كيف انهار نظام الأسد.. وماذا ينتظر سوريا؟

كيف انهار نظام الأسد.. وماذا ينتظر سوريا؟
كيف
      انهار
      نظام
      الأسد..
      وماذا
      ينتظر
      سوريا؟

الأربعاء 11/ديسمبر/2024 - 11:12 ص 12/11/2024 11:12:55 AM

قبل أسابيع، كان بشار الأسد يحضر القمة العربية في الرياض ويحظى بالاهتمام الدبلوماسي.. وقد وقف على المنصة لإلقاء محاضرة حول التضامن السياسي، والتقى بزعماء عرب أقوياء، بما في ذلك ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ولوح بيده من فوق السجادة الحمراء أثناء مغادرته على متن طائرته الرئاسية.. كان الزعيم المكروه لدولة مُنقسمة، لكنه كان متجذرًا في مكانه لدرجة، أن الأوروبيين أنفسهم كانوا يقومون بمبادرات ـ عبر الأردن ـ بحثًا عن حل لأزمة اللاجئين السوريين، إن لم يكن إعادة تأهيل، فقد كان على الأقل قبولًا مستسلمًا.. فقد فشلت الحرب الأهلية التي دامت أكثر من عقد من الزمان في الإطاحة بالأسد، الأمر الذي سمح له بالتراجع عن وضع المنبوذ.. والآن أصبح الأسد البالغ، من العمر تسعة وخمسين عامًا طالب لجوء في موسكو، وتم إسقاط تمثال والده في طرطوس، ويبحث المتمردون في السفارات في دمشق، عن أي علامة على المحسوبين الذين أداروا نظامه.
كانت الطريق التي سلكها المتمردون بقيادة الإسلامويين، والتي استغرقت أسبوعًا كاملًا للوصول إلى العاصمة دمشق، مليئة بمقتنيات الصراع، من الدبابات المهجورة إلى أكوام من الزي العسكري الذي تركه الجنود الفارون.. لقد تبعثر حطام الحرب التي جرَّت القوى العالمية إلى حالة من الانفراج المضطرب: القوات الأمريكية والروسية في زوايا متقابلة من البلاد، وموقع تركي في الشمال، في حين حولت إيران وإسرائيل سوريا إلى مسرح آخر لصراعهما الخفي.. وأتاح الانهيار البطيء لنظام الأسد لتنظيم داعش مساحة للنمو؛ وأدى إلى أزمة لاجئين أعادت تشكيل أوروبا؛ وأسفرت عن مقتل ما يصل إلى نصف مليون شخص.. ويترك سقوطه دولة ذات أهمية استراتيجية مُمزقة تواجه مستقبلًا غير مؤكد.
في الثاني من ديسمبر الحالي، أصبح من الواضح أن النظام الذي نجا من ثلاثة عشر عامًا من الحرب الأهلية يواجه أخطر تهديد.. فقد اقتحم المتمردون حلب ـ أكبر مدينة في سوريا ذات يوم، وموقع معركة استمرت أربع سنوات، وانتهت بانسحاب متفاوَّض عليه للمتمردين المدعومين من تركيا عام 2016، عندما جاءت القوات الروسية لإنقاذ الأسد ـ ومع سقوط حلب هذه المرة، أبدت إيران، الداعم الأساسي للأسد، دعمها للنظام: فقد زار وزير خارجيتها عباس عراقجي الأسد، وتجول في حي المزَّة الراقي في دمشق، وتناول الشاورما في مطعم دجاجاتي الشهير.. وكتب على حسابه على موقع X، (أتمنى لو كنت هنا).. وبحسب وزارة الخارجية الإيرانية، فقد (أعرب عراقجي عن ثقته في أن سوريا، سوف تتغلب مرة أخرى على الجماعات الإرهابية).. ولكن أحد المُطَّلعين على النظام الإيراني قال لصحيفة Financial Times، إن عراقجي أبلغ الأسد في لقاء خاص أن (إيران لم تعد في وضع يسمح لها بإرسال قوات لدعمه).. وبعد ذلك، استولت هيئة تحرير الشام ـ الجماعة الإسلاموية التي تقود الحملة المتمردة ـ على الريف المحيط بحماة، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها مليون نسمة، وكانت سجونها تضم شخصيات معارضة منذ عام 1982، عندما قمع والد الأسد تمردًا هناك، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الناس.
ضاعف الأسد رواتب الجنود، كما نفَّذت روسيا غارات جوية.. لكن تلكع الضربات لم تفعل الكثير لإبطاء تقدم هيئة تحرير الشام، على عكس ما حدث في وقت سابق من الحرب الأهلية السورية، عندما كان التفوق الجوي الروسي حاسمًا في قصف المدن التي تسيطر عليها الجماعات المتمردة.. لقد كانت قدرة المتمردين على التحرك بهذه السرعة هذه المرة، جزئيًا، نتيجة لحربين: حرب روسيا في أوكرانيا، وحرب إسرائيل مع جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة، وبالوكالة إيران.. وكما هي الحال مع إيران، قدمت روسيا أيضًا تعهدات علنية بدعم النظام، لكن مسئولًا سابقًا في الكرملين قال لصحيفة Financial Times، إن روسيا أيضًا عاجزة عن مساعدة الأسد: فقد أدى غزو فلاديمير بوتن لأوكرانيا إلى استنزاف قوات موسكو.. وتقول هانا نوت، مديرة برنامج منع الانتشار النووي في أوراسيا، في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي، (لو لم تكن هناك حرب في أوكرانيا، لما كان هناك سقوط للأسد.. أو على الأقل، كان الروس ليكونوا على استعداد لبذل المزيد من الجهد).
لقد كان ضعف الأسد، في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تخرج منتصرة في معركة على حدودها المجاورة، بمثابة صدى لولادة سلالته الحاكمة.. فقد شق حافظ الأسد، والد بشار، طريقه عبر انقلابات داخلية في القصر ليصل إلى الرئاسة مباشرة، بعد أن خسرت سوريا مرتفعات الجولان لصالح إسرائيل في حرب 1967.. وفي تصريح له يوم الأحد الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، (إن هذا الانهيار هو النتيجة المباشرة لعملنا العنيف ضد حزب الله وإيران، الداعمين الرئيسيين للأسد.. لقد أدى ذلك إلى سلسلة من ردود الفعل المتتالية).. ولإثبات وجهة نظره، أرسل نتنياهو قبل بضعة أسابيع، أقرب مساعديه في السياسة الخارجية، رون ديرمر، إلى موسكو برسالة: أخبروا الأسد أنه إذا لم يكبح جماح الإيرانيين، وإذا سمح لحزب الله بإعادة تجميع صفوفه في سوريا، وإذا لم يُغلق الحدود مع لبنان أمام نقل الأسلحة والأموال، (فإننا سنلاحقه).. ومع استمرار المتمردين في وتيرة هجماتهم، فإن سقوط دمشق نفسها كان ما يزال غير مرجح.. فقد ظلت المدينة القديمة صامدة طيلة أغلب فترة الحرب الأهلية، حتى مع اقتراب الدولة ذاتها من الإفلاس.. ولكن خلف الكواليس، كما قال دبلوماسي للصحيفة، إن الإيرانيين بدأوا يتخلون عن الأسد.. فقد غادرت قوات الحرس الثوري الإسلامي والدبلوماسيون وأسرهم البلاد بأعداد كبيرة، وبعضهم اتجه إلى العراق.
وفي غضون يومين، استولى المتمردون على حماة، ثم حمص، آخر مدينة رئيسية على الطريق السريع المؤدي إلى دمشق.. وقال مسئول استخباراتي غربي لصحيفة  Financial Timesإن هيئة تحرير الشام عكست ممارسات الجماعات المتمردة الإسلامية السابقة، من خلال التفاوض على صفقات مع زعماء القبائل المحليين، وتحذير أمراء الحرب المحليين من البقاء على الحياد.. وأضاف، (لقد كان مهرجانًا لزواج المصلحة).. إن هيئة تحرير الشام نفسها فوجئت بسرعة اختفاء الجيش السوري.. ففي بداية الهجوم، أرسلت ثلاثمائة مقاتل لمحاولة اختراق خط منع الاشتباك لعام 2019، من خلال مهاجمة مواقع الجيش السوري، (واختفى الجيش السوري تمامًا).. في نفس الوقت، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يبذلون قصارى جهدهم لمواكبة التطورات.. وكانت عمليات الانتشار الأمريكية في سوريا تتم على طول حدودها مع تركيا، بعيدًا عن تقدم المتمردين، (كانت الأمور تتغير بسرعة أكبر مما يمكننا استيعابه).
وقال شخص مُطَّلع على الأحداث، إن الاستخبارات التركية، التي دعمت فصائل متمردة منفصلة وساعدتها في السيطرة على مساحة واسعة من الأراضي جنوب الحدود التركية ـ السورية منذ عام 2016، ساعدت في الهجوم المُتقدم.. هذا الشخص أكد أن طائرات المراقبة التركية كانت قد رسمت بالفعل، خريطة للمنشآت العسكرية على الطريق إلى دمشق لأسباب عملياتية خاصة بها، وبالتالي تمكَّنت من تقديم جرد تفصيلي للمعدات القتالية السورية المُخزَّنة في بعض المواقع.. ثم عاد ليقول، إن تركيا تُزود بعض الفصائل المتمردة، التي تعمل تحت لواء الجيش الوطني السوري، والتي تنسق مع هيئة تحرير الشام، بالأسلحة، رافضًا الكشف عن التفاصيل. وفي المقابل، تلقت تركيا تأكيدات بأن المتمردين الإسلامويين سوف يمتنعون عن الانضمام إلى المتمردين الأكراد، المدعومين من الولايات المتحدة والذين يسيطرون بالفعل على مناطق واسعة من الأراضي السورية.. وتعتبر تركيا هؤلاء المتمردين جزءًا من حزب العمال الكردستاني، الذي صنَّفه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (منظمة إرهابية)، في حين اعتبرتهم الولايات المتحدة حِصنًا أساسيًا في معركتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).. وقال مسؤول غربي، (لقد نصحنا الأكراد، بأن هذا سيكون الوقت المناسب لهم لمراقبة جدرانهم وحراسة أسوارهم)، وأن هذه ليست (معركتهم).
كانت دمشق في المقدمة.. فبينما كانت هيئة تحرير الشام تتقدم نحو الجنوب، وهي مُدججة بالأسلحة التي خلَّفها الجنود السوريون الهاربون، ومدعومة بـ (السَّكرة) الشعبية، كانت جماعات متمردة أخرى تتجه شمالًا من محافظة درعا، مهد الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2011.. ويبدو أن قوات النظام اختفت بين عشية وضحاها؛ وأشار مراقبو الحرب المحليون، إلى أن القوات أبرمت صفقة مع المتمردين لترك الطريق السريع دون نزاع، مقابل السماح لهم بالفرار.. وكان السباق إلى دمشق، يُذكِّر بسباق مماثل حدث عام 1918، عندما تسابقت القوات الغربية ضد الميليشيات العربية ـ بمساعدة الكولونيل توماس إدوارد لورانس، المعروف بلورانس العرب ـ للاستيلاء على دمشق من الجيش العثماني المُنسحب، في نهاية الحرب العالمية الأولى.. كانت الجائزة آنذاك، كما هي الحال الآن، هي سوريا.. وكانت النتيجة المباشرة آنذاك، كما هي الحال الآن، فوضوية.. ففي ليلة السبت الماضي، عاش سكان دمشق ليلة مُرعبة من الغارات الجوية الإسرائيلية، بهدف تدمير البنية الأساسية الإيرانية لمنعها من الوقوع في أيدي المتمردين، وبين إطلاق النار في الشوارع.. ولكن بحلول الصباح، كانت دمشق في أيديهم. وفي الوقت الحالي، فرضت هيئة تحرير الشام حظر تجوال مسائي، ووضعت حراسًا خارج المباني الإدارية، وأمَّنت البنك المركزي، وأخرجت رئيس الوزراء السوري، محمد غازي الجلالي، من مكاتبه إلى فندق فور سيزونز، حيث تعهَّد بالمساعدة في عملية الانتقال.


ولم يُعلَّن عن رحيل الأسد من قِبل مكتبه، بل أعلنته وزارة الخارجية الروسية.. وقال جون فورمان، الملحق العسكري البريطاني السابق في موسكو، (كانت مسألة وقت فقط)، قبل سقوط القاعدة الجوية الروسية في حميميم والقاعدة البحرية في طرطوس، (إذا لم يتمكنوا من ضمان أمن القاعدة، فسوف يضطرون إلى المغادرة).. وفي الوقت نفسه، نقلت وكالة أنباء (تاس) الروسية، عن مصدر في الكرملين، قوله، إن المتمردين ضمنوا سلامة القواعد الروسية والمرافق الدبلوماسية في البلاد.. وأضاف فورمان، أنه بدون القاعدتين، سيكون من الصعب على روسيا تحدي البحرية التابعة لحلف شمال الأطلسي، أو إظهار قوتها الجوية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ودعم وجودها في شمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى.
وقد أظهرت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، سحب المعدات الروسية نحو قاعدتيها الرئيسيتين، في حين كانت طائرات النقل الثقيل تتنقل بين روسيا وسوريا.. وقد تم التقاط صورة لطائرة عملاقة من طراز N124، يبلغ طول جناحيها أربعة وسبعين مترًا، وقادرة على حمل أشياء كبيرة، على مدرج المطار في السابع من ديسمبر.. ولكن حجم الانسحاب الروسي غير واضح، وربما لا يكون دراماتيكيًا مثل انسحاب الإيرانيين، الذين طاردهم الإسرائيليون، وعدد قليل من السوريين على الأقل، الذين نهبوا سفارة طهران في دمشق.. في الأيام الأخيرة، انطلقت طائرة واحدة ـ روسية على الأرجح ـ من مكان ما في سوريا، وعلى متنها الرجل الأكثر مطاردة في البلاد: الأسد نفسه.. ففي العاصمة التي تركها خلفه، اقتحم اللصوص منزله، ونهبوا الأثاث، وعبثوا بمجموعته من السيارات الفاخرة.. ومثله كمثل وكلاء روسيا الآخرين الذين أطاح بهم الانقلاب، يواجه الأسد الآن مستقبلًا غير مؤكد، بعد أن استنفذ كل ما كان له من فائدة بالنسبة لروسيا وإيران.. ففي سوريا، كان الشباب يركبون تمثالًا له على شكل زلاجة في الشوارع.
●●●
فر الرئيس الأسد من البلاد في وقت مبكر من يوم الأحد، بعد تقدم سريع من قِبل تحالف من الجماعات المتمردة، أدى إلى نهاية مفاجئة لأكثر من خمسين عامًا من حكم عائلة الأسد.. أثارت الأخبار الابتهاج في شوارع دمشق، ولكنها أثارت أيضًا حالة من عدم اليقين الهائل بشأن مستقبل البلاد المضطربة بشدة.. شهد الهجوم الُمذهل، الذي قادته جماعة هيئة تحرير الشام، سيطرة المتمردين المسلحين على المدن الرئيسية في حلب وحماة وحمص في أقل من أسبوعين، بينما تراجعت القوات الحكومية السورية ـ المحبطة والمنهكة بعد سنوات من القتال ـ بسرعة.. في غضون ذلك، يبدو أن أقوى حلفاء الأسد قد فوجئوا بالتقدم السريع، مع تعثر روسيا في أوكرانيا وإضعاف وكلاء إيران بشدة في الاشتباكات مع إسرائيل.. وقد دفع الانهيار غير المتوقع لحكومة الأسد الدبلوماسيين إلى التسرع في مواكبة الأحداث، وفهم العواقب المحتملة للفراغ المفاجئ في السلطة، في بلد كانت الجماعات المسلحة والمتطرفون الإسلاميون والقوى الأجنبية تتنافس فيه منذ فترة طويلة على النفوذ.
وفجأة، ظهر الحديث عن أسلحة كيماوية تمتلكها سوريا، حتى أن أحدهم قال، إن الأولوية الفورية للمجتمع الدولي، ستكون تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية في سوريا، لمنعها من الوقوع في أيدي الجماعات المسلحة. وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، (يجب تأمين أي مخزون محتمل للأسلحة الكيميائية أو المواد ذات الصلة)، بينما ذكرت صحيفة (جيروزالم بوست) العبرية، أن سلاح الجو الإسرائيلي ضرب مصنعًا للأسلحة الكيماوية السورية، لمنعه من الوقوع في أيدي المتمردين.. وفي نذير لواحدة من الديناميكيات المعقدة العديدة، التي من المرجح أن تلعب دورًا في الأسابيع والأشهر المقبلة، قال فيدان إنه لا يرى مجالًا لقوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد في مستقبل البلاد، إذ تعتبر تركيا أن الجماعة، التي تدعمها الولايات المتحدة وتسيطر على ما يقرب من ثلث أراضي البلاد في شمال شرق سوريا، امتدادًا لعدوها اللدود، حزب العمال الكردستاني.. ويواجه الأكراد في سوريا، مثل البلاد بشكل عام، طريقًا لا يمكن التنبؤ به في المستقبل.
وقال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في منتدى الدوحة بقطر، إن موسكو تفعل كل شيء لضمان عدم تمكُّن (الإرهابيين) من الانتصار في سوريا، في إشارة إلى هيئة تحرير الشام، التي صنفتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة كجماعة إرهابية، ولكن قادتها سعوا إلى تقديم موقف أكثر اعتدالًا في السنوات الأخيرة.. والتقى لافروف بنظيريه الإيراني والتركي على هامش القمة، لمناقشة الوضع في سوريا.. وقد اجتمع المسئولون من الدول الثلاث، التي سعت جميعها إلى تشكيل الأحداث في سوريا في السنوات الأخيرة، مرة أخرى في المساء، مع وزراء خارجية خمس دول عربية، حتى وقت متأخر من الليل في غرفة اجتماعات في فندق شيراتون، أصدروا بعدهل بيانًا، دعوا فيه إلى إنهاء العمليات العسكرية وإيجاد حل سياسي للأزمة، بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الذي اعُتُمِد عام 2015، والذي دعا إلى وقف إطلاق النار والتسوية السياسية.. وبحلول صباح يوم الأحد، رحل الأسد، وتم تأكيد رحيله من البلاد لاحقًا، في بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية، أعلن أن الأسد وعائلته وصلوا إلى موسكو، وحصلوا على اللجوء في روسيا (لأسباب إنسانية).
(من المدهش واللافت للنظر، أن أحد أسوأ مجرمي الحرب منذ فترة طويلة أصبح خارج الطريق)، كما قال تشارلز ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، الذي أضاف، (ولكن هذا أيضًا فتح علبة ديدان لا أحد لديه رؤية لها بصراحة في الوقت الحالي).. إن هناك مجالًا آخر للقلق الفوري، وهو احتمال أن يحاول تنظيم الدولة الإسلامية، الذي مارس ذات يوم حكمه الدموي على مساحات شاسعة من سوريا والعراق، الاستفادة من الوضع.. هناك أيضًا مسألة ما إذا كان ينبغي إدراج هيئة تحرير الشام في المفاوضات المستقبلية، في وقت  دعا جير بيدرسن، مبعوث الأمم المتحدة، إلى محادثات عاجلة في جنيف لمناقشة الوضع، لكن لا يزال من غير الواضح من سيمثل البلاد والفصائل المختلفة داخل المحادثات.. قال بيدرسن (إن حقيقة إدراج هيئة تحرير الشام على قائمة المنظمات الإرهابية تخلق تحديات)، مشيرًا إلى أن العمليات داخل الأمم المتحدة لإزالة تصنيف المجموعة كإرهابية كانت خارجة عن سيطرته، لكن (سنواصل العمل لمحاولة، كما قلت، التأكد من أن لدينا عملية شاملة قدر الإمكان.. لكن دعني أكون صادقًا، هذا عمل قيد التقدم.. إن الحقائق على الأرض تتغير طوال الوقت).
اتسمت الحرب الأهلية السورية بمشاركة مجموعة من الدول الأخرى، التي تدعم فصائل مختلفة في الصراع، حيث سعت إلى التنافس على النفوذ وتعزيز مصالحها.. (نحن أيضًا في المرحلة التي ستُعيد فيها العديد من الجهات الفاعلة الخارجية، اختيار أحزابها ووكلائها المفضلين داخل المجتمعات السورية، وهذه نقطة خطيرة أيضًا)..  لقد أثبت تدخل روسيا في الصراع عام 2015 في شكل غارات جوية عقابية، على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، أنه محوري لتعزيز قبضة الأسد على السلطة، في حين قاتلت أقوى وكلاء إيران، حزب الله، إلى جانب قوات الحكومة السورية.. وبعد أن رأت الكتابة على الحائط، بدأت إيران في سحب قادتها العسكريين وأفرادها من سوريا يوم الجمعة الماضي، تاركة حليفها القديم، الأسد، لمصيره.. (لقد اختارت إيران تقليص خسائرها.. لقد قرأت ما بداخل الغرفة.. لقد أدركت أن هناك قدرًا هائلًا من الزخم، وأن الجيش لم يكن مستعدًا للقتال)، كما قالت سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في Chatham House.
تدخلت الولايات المتحدة في الصراع عام 2014، بغارات جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، واحتفظت بقوة صغيرة من حوالي تسعائة جندي في شمال شرق البلاد، لدعم قوات سوريا الديمقراطية.. كما يأتي انهيار نظام الأسد، في الوقت الذي من المقرر أن يعود فيه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير.. خلال فترة ولايته الأولى، سعى ترامب إلى سحب القوات الأمريكية من سوريا، لكن المستشارين الذين حذروا من أن إيران وروسيا ستسعيان إلى ملء الفراغ، أقنعوه بعدم القيام بهذه الخطوة.. كما أمر ترامب بشن ضربات ضد الأسد أكثر من مرة.. يوم السبت، وصف ترامب سوريا بأنها (فوضى) ولكنها ليست "(صديقة) للولايات المتحدة.. وكتب في منشور على X، (لا ينبغي للولايات المتحدة أن يكون لها أي علاقة بها.. هذه ليست معركتنا).
جاء سقوط الحكومة السورية، بعد أربعة عشر شهرًا تقريبًا من الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، والذي أثار سلسلة من الأحداث التي قلبت الشرق الأوسط رأسًا على عقب.. لقد تضرَّر ما يسمى بمحور المقاومة الإيراني بشدة، في الحملات الإسرائيلية في غزة ولبنان، في حين ورد أن الضربات الإسرائيلية المباشرة على إيران ألقت بظلالها على إنتاجها الصاروخي، وأخرجت عددًا من أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بها.. إن طهران تجد نفسها الآن في لحظة (ضعف عميق)، مع تولي ترامب منصبه مرة أخرى، ووعد حلفاؤه بعودة حملة الضغط القصوى على طهران.. وفي في حين يظل مستقبل سوريا غير مؤكد إلى حد كبير، فإن الوضع له أيضًا (تداعيات هائلة) على لبنان المجاور، كما قال آموس هوكشتاين، المبعوث الشخص الرئيسي لإدارة بايدن في محادثات السلام بين إسرائيل وحزب الله، في في منتدى الدوحة، فسوريا هي الطريق البري الرئيسي لتسليم الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله في لبنان، و(أعتقد أن ما حدث في سوريا، والذي حدث بالطبع في اليوم التالي لبدء وقف إطلاق النار، يخلق الآن ضعفًا جديدًا لحزب الله).. بينما قال شالوم ليبنر، المستشار السابق لعدد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين، إن إسرائيل متفائلة بحذر بشأن انهيار الأسد، ولكنها ستراقب عن كثب السباق لملء الفراغ في السلطة الذي خلفه، (من الواضح أن هناك كل أنواع المخاوف بشأن من قد يتولى السلطة، بمجرد أن تنتهي هذه الأمور.. أعتقد أن هذا ليس مجرد قلق إسرائيلي.. إنه قلق دولي).
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق عاجل.. القاهرة الإخبارية: جيش الاحتلال ينشر حواجز أمنية على الطرق ويطوق بيت لحم
التالى أرسنال يهزم موناكو بثلاثية فى دورى أبطال أوروبا