أثار سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي هو في الحقيقة امتداد لنظام والده حافظ الأسد، حالة من الارتباك في المشهد السياسي بالشرق الأوسط.
الارتباك لا يرتبط بكون سقوط الأسد مفاجأة، فهو ليس كذلك مطلقا، وإنما بالكم الهائل من التساؤلات التي فجرها التوقيت الذي وقع فيه هذا الانهيار.
ويبرز على رأس قائمة الأسئلة ـ التي تدور جميعها حول مستقبل سوريا ومصير وحدة أراضيها ـ ذلك السؤال المقلق حول تنظيم داعش، وهل ما حدث في سوريا مؤخرا إشارة على مرحلة جديدة يستعيد فيها هذا التنظيم قوته ونفوذه، أم أن انهيار نظام الأسد يعني كلمة النهاية لداعش في ظل تغير قواعد اللعبة السياسية والأمنية هناك؟
الحقيقة أن مستقبل تنظيم داعش في سوريا مرهون إلى حد كبير بمرحلة التحولات السياسية التي تجري هناك، وهل سيتم تغليب المصلحة العليا للشعب السوري، أم ستبدأ مرحلة من الصراعات الداخلية التي تغذي الفوضى، وتمنح داعش مزيدا من الوقت والفرصة للعودة بقوة.
الطريقة التي ستدار بها المرحلة الانتقالية في سوريا، هي التي ستكتب مستقبل داعش، وهل سيتمكن من تعزيز حضوره في مناطق جديدة، أم سيجد نفسه مضطرا للتراجع؟
خطورة داعش تكمن في أنه برغم الخسائر الفادحة التي مني بها في السنوات الأخيرة، مازال يحتفظ بوجود نشط في بعض المناطق السورية، خاصة البادية الشرقية، وريف دير الزور، لذا فالأرجح أنه سيستطيع الاستفادة من حالة الفراغ الأمني الحاصلة الآن، خاصة إذا استمرت لمدة طويلة.
ومع الأخبار حول شن التنظيم لهجمات سريعة على قوات النظام السوري نفسه، قبل انهيارها، وعلى قوات سوريا الديمقراطية، فإن هذا يعد مؤشرا على أن التنظيم نجح ولو جزئيا في إعادة تجميع صفوفه، مستغلا الظروف القاسية في المخيمات، وكذلك في المناطق النائية التي يصعب على القوى المحلية والدولية السيطرة عليها بشكل كامل.
الأزمة الأكبر أن تنظيم داعش يحسن الاعتماد على الخلاي النائمة، وهي التي تمارس الأنشطة التخريبية وهجمات غير المتوقعة، مما يعزز قدرة التنظيم على الاستمرار رغم تراجع مواقعه، خاصة وأنه يظهر قدرة ملحوظة على التكيف مع المتغيرات الميدانية، عبر استخدامه لاستراتيجيات التخفي والاندماج مع السكان المحليين لتجنب الضغوط الأمنية.
غياب السلطة المركزية القوية في دمشق قد يفتح أمام داعش الباب لتوسيع نشاطه في مناطق معينة، لا سيما في شرق سوريا والمناطق الحدودية مع العراق.
وستكون المناطق التي تشهد صراعات مستمرة بين الفصائل المسلحة، سواء المعارضة أو المدعومة من إيران، بيئة خصبة لعودة نشاط التنظيم، فالفوضى السياسية وتعدد القوى المحلية قد يسهم في تراجع التنسيق الأمني، مما يمكن داعش من شن هجمات أكثر تأثيرًا.
في المقابل فإن دعم القوى المحلية القادرة على مواجهة داعش، يجب أن يرتكز على تعزيز التعاون بين هذه القوى لخلق جبهة أمنية قوية، كما أن نجاح المرحلة الانتقالية، سواء عبر مصالحة سياسية محلية أو حل سياسي شامل، سيشكل عاملا أساسيا في تقليص قدرة داعش على استغلال الفوضى، التي قد تحدث بعد سقوط الأسد، فاستقرار الأوضاع السياسية سيكون له تأثير إيجابي على الأوضاع الأمنية، ما يضعف قدرة التنظيم على تحقيق مكاسب جديدة.
بالإضافة إلى ذلك فإن تعزيز التعاون بين القوى الدولية والإقليمية سيكون ضرورة ملحة لمكافحة خطر داعش في مرحلة ما بعد الأسد، لذا يجب تقديم الدعم لقوات الأمن المحلية في سوريا، لتتمكن من فرض السيطرة المطلوبة على الشارع