيد، حيث كان هنالك إلمام بخفايا القضية ومتابعة لمجرياتها).. لذا، فإن (العدوان الجاري على غزة يُشكل صدمة لكثير من الأوروبيين، الذين لا يعرفون جيدًا ما الذي أدى بالمنطقة إلى هذا الوضع الحرج جدًا، الذي ينبئ بنزاع إقليمي لا يمكن لأحد التنبؤ بعواقبه)، مضيفًا أن (المواطن الأوروبي عمومًا متعاطف مع شعب غزة، وما يعانيه من تجويع وتشريد وقصف ممنهج).. ويعتبر دي تيران، أن (الكثير من الغربيين ـ وتحديدًا النُخب السياسية ـ يؤمنون بأن إسرائيل جزء من الغرب، وأنها تمثله في الشرق الأوسط، وأن الإسرائيليين مثلنا، حتى نعبر عن الوضع بعبارة مبسطة.. ولما كان الإسرائيليون مثلنا فلا بد أن نؤيدهم، بالمقابل الفلسطيني دائمًا يمثل الآخر أو الغير أو المجهول الذي يعارضنا).. ويتساءل، (كيف من الممكن أن نناقض نفسنا بمثل هذه الطريقة البشعة؟.. لأن إسرائيل الآن تمارس سياسة قمعية وقاهرة، لا علاقة لها بالقيم الأخلاقية ولا أخلاق لما تقوم به.. إسرائيل دولة محتلة ومغتصبة، ولكنها لا تريد أن تنظر لهذا الوجه من الحقيقة المرة بالنسبة لها).
(أين نحن من القيم الأخلاقية؟.. وأين نحن من مفهوم جديد لما هي الحداثة البعيدة عن معنى الاحتلال والاستغلال؟.. إسرائيل دولة مستعمرة، دولة محتلة، دولة تُهجِّر أصحاب الأرض، حتى إن كان هؤلاء الأصحاب غير حداثيون بالمعنى الذي يريدونه، ولكن لهم حقوقهم.. الحداثة هي أن نحترم هذه الحقوق، الحداثة هي أن أفعل عكس ما فعلنا لمدة قرون، أوروبا دائمًا كانت دولة تمارس الاحتلال وتمارس الاستعمار وتمارس التمييز).. ويعتبر إجناطيوس أن المجتمعات المتوسطية تفهم القضية الفلسطينية بطريقة أخرى، أقصد إسبانيا وجنوب فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص ومالطا.. هذه الدول ومجتمعاتها، لها مفهوم مختلف للعالم العربي وللقضية الفلسطينية، الرأي العام الإسباني معروف عنه تضامنه التاريخي مع القضية الفلسطينية.
ونستكمل بقية الاشتباك مع عدد آخر من المفكرين والمثقفين والأدباء، حول الحرية والاستقلال في زمن الاحتلال.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق عاجل.. «الصحة» عن «دور البرد المنتشر»: «متحور أوميكرون» بسيط
التالى بعد زلة لسانها.. رسالة تامر أمين إلى شيرين عبد الوهاب: احموها من نفسها