هذا العنوان المثير ليس من عندياتى، وبالقطع ربما يتماشى مع طبائع الحالة الحاضرة، وما يجرى فى منطقتنا العربية، لكنه فى حقيقة الأمر عنوان أحد مؤلفات المؤرخ الفرنسى الشهير هنرى لورانس، أكبر متخصص فى التاريخ المعاصر لمنطقتنا. والعنوان الكامل لمؤَلَّف لورانس هو: «المشرق العربى فى الزمن الأمريكى من حرب الخليج إلى حرب العراق».
بداية يطرح هنرى لورانس فرضية حول طبيعة النفوذ الأمريكى فى المنطقة؛ إذ يرى أنه يختلف عن أسلوب الإمبراطوريات الاستعمارية التقليدية، من حيث الوجود المباشر فى المنطقة، ويرى أن أمريكا لا تتطلع «إلا إلى أن تكون شرطى المنطقة، وأنها تتحرك فى تسوية الأزمات تحت ضغط الظروف على ذلك». ويحدد لورانس صفحة جديدة فى طبيعة علاقات أمريكا مع المنطقة بدأت مع حرب الخليج فى عام ١٩٩٠، وصولًا إلى حرب العراق ٢٠٠٣، ويرى أنها البداية الحقيقية للزمن الأمريكى فى المنطقة.
من وجهة نظر أوروبية، ونستطيع قول وجهة نظر فرنسية بحتة، لا تحبذ الدور الأمريكى فى المنطقة، حيث لا تزال أوروبا متعلقة بميراثها التاريخى الاستعمارى فى المنطقة العربية، يرسم لورانس طبيعة العلاقة بين العالم العربى وأمريكا على النحو التالى: «العلاقة بين العالم العربى والولايات المتحدة هى بشكل نموذجى علاقة حب وكراهية، أما علاقة الولايات المتحدة بالعالم العربى فهى أقرب إلى الجهل والخوف والاحتقار»!
ويقوم لورانس بالنقد الشديد لمحاور السياسة الأمريكية فى المشرق العربى فى الزمن الأمريكى، ويأتى على رأس ذلك انتقاده الشعار الذى رفعته أمريكا للتدخل فى المنطقة، وهو شعار «الحرب على الإرهاب»؛ إذ يرى لورانس أنه الحرب على الإرهاب لكن فى الوقت نفسه إعادة صياغة المشرق العربى. ويحدثنا لورانس عن المشروع الدائم لأمريكا وهو مشروع «الشرق الأوسط الجديد».
المثير فى رؤية لورانس هو نظرة أمريكا لسياسة سوريا، وما يترتب عليها من موقف أمريكى تجاه النظام السورى، لا سيما منذ وجود أمريكا فى العراق وبالقرب من سوريا، ويقول إن «الدعم الذى تقدمه سوريا لحماس ولحزب الله يؤدى إلى اعتبارها مع إيران، عرابًا للإرهاب الدولى، المعادى لإسرائيل فى واقع الأمر، كما أنه من الوارد أن تصبح سوريا كبش فداء للمصاعب الأمريكية فى العراق». ويمكننا قراءة ذلك التحليل على ضوء معطيات الحاضر.
ويرى لورانس أن الصراع العربى- الإسرائيلى ساعد فى نشأة الأنظمة السلطوية العربية، لذلك يرى أن العقود الأولى فى القرن الحادى والعشرين ستشهد ضغطًا أمريكيًا ودوليًا، من أجل الوصول إلى تسوية للمسألة الفلسطينية، وسيصاحب ذلك ضغط داخلى يؤدى إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية فى البلدان العربية.